بالبكاء أستقبل العيد أنا وشقيقتي"، كلمات تختصر معاناة اللاجئة الفلسطينية في مخيم البص-صور هيلين قسيس، التي قست عليها الحياة فجمدت رغبتها في العيش تماماً كما جمد البرد يديها. في دكان فارغ سوى من عدة ربطات من الخبز، تستقبل هيلين زبائنها على كرسي أتعبه الدهر كما اتعبها. تجلس منحنية، تعيد شريط ذكرياتها بعدما فقدت معظم أحبابها لتكمل الدرب مع أختها.
"انا فلسطينية مسيحية من رام الله قدمت عائلتي الى لبنان عام 1948، سكنَت بداية في صور على الخراب، قبل أن يشتري والدي هذا المنزل في المخيم، ويا للأسف توفي ونحن كنا لا نزال صغاراً، فتحمل أخوالي مسؤوليتنا، وبعدما كبرت رديت لهم الجميل حيث رفضت الارتباط وتكوين عائلة لاعتني بهم"، قالت هيلين.
عندما يبكي القلب
والد هيلين كان ميسور الحال، وبعد تهجيره من أرضه بنى مبنى من أربع طبقات في بلدته، لكن لم يكتب له ان يعود اليها فالموت كان اسرع. وتقول: "انزلق ووقع على ظهره فضُرب كبده وتوفى، اهله الآن يسكنون المبنى، كما أن عمي كان ميسور الحال يعيش في اميركا وبعدما تزوج فتاة زحلاوية كتب وصيته بأن نرث كل ما يملكه من عقارات واموال منقولة وغير منقولة أنا واخوتي متري وسمير وسميرة لكن عناصر عائلية الغت مفاعيل الوصية ...".
تسكت قليلاً، تشتكي من برودة الطقس فحتى وسيلة تدفئة لا يمكنها تأمينها فاستعاضت عنها بجرابات في رجليها، وتكمل "الى الآن قلبي يبكي على والدتي التي توفيت سنة 1982، يومها كنت في بيروت اراجع الطبيب، لم يخطر في بالي لحظة ان تفارق الحياة وانا غائبة عنها فقد كانت بصحة جيدة، وما يحزنني اكثر ان آخر كلمة نطقتها كانت اسمي".
الله يعلم ما احتاجه!
ابنة الخامسة والستين عاماً تعاني من الروماتيزم وتكلس في الركبة، وهي تحتاج الى دواء بشكل دائم لا تستطيع تأمينه لكون سعر العلبة منه 60 الف ليرة "احتاج علبتين في الشهر، عندما اؤمن سعر واحدة اتناول حبة بدلاً من الثلاث يومياً".
على الرغم من حاجة هيلين الى كل شيء الا انه عند سؤالها ماذا تتمنى في العيد تجيب بغصة وهي تفرك ركبيتها من وجع اختلط بين النفسي والجسدي "يسوع يعلم ما احتاجه وهذا يكفيني".
مخيم للأرمن!
"عند مدخل مدينة صور يقع مخيم البص الذي انشأته الدولة اللبنانية في العام 1948 بعد هجرة الأرمن من فلسطين حيث بنت لهم مخيماً على أرضه البالغة مساحته نحو 0.8 كلم مربع" بحسب مختار المنطقة سعيد دقور الذي أضاف ان "الاحداث اللبنانية دفعت الأرمن الى مغادرة المخيمّ فتوزعوا على مناطق ومخيمات لبنان. اليوم عدد الفلسطينيين فيه المسجلين في الأونروا نحو 10 آلاف لاجئ، المسيحيون منهم لا يتجاوزوا العشرين عائلة اما الارمن فنحو عائلتين وقد تجنس عدد من اللاجئين بقانون 1994 أما اوضاعهم الانسانية فصعبة جداً".
حال هيلين يختصر حال غالبية العائلات التي تسكن المخيم، فقر، عوز وافتقار الى أدنى مقومات العيش فكيف لهم أن يشعروا بفرحة العيد على الرغم من مرور سنوات على تهجيرهم، فإلى متى سيبقون مفجوعين من الزمن والاهمال؟!