اليوم يحتفل المسلمون في لبنان والعالمين العربي والإسلامي بذكرى مولد النبي محمّد (#)، وبعد غد الجمعة يحتفل اللبنانيون والعالم بميلاد السيّد المسيح (ع)، وبقدر ما شكلت المناسبتان تأكيداً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وتحفيزاً على تعزيز الروح الوطنية، الا ان التجاذب السياسي حول مقررات مجلس الوزراء بخصوص ترحيل النفايات، تصدر موقف تكتل «الاصلاح والتغيير» بالتزامن مع حملات تستهدف هذه الخطوة المعروفة دوافعها والمعروفة تكاليفها باعتبارها خياراً مراً لا بدّ منه للتخلص من هذه النفايات وشرورها البيئية والجرثومية، سواء على صحة المواطن أو على غذائه، حيث ان الخيار البديل لعدم وضع هذه المقررات موضع التنفيذ هو إبقاء النفايات مطروحة على بساط الأنهر والاودية وفي الشوارع والطرقات التي لم يعد لديها القدرة على استيعابها.
وبانتظار توقيع اتفاق التلزيم بين مجلس الإنماء والاعمار والشركتين اللتين رست عليهما «خيارات» التلزيم، من المتوقع ان تستمر عمليات التجاذب، من دون ان تؤثر على القرار الحكومي الذي جاء بعد أشهر طويلة ومتعبة من الانتظار. اما مسألة التمويل فهي ستكون على قاعدة التشارك بين الدولة والبلديات، من دون ارهاق خزينة الدولة أو كاهل المواطن، وعلى قاعدة ان البلديات يجب ان تتحمل مسؤولياتها المشمولة بالقوانين المرعية الاجراء.
الاستحقاق الرئاسي
في هذا الوقت، غاب الاستحقاق الرئاسي عن المواقف لا سيما بعد جلسة الحوار التي لم تتطرق إلى هذا الموضوع، كما غاب عن اجتماع الرابية، أمس، واكتفت كتلة «المستقبل» بالاشارة إلى ان الاستحقاق الرئاسي على جدول الاتصالات المستمرة للرئيس سعد الحريري مع مختلف الأطراف لفتح باب الخروج من أزمة الشغور الرئاسي.
وكشف عضو تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب سليم سلهب لـ«اللواء» ان اجتماع الرابية لم يتطرق إلى مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لافتاً الى ان هناك نوعاً من التعميم على عدم الإدلاء بأي موقف سياسي من الآن وحتى رأس السنة الجديدة، «اذ ان كل شيء سيقال في وقته».
وفهم ان النائب ميشال عون تحاشى داخل الاجتماع نقل اي موقف، فيما اكتفت المناقشات على الاحاطة بما جرى في جلسة النفايات وجلسة الحوار. لكن مصادر التكتل وصفت المقابلة التلفزيونية الأخيرة للنائب فرنجية بأنها «اعادت الأمور إلى الوراء».
اما مصادر «القوات اللبنانية» فرأت ان الوضع ما زال مجمداً، مشيرة إلى ان الكلام الذي قاله الرئيس فؤاد السنيورة من ان الأفكار لم تصل بعد إلى حدّ المبادرة لا يزال ساري المفعول، معتبرة ان لا شيء يوحي ان المبادرة «ماشية»، مذكرة باهمية ان تكون المبادرة مقرونة بتسوية كاملة تحترم قوى 14 آذار في إطار دستوري.
ورداً على سؤال، قالت المصادر نفسها: إذا تمّ التسليم جدلاً بأن رئاسة الجمهورية آلت إلى قوى 8 آذار، فإن المنطق يقول ان العماد عون هو أولى بالمعروف.
وعلقت مصادر نيابية على موقف «القوات» والذي سبق ان نقله النائب فادي كرم عن الدكتور سمير جعجع، بقولها ان الأخير يسعى إلى «دغدغة» مشاعر عون لكي لا يتأثر بالضغوط عليه، وبالتالي إبقاء عون مرشحاً أوّل، وهو (أي جعجع) يريد بهذه الطريقة ان يمنع وصول فرنجية.
وكشفت المصادر نفسها ان جعجع لم يتجاوب مع المسعى الأخير الذي قام به سفير المملكة العربية السعودية في لبنان علي عواض عسيري بأن «يأخذ الأمور بالتي هي أحسن».
يذكر ان السفير عسيري زار أمس البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي مهنئاً بالاعياد الميلادية التي تزامنت هذه السنة مع عيد المولد النبوي الشريف، مشيراً إلى ان هذا التزامن يقدم بعداً جديداً للعيش المشترك الذي يتميّز به لبنان.
وقال: «انطلاقاً من حرص قيادة بلادي على لبنان وشعبه الشقيق، ومن محبتي كمواطن عربي وسفير في هذا البلد الطيب، أشدّ على يد المسؤولين كافة الا يوفّروا أي جهد لإيجاد الحلول للأزمات القائمة كافة، ومنها التمكن من اجراء الانتخابات الرئاسية».
