فرضَت عطلة الأعياد استرخاءً سياسياً وتعليقاً للحراك المتصل بالاستحقاق الرئاسي، دفعَا بالاتصالات في شأنه إلى إجازة قسرية. إلّا أنّ زيارة رئيس الحكومة تمّام سلام لبكركي معايِداً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالميلاد حرّكت جمود المشهد السياسي، إذ التقيَا على الدعوة إلى انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت ممكن. اكدت مصادر سياسية رفيعة لـ«الجمهورية» أنّ «تنكّر البعض لوجود مبادرة رئاسية لدى الرئيس سعد الحريري يدلّ على تراجع هذه المبادرة ومحاولة المعنيين بها التنصّل منها، خصوصاً بعدما جاءت ردّات الفعل عليها غيرَ مطابقة لحسابات بيدر أصحابها».

وإذ تؤكّد مصادر معنية أنّ «هؤلاء يحاولون إعادة الاعتبار إلى هذه المبادرة مستفيدين من الأخطاء التي ارتكبوها في شأنها، فإنّ مساعيَهم ستصل إلى حائط مسدود لأنّ كمّية الأخطاء التي ارتكبوها معطوفةً على ما أخفوه من التزامات قطعوها بعضُهم لبعض جعلَ من الصعب على حلفائهما في 8 و14 آذار القبول بها مجدّداً».

وتضيف المصادر أنّ «المعنيين بالمبادرة يراهنون على حراك أميركي الشهرَ المقبل يصل الى مستوى الضغوط من أجل إمرار المبادرة، لكنّ المعارضين لها أو المتحفظين عنها سيكون لهم حراكهم ايضاً من أجل إعادة الاستحقاق الرئاسي إلى جادة الانتظار».

وذكرت المصادر أنّ «حزب الله» ما زال على موقفه المتمسك بشدّة بدعم ترشيح رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ما يعني أنّ فريق 8 آذار سيبقى ملتزماً هذا الترشيح من دون أيّ مقاربة عَملية لترشيح فرنجية طالماً إنّ عون مستمرّ في ترشيحه.

وتقول المصادر إنّ فريق 14 آذار في المقابل ما زال هو الآخر منقسماً على نفسه إزاء المبادرة، وأحياناً يبدي مواقفَ هي أشبَه بالانقلاب عليها، فلا الموقف محسوم قبولاً أو رفضاً في شأنها داخل تيار «المستقبل» ولا هو محسوم أيضاً بين التيار وحلفائه، كذلك الموقف نفسه ينسحب على العواصم الإقليمية المعنية بالشأن اللبناني.

رسالة الراعي

إلى ذلك، وفي ظلّ ما تشهَده الساحة اللبنانية عموماً، والمسيحية خصوصاً من تخبّط في شأن التسوية الرئاسية المطروحة، تطرّقَ الراعي في رسالة الميلاد التي وجّهها أمس إلى العناوين العريضة للاستحقاقات الدستورية، وأبرزُها انتخاب رئيس للجمهورية، وإقرار قانون انتخاب عادل، وحلّ قضية النازحين السوريين.

وطالبَ الراعي في هذه الرسالة بـ»انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع ما يمكن، في اعتباره مسؤولية وطنية جامعة لا تنحصر بالمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً»، ودعا الكتل السياسية والنيابية إلى «مقاربة جدّية للمبادرة الجديدة المختصة بانتخاب الرئيس» معتبراً أنّ هذه المبادرة «تتّصف بالجديّة كما هو ظاهر في عامل الثقة والأمل الذي أحدثَته على المستوى النقدي والمصرفي، وفي الدفع الجديد إلى التفاهم بين فريقَي 14 و8 آذار، فباتَ على الكتل السياسية والنيابية أن تلتقي حول هذه المبادرة، لكشفِ الأوراق بموضوعية وشجاعة واتّخاذ القرار الداخلي الوطني، والذهاب إلى المجلس النيابي وإجراء عملية الانتخاب وفقاً للدستور والممارسة الديموقراطية».

وسأل الراعي: «ما معنى وجوب «سلّة أو تسوية متكاملة» مع انتخاب الرئيس؟ ولفتَ إلى «أنّ البرنامج الأساس لرئيس الجمهورية هو احترام الدستور، وضمان عمل المؤسسات العامة، والحفاظ على وحدة الوطن وعلى استقلاله وسيادته وسلامة أراضيه».

وطالبَ بـ«وضع قانون انتخاب جديد، وهو مِن مسؤولية مجلس النواب كسلطة تشريعية، بحيث يأتي وفقاً للميثاقية اللبنانية، فيترجم المشاركة الفاعلة في تأمين المناصفة الفعلية، ويضمن الاقتراع الحر وحقّ المساءَلة والمحاسبة، ويؤمّن التنافس الديموقراطي، ويلغي فرضَ نواب على طوائفهم بقوّة تكتّلات مذهبية. فلا يحقّ للمجلس النيابي التلكّؤ عن وضع هذا القانون، لكي يُصار على أساسه إلى إجراء الانتخابات النيابية في بداية ولاية الرئيس الجديد».

