بعد مرور قرابة 8 أشهر على انطلاق «عاصفة الحزم» ضد تمرد «الحوثي - صالح» المدعوم من طهران للسيطرة على اليمن، تستعيد الرياض زمام المبادرة من جديد، وتعلن عن تشكيل تحالف إسلامي مكون من 34 دولة تقوده السعودية لمحاربة الإرهاب، يضم في صفوفه دولاً عربية وإسلامية محورية، كالإمارات وقطر والأردن والمغرب وتركيا وباكستان وإندونيسيا ونيجيريا، وقد اتفقت الدول المشاركة في التحالف، على تأسيس مركز عمليات مشترك مقره الرياض، لتنسيق العمليات العسكرية ودعمها والتنسيق مع الدول الصديقة والجهات الدولية، في سبيل خدمة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد عقب الإعلان عن تشكيل التحالف، أكد ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان أن الحرب على الإرهاب ستكون شاملة «عسكريًا وفكريًا وإعلاميًا»، وأنها لا تستهدف «داعش» فقط.
يتزامن الإعلان عن تحالف الرياض العسكري، مع جملة تحولات في المشهد الدولي، زادت الموقف الإقليمي تعقيدًا، في مقدمتها انكفاء أميركي غير مبرر، وتراجع الدور الأوروبي وارتباكه، ورغبة روسيا في استعادة هيبة الدولة الكبرى، وانتهاز فرصة ملء الفراغ الأميركي، وتغلغل إيراني طائفي من بيروت إلى اليمن مرورًا ببغداد وسوريا.
من هذا المنطلق، ليس مستبعدًا أن تقف طهران وأتباعها في دمشق وبغداد وبيروت، في مقدمة الرافضين لهذا التحالف، وتعتبره أداة لإقصائها ووسيلة لحصر نفوذها، فأمام هكذا إجماع إسلامي على مواجهة الإرهاب، أيًا كانت جهته (سنية، شيعية، علمانية)، لم يعد بمقدور طهران الدفاع عن ميليشياتها في سوريا والعراق، وما سيقلقها أكثر إمكانية تعاون دول التحالف مع الحكومة العراقية وجيشها من أجل تحرير الأنبار والموصل، بمعزل عن رغبات طهران وحساباتها، كما سيضع التحالف القيود على عرضها حصرية شراكتها مع المجتمع الدولي في محاربة «داعش»، حيث اتسمت تصرفاتها في المنطقة بكثير من الطائفية، واعتقدت أنها، من خلال عبثها بورقة التطرف والطائفية، تستطيع أن تملي شروطها على جوارها في لحظة استشعار بغلبة عابرة.
في أول تعليق له، اعتبر الكرملين أن بلاده تحتاج إلى وقت لتحليل التفاصيل المتعلقة بأهداف التحالف الإسلامي والمشاركين فيه؛ ففي الوقت الذي تحاول فيه موسكو بالقوة انتزاع اعتراف دولي بزعامتها للحرب على الإرهاب، وفرض توصيفها وتصنيفها للجماعات الإرهابية، من دون الأخذ بعين الاعتبار الحساسيات المكونة للمجتمعات العربية والإسلامية، مع رفضها التمييز بين «داعش» ومن يحملون السلاح بوجه الأسد، واعتبارها أن 70 في المائة من سوريا تحت سيطرة الإرهاب، وترى أن الإرهاب محصور في فئة معينة دون سواها، وتغض الطرف عن وجود عشرات الآلاف من المرتزقة الإيرانيين في سوريا، ومما لا شك فيه أنها ستواجه بموقف حازم من التحالف، يطالبها بإعادة صياغة خياراتها لتجنب مواجهة الأغلبية الإسلامية، التي ترى أنها منحازة لطرف على حساب الآخر.
وباتت واشنطن الآن محرجة في كيفية التعامل مع هذا التحالف، بسبب تلكؤها المتعمد في الحرب على «داعش»، لأن القضاء على التنظيم سيسرع من رحيل الأسد، الذي تحاول واشنطن تجنبه في هذه الفترة، كما أن التحالف سيحرجها مع حلفائها التقليديين في المنطقة وفي مقدمتهم تركيا، التي سترى في التحالف غطاء إسلاميًا من أجل تنفيذ مشروع المنطقة الآمنة شمال سوريا، حيث أعلن رئيس وزرائها أن بلاده مستعدة للمساهمة بكل ما لديها في التحالف الإسلامي، كما سيعزز موقف الرياض المطالب بضرورة تزامن الحرب على «داعش» مع عملية انتقال سياسي في سوريا، لا يستبعد فيها استخدام القوة بوجه الأسد و«داعش»، وهذا ما سيحرج واشنطن المنشغلة بحماية مصالح طهران على حساب شعوب المنطقة.
وعليه وضعت الرياض والتحالف الإسلامي العسكري النقاط على الحروف، وهيأوا الأرضية لإعادة رسم الأولويات، وأكدوا أن باستطاعتهم تغيير المعادلة الميدانية، لحماية ثوابتهم الجيو – سياسية، بعد أن بات الإرهاب وحجة الحرب عليه أداة في تنفيذ مخطط إفراغ مساحة جغرافية محورية من سكانها الأصليين، والعبث بتوزيعها الديموغرافي، بما وصل إلى حد تحويل الأغلبية إلى أقلية وتخييرها: إما الخضوع أو الرحيل.