يحلّ الميلاد المجيد والتضرع يملأ القلوب لبزوغ فجر مشرقي جديد يضفي على أرض الرسالات السماوية نوراً بعد ظلمة، وعدلاً واعتدالاً يكشف الغمة عن الأمة بعيداً عن نار الإرهاب ونير الاستبداد.. من فلسطين الجريحة إلى سوريا النازفة. أما لبنان المستنزف بمؤسساته واقتصاده وعيش أبنائه تحت وطأة التعطيل الممنهج والشلل المستحكم بمختلف مفاصل الجمهورية، فغصّة الميلاد لا مناص ولا خلاص منها إلا بانتخاب الرئيس كما عبّرت بألم وحزن رسالة هذا العام التي وجهها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، داعيةً إلى إنجاز الاستحقاق «في أسرع ما يمكن» من خلال الالتفاف حول المبادرة المطروحة وفصلها عن مسألة «السلة» التي يشترط بعض الأفرقاء الاتفاق عليها قبل تحرير سدة الرئاسة الأولى من قيود الشغور.

وتوجّه الراعي في رسالة الميلاد أمس إلى «اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً» متسائلاً: «ما معنى وجوب سلة أو تسوية متكاملة مع انتخاب الرئيس؟»، مشدداً على كون «البرنامج الأساس لرئيس الجمهورية هو احترام الدستور وضمانة عمل المؤسسات العامة والحفاظ على وحدة الوطن وحماية العيش المشترك». أما بشأن قانون الانتخابات النيابية العتيد، فذكّر الراعي بأنه «من مسؤولية مجلس النواب كسلطة تشريعية بحيث يأتي وفقاً للميثاقية يترجم المشاركة الفاعلة في تأمين المناصفة الفعلية»، معتبراً أنه «لا يحق للمجلس النيابي التلكؤ عن وضع هذا القانون لكي يُصار على أساسه إلى إجراء الانتخابات النيابية في بداية ولاية الرئيس الجديد».

وإذ لفت الانتباه إلى أنّ «الرئيس هو رئيس للدولة لا ممثل لطائفة وانتخابه مسؤولية وطنية جامعة لا تنحصر بالمسيحيين عامة والموارنة خاصة»، دعا الراعي الكتل السياسية والنيابية إلى «الالتقاء حول المبادرة الجديدة المختصة بانتخاب الرئيس» في إشارة إلى مبادرة ترشيح رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، مجدّداً التأكيد أنها «تتّصف بالجدّية كما هو ظاهر في عامل الثقة والأمل الذي أحدثته على المستوى النقدي والمصرفي، وفي الدفع الجديد للتفاهم بين فريقي 14 و8 آذار». وعلى هذا الأساس ناشد الكتل أن تلتقي حول هذه المبادرة «من أجل كشف الأوراق بموضوعية وشجاعة واتخاذ القرار الداخلي الوطني، والذهاب إلى المجلس النيابي وإجراء عملية الانتخاب وفقاً للدستور والممارسة الديموقراطية».

سلام

وأمس زار رئيس مجلس الوزراء تمام سلام بكركي حيث أشار إلى أنه سمع «كلاماً مؤثراً وواعداً على لسان غبطة البطريرك في رسالة الميلاد»، وأردف قائلاً بعد لقاء الراعي: «آمل أن يأخذ هذا الكلام والتوجيه مداه عند الجميع والتعاضد معه في الإبقاء على هذه الفرصة والمبادرة الرئاسية من أجل تحقيق ما أدعو إليه دائماً وهو تمسكنا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية». وفي معرض التوجّه بالمعايدة إلى المسيحيين وعموم اللبنانيين، أعرب رئيس الحكومة عن الأمل في أن تكون مصادفة التزامن بين عيدي المولد والميلاد هذا العام «مدخلاً لمرحلة جديدة بآمال جديدة تعزز المسيرة الوطنية».

وبعد زيارته متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة، أوضح سلام أنّ الزيارة تندرج في إطار «التأكيد على تضامن وتواصل كل اللبنانيين بما نتمناه جميعاً من وحدة تصون وتحصّن البلد»، منوهاً في هذا السياق بمواقف المطران عودة «الشفافة والحريصة على وضع الأمور في نصابها في مواجهة كل الاستحقاقات»، ومتمنياً أن تسود في ظل الأعياد المشتركة «أجواء وحدوية إسلامية مسيحية ومسار مستقبلي يحمل الخير لكل اللبنانيين».