وإذ أثنى الراعي على «القرار 2254 في شأن سوريا الذي صدرَ عن مجلس الأمن، والخاص بإيقاف الحرب وإيجاد الحلول السياسية وتهيئة الظروف المؤاتية للعودة الآمنة للّاجئين والنازحين خارجياً وداخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة»، رفض أن تكون عودة النازحين «طوعيّة» كما جاء في نص القرار، مؤكّداً «أنّ ما ينطبق على اللاجئين إلى أوروبا وغيرها لا يمكن أن ينطبق على النازحين إلى لبنان للأسباب المذكورة أعلاه، ومنعاً للمطالبة في ما بَعد بتوطينهم ومنحِهم الجنسية اللبنانية، بل يجب أن تكون العودة إلزامية، لكي يحافظوا على حقوقهم في وطنهم، وعلى هويتهم الوطنية والثقافية والحضارية».

سلام في بكركي

إلى ذلك، حضَر عدد من المهنّئين بالأعياد إلى بكركي، أبرزُهم رئيس الحكومة الذي شدّد على «أنّ الصرح البطريركي له المكان والموقع التاريخي الكبير في لبنان، ونعتزّ به ونتواصل معه في كلّ المناسبات»، وأكّد «أهمّية الوحدة الوطنية».

وقال: «سمعنا كلاماً مؤثّراً وواعداً عن لسان البطريرك الراعي في رسالته في شأن الانتخابات الرئاسية، ونأمل في أن يأخذ هذا الكلام مداه عند الجميع، ونحن مع إبقاء هذه الفرصة لأننا متمسّكون بانتخاب رئيس جديد للجمهورية». وشدّد على «أهمّية الصمود في هذه الظروف الصعبة التي نمرّ بها».

وعن مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية، قال سلام: «إنّنا سَمعنا كلاماً مؤثّراً وواعياً على لسان غبطته في رسالة الميلاد، ونأمل في أن يأخذ هذا الكلام والتوجيه مداه عند الجميع، ونحن نتعاطف معه فيه، لإعرابه عن الحرص على إبقاء هذه الفرصة وهذه المبادرة لنتمكّن من تحقيق ما أدعو إليه دائماً ولا أفَوّت مناسبة، وهو تمسُّكنا جميعاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية».

عند عودة

وكان سلام زار أيضاً متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة مهنّئاً بالعيد. وأوضَح بعد الزيارة «أنّنا استمعنا إلى سيادة المطران وما لديه من توجيه ومن رأي ومن شورى ومن فكر، وهو الذي نتابع دائماً مواقفَه الحريصة على وضع الأمور في نصابها وعلى شفافية وضرورة إعطاء كلّ أمر ما يستحقّه من عنايةٍ في خدمة الوطن والمواطنين وليس لغاياتٍ أو أهدافٍ أو مصالح خاصّة.

هذه الدار نتمسَّك بها، نشتدُّ معها، ونواجه كلّ استحقاقاتنا. إنْ شاءَ الله المسيرة الواعدة للبنان وللبنانيين لا تكون إلّا في إطار هكذا أجواء وطنية، وَحدوية، مسيحية إسلامية، في أعيادٍ مشتركة وفي مسارٍ مستقبليّ يكون فيه كلّ الخير لجميع اللبنانيين».

جعجع

وفي ظلّ المشاورات الرئاسية المستمرّة، عرضَ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مع وزير العدل اللواء أشرف ريفي في معراب لآخر التطوّرات السياسية على الساحة اللبنانية، ولا سيّما الملف الرئاسي. واتّصَل جعجع مهنّئاً بعيد الميلاد المجيد بكلّ من: الراعي، رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون والرئيس أمين الجميّل.

المشنوق

وفي السياق أكّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنّ ترشيح فرنجية «ليس مبادرة بمقدار ما هو حركة تواصُل مع الأطراف السياسية اللبنانية كلّها، لمَلء الشغور الرئاسي، وهي ولا تزال موجودة وحيّة ومستمرّة». وقال: «إنّني أتوقع خلال أشهر قليلة أن تصل إلى نتائج إيجابية للتوافق على انتخاب رئيس، لأن لا أحد يمكن أن يدّعي أنّ الشغور الرئاسي يحقّق أيّ استقرار جدّي».

ولفتَ إلى «أنّنا بَحثنا خلال الحوار الأخير في تفعيل الحكومة وعمل مجلس النواب لنعوّض القليل من الفراغ الرئاسي الحاصل». وردّاً على سؤال حول إمكانية عقد جلسة لمجلس الوزراء قريباً، قال: «أنا متفائل في هذا الأمر بَعد الأعياد».

أبوفاعور

ولفتَ وزير الصحة وائل ابو فاعور بعد زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري امس الى أنّه «حصل جدال سياسي سابق حول عدد من قضايا كالتعيينات الأمنية أو غيرها، وهذا الأمر مضى وانقضى، وبالتالي يجب ان يكون هناك بعد الأعياد اتّجاه الى عَقد جلسات لمجلس الوزراء وللمجلس النيابي لكي تُفعّل المؤسسات ويتوقف التعطيل الذي تعاني منه كل مؤسسات الدولة، وبات ينعكس بمقدار كبير على حياة كلّ المواطنين».

