في زمن الفرقة والشقاق على شتى الصعد السياسية وعلى مختلف أوجه الحروب الإقصائية الدائرة بسلاح الطائفية والمذهبية البغيض، يقف لبنان بكيانه وشعبه وعيشه المشترك حابساً الأنفاس الفتنوية وعاقداً العزم والأمل على تمتين أواصر الصيغة الفريدة التي كرسته وطناً «رسالة» عصية على جنون الإرهاب وجنوح التشدّد باسم الدين عن جوهر تعاليمه النابذة لكل أشكال التطرف والغلو والشطط، وأسس مفاهيمه الداعية إلى التمسك بأركان السماحة والعدالة والاعتدال. وما التزامن بين عيدي المولد النبوي الشريف والميلاد المجيد هذا العام سوى تذكير بأحد أهم مرتكزات رسالة العيش الإسلامي المسيحي الواحد وسط تقاطع وطني روحي عابر للطوائف والمذاهب في الإعراب عن أمنية لبنانية موحدة عشية المولد والميلاد تبتهل رجاءً وأملاً بأن يصبح للجمهورية رئيس. 

وفي هذا الإطار، جاءت رسالة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في ذكرى المولد النبوي الشريف أمس للتشديد على وجوب التمسك بمفاهيم وتعاليم «رسالة الوحدانية والوحدة والرحمة والأخلاق» ونبذ «الفرقة التي استشرت في صفوفنا» مديناً «هذا القتل الفظيع، والتهجير الفظيع، والإرهاب الفظيع الذي سوّد وجه الإسلام والمسلمين في العالم». وأكد دريان في ما يتعلق بأحوال الدولة المتردية أنّ اللبنانيين «قادرون على الوقوف والتصرف ومنع الانهيار»، متسائلاً: «لماذا تتعطل مؤسساتنا الدستورية، بدون داع أو مسوّغ؟»، وأردف معرباً في المقابل عن ثقته بأنّ الأمل لا يزال موجوداً وبأنّ «الفرج آتٍ مهما اشتدت الصعاب ووضعت العراقيل في طريق انتخاب رئيس»، مع إشارته في هذا السياق إلى أنّ «المبادرات الوطنية للحث على الانتخاب هي نوايا صادقة ويعوّل عليها».

كذلك، وضع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الإصبع على الجرح الرئاسي النازف في الجمهورية خلال رعايته ريستالاً ميلادياً في كنيسة الصرح البطريركي فشدد على «العيد الذي ننتظره في لبنان هو انتخاب رئيس للجمهورية»، وقال: «ما دام لا رئيس فلا معنى للعيد عندنا، فبوجوده يشرّع المجلس النيابي وتعمل الحكومة وتستعيد المؤسسات دورها وتعود الحياة إلى المجتمع، فعبثاً يقنعنا أحد أو نقنع أنفسنا بأن لبنان يسير من دون رئيس للجمهورية».

سلام

ولمناسبة عيدي المولد والميلاد وحلول العام الجديد، أمل رئيس الحكومة تمام سلام «أن تحلّ علينا الأعياد العام المقبل ويكون لبنان قد تخطى أزمة الشغور الرئاسي التي عطلت مؤسساتنا وأنهكت اقتصادنا، لنمضي جميعاً في مسار سياسي سليم نعيد فيه الاعتبار لنظامنا الديموقراطي وآلياته، ونلتفت إلى احتياجاتنا الملحة ونحصّن بلدنا إزاء تداعيات الاحداث المؤلمة الجارية في منطقتنا». كما استذكر سلام في المناسبة شهداء الوطن من الجيش والقوى الأمنية، معرباً في الوقت عينه عن التطلع إلى اليوم الذي نحتفل فيه بالأعياد مع العسكريين التسعة الأسرى لدى «داعش».

وكان رئيس الحكومة قد زار معايداً كلاً من مفتي الجمهورية في دار الفتوى ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان في مقر المجلس وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن في دار الطائفة، مؤكداً ضرورة «تثبيت الاعتدال والمعتدلين في خطابنا وعملنا الديني وفي مجالنا الوطني»، مع التشديد في هذا المجال على أهمية العمل باتجاه كل «ما يصب في فائدة وحدتنا الوطنية والاسلامية لتعزيز مسار لبنان واللبنانيين».