بهالة «رئاسية» تسووية غير سلطوية أطل رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية على اللبنانيين أمس متجاوزاً العُقد الشخصية والتعقيدات السياسية ليعلن برنامجه الوفاقي لسدة الرئاسة الأولى تحت شعار «الرئيس المواطن» رأفةً بالبلد وأبنائه وتأميناً لفرص إنمائه وتنميته اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً، مشدداً على كونه مرشحاً «أكثر من أي وقت» تحقيقاً لما يعزز قدرات «الدولة وقواها الشرعية» وإعلاءً لمصلحة «لبنان أولاً وأخيراً». وبينما استحوذت مواقف فرنجية على اهتمامات مختلف الأطراف على الساحتين السياسية والرئاسية، برز أمس على شريط الأحداث خبر استقطب الاهتمام على الساحة الأمنية وتمثّل بإعلان توقيف النائب السابق حسن يعقوب على ذمة التحقيق في قضية اختطاف هنيبعل القذافي بعدما ووجه في شعبة المعلومات بتسجيلات هاتفية تدينه في القضية وبالامرأة السورية التي شكلت همزة الوصل بينه وبين الخاطفين، وأفادت مصادر أمنية رفيعة «المستقبل» أنه سيُصار إلى إحالة الموقوف يعقوب إلى النيابة العامة لإجراء المقتضى القانوني بحقه، في حين يستمر العمل لتوقيف كافة أفراد المجموعة التي نفذت عملية الخطف.

إذاً، أطلق فرنجية جملة مواقف موفقة في إيصال أفكاره وطروحاته التوافقية لرئاسة الجمهورية بوصفه مرشح تسوية وطنية تعبّد الطريق أمام إنجاح الفرصة السانحة لإقصاء الشغور المقيم منذ أكثر من سنة ونصف السنة في القصر الجمهوري، موضحاً كيف ولدت المبادرة الجدية لتبني ترشيحه من قبل الرئيس سعد الحريري منذ ما قبل لقاء باريس من خلال وسطاء، وأثناء اللقاء وبعده، بحيث أكد بخلاف كل ما أشيع عبر إعلام 8 آذار خلال الفترة الماضية أنّ الحريري «لم يطلب تولي رئاسة الحكومة» خلال عهده في حال انتخابه، وأنّ أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله واكب كافة مراحل المبادرة «خطوة خطوة». 

عون

عن علاقته مع الرابية، يصح القول بأنّ فرنجية «بق البحصة» العونية في إطلالته أمس من خلال الانطباع الذي عكسه أثناء مقاربة علاقته «الفاترة وغير الطبيعية منذ سنتين» مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون: «هو يقول إنه مرشح «أنا أو لا أحد» ولا يوجد خطة «باء» لديه»، متطرقاً إلى أسباب تعمد السرية في المشاورات التي كان يجريها مع الحريري بشأن ترشيحه بالتنسيق التام مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ونصرالله حرصاً على التوصل إلى طرح ملموس بهذا الخصوص على أن يتولى الحلفاء بعدها الحديث مع عون في الأمر وتحديداً «حزب الله» الذي درجت العادة «أن يرطّب الأجواء المتوترة بيننا». وأضاف فرنجية: «أنا فاوضت وتكلمت مع الرئيس الحريري، وخرجنا بتفاهم كان سيؤدي الى مبادرة والمبادرة ستؤدي إلى ارتياح في البلد»، متسائلاً: «ما قمتُ به ألم يقم به أحد غيري؟ ألم يذهب الجنرال عون إلى باريس؟ ألم يذهب إلى إيطاليا وبطائرة سعد الحريري ذهب إلى باريس؟ لماذا التعاطي معي يكون أنه ترشيح سني لمسيحي، والتعاطي الآخر يكون مشروع وفاق وطني؟» وأردف رداً على كون عون نفسه هو مرشح «حزب الله»: «عندما يختار الرئيس الحريري أو السيد نصرالله ويوافق سليمان فرنجية فهذا غنى للبنان»، متوجهاً إلى العونيين الذين انتقدوا ذهابه إلى باريس بالقول: «أنتم عندما ذهبتم كنتم تطلبون الرئاسة، أما نحن فذهبنا مقبولين رئاسياً، مع غيري حصلت الزيارة قبل أن يكون هناك حتى همس بالشأن الرئاسي«. 