حوري

في هذا الوقت، قال عضو كتلة «المستقبل» النائب عمّار حوري لـ»الجمهورية»: «إنّ أحداً لم يعلن عن تسوية رئاسية أو مبادرة، وكلّ ما هنالك نقاش متعلق بتحريك ملف الرئاسة، والعناصر لم تكتمل لإطلاق مبادرة، هي قيد العمل».

وأضاف: «كنّا نتمنى أن تحمل نهاية السنة إشارات إيجابية في انتخاب رئيس جمهورية جديد، ولكن للأسف واضح أنّ التأجيل كان سيّد الموقف وأنّ الامور لم تنضج بعد، ونأمل في ان تحمل سنة 2016 انتخاب الرئيس العتيد.

إذ إنّ الأمور لم تعُد تتحمّل، ووضعُ اللبنانيين لم يعُد يتحمّل، وهذا الشغور الذي يصيب الاقتصاد والاستقرار والحياة الاجتماعية والمعيشية لم يعُد مقبولاً استمراره».

فتفت

وكان عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت أوضَح من معراب بعد زيارته رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أمس الاوّل «أنّ هناك أفكاراً تُطرَح ولكنّها لم تصل الى مرحلة المبادرة الحقيقية، في اعتبار أنّ الطرف الأساسي لا نيَّة واضحة لديه لإخراج البلد من الفراغ الذي يتخبّط فيه حالياً».

ونفى فتفت وجود رأيين داخل تيار «المستقبل» حول المبادرة الرئاسية بانتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، «في اعتبار أنّه حتى اللحظة لم يُعلن تيار «المستقبل» موقفَه بأنّ فرنجية مرشح الرئيس سعد الحريري، بل جلّ ما فيه أنّ هناك بعض الأفكار التي يتمّ تداولها ولا يمكن أن تكون من طرف واحد، إذ يجب أن يكون «حزب الله» مستعداً لمخرَج تسوية».

نصرالله

في غضون ذلك، تترقّب الأوساط السياسية ما سيعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله الذي سيتحدث مجدداً بعد ظهر يوم الأحد المقبل، وهل إنّه سيعلن موقفاً من المبادرة الرئاسية بعدما خلا خطابه الأخير من أيّ إشارة إليها؟

أم أنّه سيحصر كلمته ومواقفَه بمناسبة المهرجان الذي يقيمه الحزب في أسبوع عميد الأسرى والمحرّرين الشهيد سمير القنطار، خصوصاً مع بقاء إسرائيل مؤسّساتها الأمنية والعسكرية مستنفرة ترَقّباً لردّ الحزب.

ومع استمرار الاستنفار الاسرائيلي الامني والعسكري، اعتبَر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أنّ اغتيالَ القنطار «يحمّل المقاومة مسؤولية إضافية لمواصلة عملها ويزيدها تصميماً واشتعالاً».

وقال : «الوطني هو الذي يتعاون مع الأطراف الموجودة في الداخل الوطني، فيقدّم تنازلات ويَعقد اتفاقات لكي يعمِّروا البلد معاً، وأيّ واحد لا يفعل مثل هذه الأمور لا يكون وطنيًا، كلّ واحد يتمسك بخصوصياته ومتطلّباته ومكتسباته ويخَرّب على الجميع من أجل مكاسب رخيصة ثمّ يقول إنّه وطني! لا، هذا ليس وطنيًا».

وإذ أكّد قاسم أنّ «شهادة الشهيد سمير القنطار كانت في الموقع الجهادي الأوّل ضد إسرائيل»، قال: «نحن واضحون كحزب الله، فعندما نقول إنّنا نواجه الإرهاب نحدِّد ونشَخّص، نحن نواجه الإرهاب الإسرائيلي، ونواجه الإرهاب التكفيري، ونواجه أيّ اعتداء واحتلال على كرامة أو أرض أو وطن، ولن ننتظر أن نأخذ شهادة لا من أميركا ولا من مجلس الأمن ولا من دول عربية».

«الوفاء للمقاومة»

من جهتها، شجَبت كتلة «الوفاء للمقاومة»جريمة اغتيال القنطار الإسرائيلية، واعتبَرتها «شاهداً إضافياً يعزّز ضرورة وأحقّية استمرار المقاومة في التصدّي لخطر إسرائيل واعتداءاتها».

وندّدت بقرار الكونغرس الأميركي الأخير الذي استهدف «حزب الله» ومؤيّديه، واعتبرَت «أنّ هذا القرار وأمثاله سيُحفّز «حزب الله» على المضيّ في تصدّيه لمشروع التسلّط الأميركي وفي مقاومة أذرعِه الإرهابيّة التي يمثلها الصهاينة والتكفيريون في لبنان والمنطقة».