لم يكتف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بتخصيص ظهوره الأول بعد اغتيال المقاوم الشهيد سمير القنطار للحديث عن تداعيات هذه الجريمة الاسرائيلية، بل دخل سريعاً في صلب الموضوع، مؤكداً على حتمية رد «حزب الله»، قبل أن ينتقل إلى الملف الذي كان مقرراً أساساً أن يخصص له الحيز الأكبر في إطلالة مستقلة.
استهداف «حزب الله»، الذي يأتي اغتيال القنطار في إطاره، تكثف في الفترة الأخيرة، حيث كانت أبرز تجلياته إقرار الكونغرس الأميركي، بمجلسيه، قانوناً يدعو إلى فرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع «حزب الله»، أضف إلى العمل على قطع تعامل قناة «المنار» التي صنفت «إرهابية» مع مشغلي الاقمار الصناعية التي تبث برامجها.
وإذا كان القانون الذي أقر يضع أمام الإدارة الأميركية مجموعة مهل تتأكد خلالها من تطبيقه، فهو يطلب منها أيضاً وضع لائحة بالدول التي تدعم «حزب الله» أو تلك التي يقيم فيها قاعدة لوجسـتية اساسية. وفيما يتخوف بعض المصرفيين من أن يكون لبنان من بين هذه الدول، ثمة في المقابل، من يذكّر أن «حزب الله» هو حزب لبناني ممثل في مجلسي النواب والوزراء.
وإذا كان القانون يطلب من وزارة الخزانة الأميركية فرض شروط قاسية على فتح أي حساب لأية جهة تقوم بتسهيل التعاملات مع «حزب الله»، فقد حسم السيد نصرالله الموقف بالتأكيد أنه «لا يوجد ودائع لحزب الله في مصارف العالم، ولا حتى في المصارف اللبنانية. لذلك، لا داعي للقلق لا في المصرف المركزي ولا في سواه».
وهو إذ أكد أيضاً أن الحزب ليس شريكاً في أي مشاريع تجارية أو شركات لبنانية أو غير لبنانية، طالب الحكومة والمصارف اللبنانية بحماية التجار اللبنانيين، رافضاً «الإجراءات التي يتخذها بعض المصارف»، ومحذرا من «الاستمرار في الانصياع للارادة الاميركية على هذا الصعيد».
مع ذلك، فقد كان وقْع موقف نصرالله إيجابياً على المصارف اللبنانية، فاعتبر مصدر معني أن الأمين العام لـ «حزب الله» أسدى خدمة كبيرة للقطاع بتأكيده أنه لا يتعامل مع المصارف في لبنان، «وهي رسالة يفترض ان تكون قد وصلت إلى المؤسسات الدولية والأميركية لتؤكد التزام المصارف بالتدابير والتعاميم الخارجية التي تؤثر على علاقتها بالمصارف العالمية عبر المصارف المراسلة التي تعتمد القوانين الخارجية».
وكان تعميم مصرف لبنان الرقم 126 قد طلب من المصارف اللبنانية التي تتعامل مع الأسواق العالمية أن تلتزم بالعقوبات التي تلتزم بها المصارف التي تتعامل معها. وهذا يعني، بحسب المصارف، أنها لا تقاطع الشركات لمجرد وجود قرارات ضدها بل لأن المصارف المراسلة تقاطعها التزاماً بالقرارات الدولية، ما يضطر المصارف اللبنانية إلى الالتزام تلافياً لقطع علاقتها معها.
من جهته، يقول مصدر في لجنة الرقابة على المصارف لـ «السفير» إن هناك عقلانية من قبل المصارف لجهة طريقة التعامل مع «حزب الله» وهناك عقلانية من قبل «حزب الله» بمعرفة هذا الواقع والتعامل معه منعاً للوقوع في المخالفات.
في المقابل، ثمة تأكيد في «حزب الله» على التعاون مع المصارف في الأمور التي يمكن أن تؤثر فعلاً على القطاع المصرفي في لبنان، بحيث يمكنه أن يتفهم على سبيل المثال أن لا يكون بإمكان مؤسسات الحزب إجراء التحويلات أو فتح الحسابات بالدولار، لكن نقطة الخلاف مع المصارف تتركز عند سعي بعضها «أن تكون ملكية أكثر من الملك»، بحيث تطبق إجراءات تتفوق حتى على ما هو مطلوب منها.
وقبل أشهر، انشغلت مراجع رسمية وحزبية بمعالجة قرار أحد المصارف الكبرى القاضي بإغلاق حسابات بعض نواب «حزب الله» حيث يوطنون رواتبهم، ونقل عن الرئيس نبيه بري الذي تابع هذه القضية مباشرة أن هؤلاء النواب هم ممثلون للشعب اللبناني ويقبضون رواتبهم من الخزينة اللبنانية، وبالعملة الوطنية لا بالدولار، أضف إلى أن حساباتهم شخصية لا حزبية أو تجارية. ولم يتراجع المصرف حينذاك إلا بعد أن سمع تحذيراً جدياً له بأن المقاومة «ستضطر للدفاع عن نفسها أمام من يسعى لمواجهة جمهورها»، وستدعو كل المناصرين والمؤيدين إلى مقاطعته.
طرحت تلك الحادثة، إضافة إلى حوادث مشابهة، أبرزها طلب مصرف كبير آخر، من عملاء لديه تسديد قروض إسكانية كانوا قد حصلوا عليها بواسطته، من المؤسسة العامة للإسكان، لأنه يريد إغلاق حساباتهم، ورفض مصرف ثالث فتح حساب توطين للرسوم المدرسية الخاصة بأبناء أحد النواب، إشكالات جدية تتعلق في كيفية حماية حق مواطنين لبنانيين من الإجراءات التعسفية التي تتخذ بحقهم.
واللافت للانتباه أن كل ذلك يجري من دون أن يكون للحكومة اللبنانية أي سلطة على أراضيها، بحيث يقوم مصرف لبناني يخضع للقانون اللبناني بإجراءات «تمس بمبدأ القانون ومنطق السيادة الوطنية»، من دون أن يكون لها أي موقف من الأمر!
وإذا كان مصرفيون يعتقدون أن القرارات الأميركية بفرض عقوبات ضد بعض المصارف والمؤسسات المالية تحمل في طياتها بوادر تدخل اسرائيلي عن طريق اللوبي اليهودي بما يملك من ثقل ونفوذ في مركز القرار المالي الدولي، فإن السؤال يبقى ما هو دور لبنان في المقابل وهل سيستمر في تلقي الضربات التي تنال من سيادته وتعرض مواطنيه للمخاطر، من دون أي رد، وقبل ذلك هل يملك لبنان الارادة والقدرة على الرد؟
ولأنه يبقى مفهوماً أن تعطي المصارف الأولوية لمصالحها على حساب مصالح مودعيها، خصوصا بعدما شاهدت بأم العين كيف تم إنهاء «البنك اللبناني ـ الكندي»، فإن المسؤولية تقع أولاً وأخيراً على السلطة السياسية، فإذا كانت الحكومة عاجزة عن المواجهة لاعتبارات عدة معظمها غير واقعي، فإن أبسط الإيمان أن تملك سياسات واضحة تسمح لها، على الأقل بتحديد خطوط دفاع عن السيادة الوطنية، بحيث تتحول هذه العملية إلى قاعدة تحكم عمل المصارف، بدل ان تكمل المصارف في سياسة الإذعان التام.