ثم سأل رداً على مطالبته من قبل الأحزاب المسيحية بتأمين قانون انتخابي محدد كشرط للقبول به رئيساً: «لماذا هذا الموضوع لم يُطرح حين كان غيري يسعى لانتخابه؟» في إشارة إلى عدم مطالبة عون بهذا الشرط إبان تسويق نفسه مرشحاً توافقياً للرئاسة، مذكراً في الوقت عينه بلقاء بكركي الذي كرّس ترشيح الأربعة الأقوياء (أمين الجميل وعون وسمير جعجع) بالإضافة إليه والذين تعهدوا عدم وضع «فيتو» على ترشيح أحد منهم في حال قبوله من الطرف الآخر.

وعما إذا كان بعد الاعتراضات التي حصلت لا يزال مرشحاً، أجاب: «نعم أنا مرشح لرئاسة الجمهورية أكثر من أي وقت وأترك فرصة أو مجالاً للجنرال عون فإذا استطاع أن يمر فأنا معه ولكن إذا سألتني عن الوقت أقول لك إنّ هذا الأمر يتم تنسيقه بين الحلفاء، ولكن في نهاية المطاف أنا مرشح لرئاسة الجمهورية وأنا موجود«.

السعودية

وإذ أكد أنه يعتبر نفسه «ابن الطائف» مع إشارته إلى الحاجة إلى معالجة بعض الثغرات فيه «بالتوافق مع الرئيس الحريري»، ذكّر فرنجية في مسألة علاقته بالمملكة العربية السعودية بأنه لم يهاجمها «بالشخصي» يوماً وأنه يضع في مكتبه صورة لجده الرئيس الراحل سليمان فرنجية مع الملك فيصل بن عبد العزيز، من منطلق تمسكه وافتخاره بـ»العلاقة التاريخية مع عائلة آل عبد العزيز» والتي شدد على كونه يعتز بها ويراها «غنى لعائلتي وتاريخي».

الحريري

عن علاقته بالرئيس الحريري، أكد أنّ «الكيمياء ركبت 100%» وأنه يثق به «100%»، مشيراً إلى أنّ ما يتعهد به «على الهواء مباشرةً» هو أنه لا يمكن أن «يطعنه بالظهر» ولا أن يتآمر على إسقاط حكومته. وشدد في المقابل على أنّ الحريري «لم يطلب أن يكون رئيساً للحكومة بل كل ما طلبه هو حكومة وفاق وطني».

«حزب الله»

وعن موقف «حزب الله» من ترشيحه، أعرب فرنجية عن ثقته بأنّ نصرالله يدعم ترشّحه الرئاسي لكن لديه مشكلة التزامه مع عون، وقال: «أعتبر الوفاء للجنرال من شيم الحزب ولكن مضى علينا سنة ونصف السنة ونحن ننتظر، لن نتخطى الحزب ولا عون ولكن نقول بالكلام السياسي من أول الطريق من لديه حظوظ نسير معه ولا مشكلة في ذلك«.

جنبلاط 

فرنجية الذي أكد أنّه وصل في العلاقة مع رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط إلى «مكان لن ينزل تحت سقفها»، أشار في الوقت عينه إلى أنه كما جنبلاط «عملي وإذا وجدنا أنه من سابع المستحيلات إيصال سليمان فرنجية للرئاسة فسنبحث معاً عن أحد آخر«. 

جعجع والجميل

وفي حين أشاد بعلاقته «على المستوى الشخصي» مع رئيس حزب الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل، قال فرنجية في ما خصّ اعتراض رئيس «حزب القوات» على ترشيحه والهواجس التي تعتريه جراء ذلك: «لا يمكنني أن أحكم من دون الآخرين، سواء وقفوا ضدي أو معي، مصلحتي أن أحيّد نفسي في الجو المسيحي. أبعد ناس عني هم «القوات» لكن «من كل عقلو» سمير جعجع أنني سأعزله إذا أصبحت رئيساً؟... فليطمئن من بداية الطريق في التاريخ الأسود بيننا لم يكن هناك حقد ولن يكون هناك حقد اليوم«.