إلى ذلك، نقل أحد المشاركين في جلسة الحوار أمس الأوّل عن نائب في «حزب الله» قوله رداً على سؤال من أحد الحاضرين ان الحزب معني بالدرجة الأولى بتفاصيل التسوية الكاملة، وأن الرئاسة بحد ذاتها لا تعدو ان تكون تفصيلاً التسوية بصرف النظر عن المرشح.
التجاذب حول النازحين
وعلى وقع حملة وزير الخارجية جبران باسيل بعد عودته من اجتماعات نيويورك، على ما وصفه بتوجه دولي بعدم إلزام النازحين السوريين بالعودة إلى بلادهم بعد وقف الحرب، وترك الحرية لهم بالعودة أو عدمها، أو ما اسماه قرار مجلس الأمن «بالعودة الطوعية»، حضرت هذه الأزمة على جدول محادثات الرئيس تمام سلام مع نظيره الإيطالي ماثيو رينزي، حيث جرى التداول بالعبء الكبير الذي يتحمله لبنان في إطار النزوح السوري، وهو الأمر الذي ايده المسؤول الدولي الإيطالي مؤكداً ان عدد النازحين الذين استقبلهم لبنان على صغر مساحته وعدد سكانه يفوق بعشرات مرات عدد اللاجئين الذين أتوا إلى إيطاليا هذه السنة، مع العلم ان إيطاليا أكبر من لبنان 15 مرّة (راجع ص2).
في هذا الوقت أكدت السفارة الالمانية في بيان لها أمس، ان حجم المساعدات الالمانية للبنان تخطى الـ160 مليون دولار في العام 2015، مشيرة إلى ان المانيا قدمت هبات مالية هائلة لدعم المؤسسات الإقليمية التي برزت في لبنان منذ بداية الأزمة السورية، إضافة إلى انها قدمت 1.4 مليار دولار لمساعدة المحتاجين في المنطقة.
وكان الوزير باسيل، مضى أمس في حملته تجاه عبارة «العودة الطوعية» للنازحين السوريين، فوجه كتاباً رسمياً إلى الأمم المتحدة جدد فيه رفض لبنان لهذه العبارة التي وردت في القرار الدولي 2254، مشيراً إلى ان الإصرار على توصيف العودة بأنها طوعية، حتى بعد انتهاء الصراع، يثير المخاوف من توطين ودمج النازحين السوريين في لبنان، مشيراً إلى ان لا مبرر يسوغ لأي سبب من الأسباب بقاءهم في لبنان بعد انتهاء الصراع».
اما كتلة «المستقبل» التي شككت بأغراض حملة باسيل لأغراض شعبوية ولاثارة الغرائز والنعرات من خلال التهويل بالتوطين وغيره، فقد لفتت إلى ان وجود اللاجئين في لبنان هو وجود مؤقت اقتضته الظروف الإنسانية المستحيلة السائدة في سوريا، مؤكدة موقفها الثابت والنهائي في حتمية عودة جميع اللاجئين السوريين إلى ديارهم، مشيرة إلى ان هذا أمر «يجمع عليه اللبنانيون».
جولة سلام
وعشية عيد المولد النبوي اليوم، أجرى الرئيس تمام سلام جولة واسعة من اللقاءات مع المرجعيات الروحية الإسلامية، بدأها بزيارة لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ثم نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، وأخيراً لشيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن.
وشدّد سلام في كلمة وجهها إلى اللبنانيين لمناسبة الأعياد على أمله في ان تحل علينا الأعياد العام المقبل ويكون لبنان قد تخطى أزمة الشغور الرئاسي التي عطّلت مؤسساتنا وانهكت اقتصادنا، لنمضي جميعاً في مسار سياسي سليم نعيد فيه الاعتبار لنظامنا الديمقراطي وآلياته، ونلتفت إلى احتياجاتنا الملحة، ونحصن بلدنا إزاء تداعيات الأحداث المؤلمة الجارية في المنطقة».
واعرب الرئيس سلام عن تقديره للجهود التي تقوم بها المرجعيات الروحية في لبنان لتثبيت الاعتدال والمعتدلين في الخطاب والعمل الديني.
ولم يخل موضوع رئاسة الجمهورية من رسالة المفتي دريان في ذكرى المولد النبوي، إذ عبر عن اطمئنانه إلى ان الفرج آت مهما اشتدت الصعاب ووضعت العراقيل في طريق انتخاب رئيس للبنان، مشيراً إلى ان المبادرات الوطنية للحث على الانتخاب هي نوايا صادقة ويعوّل عليها.
وقال: «قرأت في الصحف ان مجلس الوزراء اجتمع لبحث مشكلة النفايات فقط والعالقة منذ قرابة العام، فيا بخت النفايات، ولكي يجتمع مجلس نوابنا لانتخاب رئيس يكاد يمضي عامان على خلو المنصب منه فقط؟
وتابع: «لا يزال لدينا أمل».