من المرجح ان يتيح قرار مجلس الأمن الأخير حول سورية بداية مترددة لعملية سياسية قد تطول أكثر بكثير مما حُدد لها، لكن من المؤكد ان هذه العملية، إذا ما كتب لها ان تستمر، لن تسفر سوى عن تكريس الحدود القائمة بين «الكيانات» السورية المتعددة، مع التعديلات التي سيتيحها تقاسم أراضي «الخلافة» التي أقامها «داعش» المستثنى من بند وقف العمليات العسكرية، في حال اثبتت التحالفات العسكرية الدولية المتعددة نجاعتها، وتمكنت من تقليص رقعة امتداده، وصولاً الى إلغاء «دولته»، وهو أمر مشكوك فيه الى حد بعيد.
فالقرار الدولي الذي صاغته واشنطن وموسكو استند في جوهره إلى تأجيل بت الخلاف حول السبب الرئيس لقيام الثورة السورية، أي بشار الأسد ونظامه، وجعل تطبيق بنوده، بما في ذلك وقف إطلاق النار، رهن التوافق على تفسيرها. وهو توافق تبينت صعوبته بسرعة في ضوء تجديد كل من طهران وموسكو تمسكهما بالأسد وحتى بإمكان ترشحه الى الانتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية. فجلّ ما يريده الروس والإيرانيون من القرار 2254 منح الأسد وجيشه مهلة لالتقاط انفاسه وإعادة تنظيم صفوفه، بانتظار ان ينشغل الأميركيون أكثر بانتخاباتهم الرئاسية، ويواصل الذعر من الإرهاب شلّ الأوروبيين.
ويستفيد الروس والايرانيون من هامش واسع للمناورة ينطوي عليه القرار، سواء في ما تعلق بتحديد تشكيلات «الارهابيين»، وهذا ينعكس في مطالبتهم بتغيير تركيبة الوفد المعارض في المفاوضات وخريطة وقف النار، او بطبيعة السلطة الانتقالية وصلاحياتها، وهذا محل تباين شديد منذ بيان جنيف الأول. وسيؤدي طول العملية السياسية والغموض المقصود في مسارها الى اتاحة الوقت للنظام لإعادة ترتيب سلطته في «سورية المفيدة» وتنظيم آليات ادارتها، في التفاف مسبق على اي نتائج قد تفضي اليها العملية السياسية ويعتبرها في غير مصلحته.
فالقرار الدولي الجديد يقيم توازناً هشاً بين الأطراف المنخرطين في الحرب السورية، فمن جهة يطلب وقفاً للنار بين النظام والمعارضة بالتوازي مع انطلاق مفاوضات سياسية، لكنه لا يحسم اي معارضة يقصد ومن يمثلها في المفاوضات. ومن جهة ثانية يريد للطرفين المتحاربين ان يحوّلا بنادقهما في اتجاه «داعش» وسائر الارهابيين، من دون ان يتمكن من تعريف هؤلاء وتمييزهم عن سواهم، وسط تداخل شائك ومتشعب بين التشكيلات المقاتلة على الارض، ما يعني ان هناك ذرائع جاهزة لخرق وقف النار تبعاً لمعايير النظام الذي يعتبر كل المعارضة «إرهابية»، ومقاييس داعميه.
ومن جهة أخرى، إذا كان مسلماً به ان يرفض القرار ضمناً وجود الارهابيين الاجانب الملتحقين بـ «داعش» و «القاعدة» في سورية، إلا انه لم يأتِ على ذكر الوجود العسكري الأجنبي الرسمي والمعلن على الأراضي السورية، اي الايراني المتعدد الأوجه، والروسي، بما يشكله من ضغط مباشر على اي مفاوضات، لأن هدفه الحفاظ على نفوذ الدولتين وانتشارهما المادي السابق على الانتفاضة، فضلاً عن إنقاذ الأسد. اي ان القرار يفترض في تبرئة مشبوهة ان القوات الايرانية والروسية في سورية هدفها محاربة «داعش»، بينما هي تركز عملياتها فعلياً على معارضي النظام والمدنيين من دون تمييز.
وفي ظل هذه المعطيات، سيكون وقف اطلاق النار مجرد هدنة تبقي على خطوط التماس بين النظام والمعارضة الى حين انتهاء المعركة ضد «داعش» و «النصرة»، والتي قد تشهد مداً وجزراً متكررين، ولا يمكن تحديد مهلة زمنية لها، اي ان الفرصة ستتاح لكل طرف لمحاولة اقتطاع مناطق تخضع حالياً لسيطرة التنظيمين، بما يعزز وضعه الميداني، وتالياً اوراقه في المفاوضات، ما قد يؤدي الى انهيارها مع الهدنة الهشة اصلاً.