لا غرابة من هذا التساؤل فقد مرت في التاريخ الإسلامي عموما ،وفي التاريخ الشيعي خصوصا ،أحداث ومراحل لم يستطع فيها المرجع الفقيه أن ينطق بما يراه.
هل أن المرجع الفلاني اليوم يستطيع أن يفتي بكل ما يراه حتى لو خالف الناس ؟ وهل أن العالم الفلاني يستطيع أن يبدي رأيه المخالف للناس ؟ جوابا على ما تقدم ، اليوم هكذا : المرجع لا يستطيع أن يفتي بما يخالف الناس ، وإمام الجماعة لا يستطيع أن يتكلم بما لا يقبل به الناس ، والكاتب لا يستطيع أن يكتب ما يعلم خوفا من أن يهيج الناس ، والعالم العلامة لا يستطيع أن يتفوه بما يعارض الناس ، فالناس هم المعيار للفتوى والمعيار للحق والباطل والصدق والكذب ! سبحان الله ، يخافون من الناس ويخشونهم أكثر من خوفهم وخشيتهم من الله ، بل إنهم (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله) أي يستترون من الناس حياء منهم وخوفا من ضررهم ونسوا أن (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا ) من كانوا ؟!! وعجبا أن ترى بعض العلماء يقولون ويرددون : لا تربك الناس والساحة ولا تهيجهم ولا تزعزع أفكارهم حتى وإن كانت خاطئة ، فلا بد من كتمان الحق خوفا من الناس ، ولا بد من تغييب الحقيقة فما كل ما يعرف يقال .
الله الله في الناس ! لا تزعجوهم ولا تقولوا ما يخالفهم ولا تتفوهوا بما يزعجهم ويخالف أفكارهم . الله الله فيهم ، فهم أهل التقوى وهم أهل الأفكار الصحيحة والعقائد الحقة التي لا يستطيع أي عالم وأي مرجع أن يخالفهم ، بل إن الناس هم المراجع .
ولنا في القضايا التاريخية والعقائدية أشد الأثر فليس لأحد الجرأة (إلا القلة) على مخالفة معتقدات الناس ومرتكزاتهم الذهنية الذاتية ، وليس لأحد الجرأة على مخالفة موروثات الناس التاريخية المكتسبة حتى أكبر مرجعية شيعية لا تستطيع أن تخالف موروثات الناس التاريخية المكتسبة وتخالف الرأي السائد للناس وإلا أسقطت مرجعيتها وصارت علكة في أفواهم لا تستساغ ،كما حدث ... وأقول للعلماء : الله الله في الناس لا تتجرؤوا على مخالفتهم ولا تمدوا أعينكم أبعد من نظرهم ،ولا تفكروا بما يخالف آراءهم .
إكتموا الحقيقة واخفوا عنهم كل أثر عقائديا كان أو فقهيا ،بل إن الأمور العقائدية لا بد من أن تخفى عنهم أكثر من القضايا الفقهية ،استمعوا للناس وقولوا ما يقولون واعتقدوا بما يعتقدون وافتوا حسب ما يرون فهم المراجع وانتم من يقلدهم .!! إننا وللأسف في واقع مأساوي ! يحارب فيه العالم الجرئ الذي يصدح بالحق أمام الناس وممن يحارب ؟! من أبناء صنفه وجلدته ،والأدهى والأمر أن يستخدم الناس وسيلة لمحاربته والفتك به وبأفكاره ،وإسقاطه من أعينهم ،إرضاء للناس وتطيبا لخواطرهم وأفكارهم القرآنية السليمة وعقائدهم النيرة !! فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون !!
" محمد حسين ترحيني"