المواطن والدولة

وفي ما يتعلق بنظرته ومشروعه للدولة في حال انتخابه رئيساً، شدد فرنجية على وجوب تقوية الدولة ومؤسساتها، ودعا إلى التقاء الفرقاء عند منتصف الطريق «وتركيب حد أدنى من كيان الدولة» بعيداً عن الخلافات الاستراتيجية السياسية، وقال: «ليست رئاسة الجمهورية المعطلة اليوم بل الدولة التي تشمل الرئاسة والحكومة ومصالح الناس«، مشيراً إلى أنّ خطاب قسمه في حال انتخابه «لن يكون له مثيل في العالم لأنه يتكلم عن الكهرباء والمياه والطرقات والبنى التحتية وفرص العمل وجذب الاستثمارات». 

كما انتقد «العقلية الأمنية» التي كانت تُدار بها الدولة إبان حقبة الوصاية السورية لافتاً إلى أنّ هذه العقلية المؤامراتية المبنية على «التخوين والشك» إنما تنمّ عن «أفق ضيّق»، وأكد في المقابل على ضرورة أن «تدير السياسة الأمن وليس العكس».

الحكومة وقانون الانتخاب

عن الحكومة المزمع تشكيلها في حال انتخابه، أكد فرنجية أنها ستكون «متوازنة» بمعنى أنها ترضي كافة الأفرقاء بعيداً عن الغوص في «الثلث المعطل أو الحصص»، مع إبداء رفضه تسمية بعض الحقائب الوزارية بالسيادية والأخرى غير سيادية.

أما عن نظرته بالنسبة إلى قانون الانتخاب الجديد، فنفى أن يكون طالب بالسير بقانون «الستين» الذي ذكّر بأنّ عون نفسه هو الذي كان قد طالب به في تسوية الدوحة، مؤكداً في المقابل تأييده اعتماد نظام النسبية، ولفت إلى أنّ «المستقبل» و»القوات» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» يعملون حالياً على وضع تصور مشترك للقانون الجديد بالإضافة إلى وجود لجنة نيابية تدرس المشاريع المطروحة تمهيداً لحصول توافق سياسي يتيح إقرار واحد منها، معلناً رفضه أي قانون «مسخ» يضرب أي طائفة أو فريق. 

سوريا ولبنان

ورداً على سؤال، أكد فرنجية الفصل بين صداقته الشخصية لبشار الأسد وبين العلاقة الرسمية بين البلدين التي شدد على التزامه بأن تكون ندية «من دولة إلى دولة» بما يخدم المصالح اللبنانية، وأردف متعهداً: «لن أمشي بأي أمر على حساب لبنان فبالنسبة لي مصلحة لبنان أولاً ولا أسمح لأحد أن يطلب مني شيئاً على حساب بلدي».

المحكمة الدولية

بالنسبة لموقفه من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أكد فرنجية أنه لا يسمح لنفسه بطلب إلغائها، مشدداً في الوقت عينه على «الحاجة إلى مصالحة ومسامحة وطنية».

سلاح «المقاومة»

وبينما ذكر بتاريخه العروبي وبموقفه التاريخي الداعم للمقاومة، قال فرنجية رداً على سؤال: «علينا أن نقوّي الدولة لتصبح راعية للجميع وحامية للحدود»، لافتاً الانتباه إلى أنه لا يستطيع أن يكون رئيساً للجمهورية وفي الوقت نفسه مع أي سلاح خارج نطاق الشرعية: «بالمبدأ سليمان فرنجية كرئيس لا يمكن إلا وأن يكون مع السلاح الشرعي.. وإذا أردت أن أحلّ المشكلة فعليّ أن أذهب الى تقوية الدولة».