في اطار التحضير لمؤتمر شامل عن إيران والعرب، يجري الاستعداد لعقده بالشراكة بين المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق و جريدة «السفير» والجامعة اللبنانية ومركزين بحثيين من إيران أحدهما تابع لوزارة الخارجية. استضاف المركز في مقرّه في بيروت، مساء الاربعاء الماضي الباحث والديبلوماسي الإيراني علي رضا مير يوسفي في محاضرة عنوانها «رؤية إيران إلى المتغيرات العربية». وبعد تقديم من مدير المركز الدكتور عبد الحليم فضل الله تضمن التعريف بالمحاضر، تولى الزميل في جريدة السفير نصري صايغ إدارة الحوار ، ومهّد للمحاضرة بالقول إن من الصعب رؤية سوريا في المستقبل دولة علمانية، والقوى العلمانية نفسها اندثرت ولم يبق إلا السُنّة في حضورهم المتعدد، والشيعة في وجوههم المختلفة. وتساءل: هل تستطيع إيران أن تحصّن الموقف من فلسطين في الكيانات العربية المقبلة؟ ثم تحدث علي رضا مير يوسفي شارحاً استراتيجية إيران في عهد الرئيس حسن روحاني، وهي استراتيجية تركز على الاستقرار وعدم العنف، وكانت صيغت قبل نحو سنتين، وأقرت في كانون الأول 2013 وتقوم على تحقيق إنجاز حاسم في المشروع النووي، وعلى ترسيخ علاقة إيران بدول الجوار. وتحدث عن العنف البنيوي بأنماطه المتعددة، كالعنف الاقتصادي حيث العلاقة بين الفقر والعنف علاقة سببية، والعنف السياسي إذ إن من المعروف أن العنف يقل حين تكون المشاركة السياسية أعلى، وعنف الهويات، وهو ما نشهد بعض فصوله الدموية اليوم.

وقد ركز المحاضر على الجهود التي بذلتها وتبذلها القيادة الايرانية لفتح مسارات الحوار مع الدول العربية ولا سيما السعودية وعدم الاستجابة السريعة لهذه المحاولات ، مع انه برزت مؤشرات ايجابية بشأن هذا الحوار في الاسابيع الاخيرة.

وانطلاقا من هذه المحاضرة ومن الجهد الذي يبذل لعقد المؤتمر الشامل عن ايران والعرب لا بد من الاشارة الى الجهود والمحاولات السابقة التي بذلت من اجل عقد حوار عربي – ايراني وحوار ايراني – عربي – تركي والتي بدأها مركز دراسات الوحدة العربية في التسعينات من القرن الماضي وكذلك العديد من المؤسسات العربية والايرانية ولكنها لم تؤد الى نتائج ملموسة بسبب الصراعات القائمة وتصاعد الدور الايراني في العالم العربي وعدم وجود ارادة عربية جادة في هذا الحوار.

لكن يبدو ان المرحلة الحالية تشكل فرصة مناسبة للعودة الى هذا الحوار العربي – الايراني والايراني – العربي – التركي من اجل مواجهة الصراعات القائمة والتوصل الى رؤية مستقبلية للتعاون بين ايران وتركيا والعرب والاتفاق على مشروع مشترك في مواجهة الصراعات المذهبية والقومية والطائفية.

لكن تحقيق هذا الهدف وانهاء العنف والصراع في المنطقة يتطلب مصارحة شاملة بين الايرانيين والعرب والاتراك وكذلك نحن بحاجة لاعادة تصحيح كل السياسات والمواقف التي ادت لتصعيد الصراعات القائمة وهذا لا يتم فقط بالامنيات الجميلة والكلام المنمق والمواقف الاعلامية بل يحتاج لاداء سياسي وامني وعسكري ورؤية فكرية متكاملة تحقق مثل هذا التوجه.

ونحن لن نستبق انعقاد المؤتمر ونتائجه ، لكن ما نتمناه ان تكون التحضيرات واوراق العمل وحجم المشاركة في المؤتمر على مستوى الهدف المنشود وان تكون الاجواء صريحة وشفافة وعلى امل ان تساعد التطورات في المنطقة والجهود التي تبذل لتسوية الصراعات القائمة في نجاح مثل هذه الخطوة المهمة والاستراتيجية.