أفادت أوساط واسعة الاطلاع لصحيفة “الراي” أن ” النائب سليمان فرنجية – رغم صداقته مع الرئيس السوري بشار الاسد وقربه من (حزب الله) – لم يُقِم وزناً لحجم التطاحن الايراني – السعودي الذي ادى – في ظروف أقلّ حدة – الى إبعاد الحريري عن السلطة، في مؤشر على إصرار ايراني في الدرجة الاولى على إخراج السعودية من لبنان، بعدما كانت أخرجتها من العراق بانقلاب سياسي – دستوري أطاح يومها بفرصة مجيء إياد علاوي رئيساً لمجلس الوزراء”.
كان ذلك أيام “الحرب الناعمة”، التي لم ينجح التفاهم السعودي – السوري، المعروف بالـ “سين – سين”، في لجْمها، فكيف هو الحال اليوم مع الحروب المتعددة الساحة، الدائرة بالواسطة، وبلا هوادة، بين ايران والسعودية؟ تسأل هذه الاوساط التي رأت ان فرنجية تعاطى بـ “براغماتية” تبسيطية مع الوقائع التي وجد فيها فرصة ملائمة مكتملة الشروط الداخلية والخارجية لترشيح نفسه، بعدما جرّب حليفه زعيم “التيار الوطني الحر” ميشال عون حظه على مدى أكثر من عام ونصف العام، من دون ان يلوح في الأفق ما يؤشر لإمكان انتخابه.
وبدت الأوساط عيْنها اكثر ميلاً للقول ان “فرنجية ربما أحرق أصابعه في الصراع السنّي – الشيعي حين ظنّ انه بوقوفه في منتصف الطريق، يمكن ان يدفع ايران والسعودية الى فك الاشتباك في لبنان وحول رئاسته… ذهب من أحضان المحور الايراني لإقامة علاقة دافئة مع السعودية عبر تفاهم بالنيابة بينه وبين الحريري، من دون ان يدرك ان قرار (الحلّ والربط) حول شروط التسوية او اقتسام السلطة – والأهمّ حول عودة الحريري وما يرمز اليه – مسألة ترتبط حصراً بحزب الله المحلي – الإقليمي”.
وفي تقدير الأوساط الواسعة الاطلاع ان “حزب الله توقّف عند محضر لقاء فرنجية – الحريري. ورغم انه لم يطلب الاطلاع عليه، فإن ما عرضه فرنجية كان ناقصاً لأن الحزب كان على دراية بتفاصيل الصفحات السبع لا الثلاث، وما تضمّنته من وعود تمسّ جوانب داخلية من عمل المقاومة. وتالياً فإن المهمّ بالنسبة الى الحزب، الذي لم يتيقّن من جدّية مبادرة الحريري ووقوف السعودية خلفها إلا حين اتصل فرنسوا هولاند بفرنجية، انه هو مَن يفاوض على السلّة الشاملة، اي رئاسة الجمهورية والحكومة رئاسةً وتوازنات وقانون الانتخاب وما شابه”.
وحرصت هذه الأوساط على القول ان “(حزب الله) الذي يقاتل ضد السعودية ووهجها في الساحات المترامية، لن يمنح الرياض (جوائز ترضية) في ساحته الأمّ، اي لبنان، وخصوصاً ان المملكة لا تألو جهداً في وضع الحزب على لوائح الارهاب، وتالياً فإن الحزب الذي يحرص على عدم خسارته لحليف كفرنجية لن يفرّط بالمقتضيات الإستراتيجية لمشروعه في لبنان والمنطقة”.
وبهذا المعنى، فإن “حزب الله”، في رأي هذه الاوساط “لا يمانع عودة الحريري الى السلطة، في إطار تَضافُر الجهود لمكافحة الإرهاب ومعالجة الانكماش الاقتصادي المتزايد، لكن طريقه الى رئاسة الحكومة تمرّ حتماً بـ (دفتر شروط) يتيح للحزب الاحتفاظ بالإمرة الإستراتيجية من بوابة التوازنات داخل الحكم والحفاظ على الوجهة الاقليمية لموقع لبنان”.
وانسجاماً مع هذا التوجه، سارع “حزب الله” الى صوغ موقف شيعي موحّد من تفاهم الحريري – فرنجية تجلّى في الانتقال من إفساح المجال لشريك الحزب في “الثنائية الشيعية” رئيس البرلمان نبيه بري للتصويت لفرنجية في اي جلسة افتراضية لانتخابه، الى تبني بري موقف الحزب بالوقوف معاً خلف المرشح الاول لـ “8 آذار”، اي عون.
هذا التشدد يعكس، في تقدير تلك الاوساط، رغبة “حزب الله” في تعديل قواعد اللعبة داخل الحكم في لبنان في إطار صراع النفوذ الايراني – السعودي، وتالياً فإنه لن يكتفي بمجيء أيّ من حلفائه الى رئاسة الجمهورية، بل يريد إنتاج نمط جديد من الحكم يعكس ما يعتبره توازنات جديدة في الداخل وعلى المستوى الاقليمي.