فيما كانت الحركة الشيعية تتسع وتمتد في القرن الأول الهجري ، تعرضت منذ منتصف ذلك القرن لمؤامرة كبرى من بعض أتباع الديانات القديمة المختلفة ،اليهودية والنصرانية والمجوسية ،الذين دخلوا ظاهريا في الإسلام ،أو من أبنائهم الذين كانوا يعرفون بالموالي ،وهم الذين عقدوا الولاء مع القبائل العربية التي فتحت بلادهم ، وخصوصا في العراق . وقد حمل هؤلاء بعضا من عقائدهم وأفكارهم السابقة ،وحاولوا إدخالها في الإسلام لينسفوه من داخله. وفي الحقيقة كانت محاولتهم بمثابة ردة كبيرة ثانية مبطنه عن أهم أركان الإسلام كالتوحيد والنبوة والمعاد ، وخطوة نحو التحلل من قوانين الشريعة الإسلامية .
وكان مدخلهم إلى ذلك : الغلو في أئمة أهل البيت عليهم السلام ،ثم ادعاء النبوة لهم ثم ادعاء الألوهية للأئمة والنبوة لزعماء الغلاة . وأما أداتهم في ذلك فقد كانت فكرة التناسخ والحلول والتفويض ،وهي نظريات قديمة كانت قبل الإسلام ،واستطاعت ان تحرف اليهودية والنصرانية وأن تخترقها وتحولها من التوحيد إلى تأليه بعض الأنبياء كعزير والسيد المسيح عليهما السلام . إن الغلو في محبة الأنبياء والأولياء لدرجة إخراجهم من حد البشرية هي من أعظم المصائب التي حلت على المسلمين وهي ذات وقع وألم كبير على قلوب نبينا وأئمتنا عليهم السلام ،وهي أعظم من تلك السهام والرماح والسيوف التي قتلوا بها حيث يقول الله عز وجل :(ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ) و(مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعقلون).
ورغم أن الأنبياء والأولياء عظماء إلا أن الآيات جاءت للتأكيد على بشرية النبي والولي حتى لا نستغرق في عظمتهم ونبتعد عن عظمة خالقهم وبارئهم ومصورهم ومكونهم ومحييهم ومميتهم وقد صرح رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله في ذلك قائلا : (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) (قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ) .
إن البعض يحاول دائما أن يبرز عظمة الأئمة عليهم السلام فقط من خلال كرامتهم وخوارقهم والتأكيد على علمهم المطلق بجميع ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ،إلى غيرها من الصفات التي توحي إلى الإنسان البسيط أن هؤلاء البعض هم المتمسكون بحبل الأئمة ! .
وهذا البعض يظن بتعظيمه ووصفه لأئمتنا عليهم السلام بنفس المعايير والقيم والصفات التي نستعملها عادة لتعظيم ووصف زعمائنا وأبطالنا القوميين والتاريخيين .
إنما وضعناهم مكانا عليا ،مع أن المسألة غير ذلك ، وذلك لأن نظام القيمة في الإسلام يختلف كليا عن نظام القيمة أو الوطني أو الثقافي ، فمثلا نظن أننا بوصفنا لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله ، أنه فوق البشر ،إنما نحن قد رفعنا من شأنه وقدره ، مع أن قيمة نبي الإسلام أنه كان عبدا لله ، وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق حين قال : "كان رسول الله يجلس جلوس العبد ويأكل مأكل العبد ،ويعلم أنه العبد ". (بحار الأنوار ، ج 63 ، ص 419) . إن هذا لأعظم إجلال ،لأنه إجلال منطلق من الرؤية ومعايير القيمة الخاصة بالثقافة الإسلامية ،أنظروا كيف تحدث الإمام الصادق عليهم السلام عن نبي الإسلام والصفات التي انتقاها لذلك ،مع أنه كان قادرا على أن يصف النبي صلى الله عليه وآله ويعرفه باستخدام المئات من صفات التبجيل والتعظيم ، ولكن ماهي الصفة التي اختارها لذلك ؟إنها صفة العبودية . لذا نرى تقدم العبودية على الرسولية في "أشهد أن محمدا عبده ورسوله" ولم يقل رسوله وعبده !. إن الإعتقاد الحق في النبي وآله عليهم السلام ،هو أنهم عباد الله لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، فالأئمة هم حفظة الدين والسنة الصحيحة .
وهم عليهم السلام كانوا يمثلون الواجهة الصحيحة لﻹسلام ،وأخلاقهم هي التي تمثل أحكام الدين وروحه الحقة ،قدوتهم في ذلك النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، الذي نهل منه أهل البيت علمهم وفضلهم.