هل هي "نوبة جنون" أو "حقد دفين" ذلك الذي يدفع عاملة أجنبية هاجرت بعيداً عن عائلتها وبلدها الأم لكسب لقمة العيش إلى القتل أو الإنتحار؟! وإن كانت هذه الأسباب هي إحدى الإحتمالات القائمة، فما هي خلفيات وأسباب هذا الإنفصام الذي قد يحول العاملات إلى قاتلات محترفات؟
آخر الوقائع، الجريمة المروعة التي حصلت في بلدة عين نجم-المتن، قبل أسبوعين، بإقدام عاملة فيليبينية على قتل ربة المنزل "ناتالي صلبان" بطريقة وحشية، عبر ضربها بأدوات حادة على رأسها أمام عيني ابنتها! سبقتها جريمة أفظع السنة الماضية تمثلت بقتل عاملة أثيوبية الطفلة "سيلين راكان" مستغلةً غياب الأهل لتنفرد بها وتخنقها، قبل ذلك ذبحت عاملة أخرة سيدة عجوز في إحدى قرى الجنوب بالإضافة إلى جرائم أخرى سطّرتها محاضر التحقيق، وأثارت ريبة الرأي العام لغموض حيثياتها وأسبابها.
هكذا أصبحت العاملة الاجنبية تحت دائرة الخطر، أو يمكن القتل أصبحت هي "دائرة الخطر"، سواء لناحية الدفاع المستمر عنهن من قبل بعض المنظمات الحقوقية والجمعيات الإجتماعية التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، أو لناحية التعايش مع احتمالات خطر لا يمكن التهكّن متى وكيف سينفجر؟! الحق على مين؟ "الحق على نظام الكفالة المعتمد في لبنان"، تؤكد جمعية "كفى عنف واستغلال" لـ"لبنان 24" التي اعتبرت أن "لا تبرير إنسانياً أو منطقياً أو قانونياً لمن يرتكب جريمة ولا عذر له، لكن من خلال البحث في خلفيات الجريمة، لا بد من ذكر الأسباب، ومنها الإنتهاكات التي تمارس ضد العاملات الأجنبيات بسبب عمليّة استقدام العاملة الأجنبية للعمل في المنازل التي تعطي الأحقية لأصحاب العمل بنظام يكفل لهم هدر حقوقهم بدلاً من حمايتها".
وتعيد الجمعية إلقاء الضوء على المادة 7 من قانون العمل المنزلي الذي يستثني من أحكامه الخدم في بيوت الأفراد، "وبالتالي تصبح علاقة صاحب العمل بالعاملة علاقة استعباد، لعدم وجود قانون يحمي العاملات الاجنبيات". رسائل إلى صناع القرار وتلفت الجمعية إلى أن "الجديد حالياً في طريق الكفاح للحفاظ على حقوقهم العاملات، قيام عدد منهن بإرسال رسائل لصناع القرار، كالنواب وجهازي الأمن العام وقوى الأمن الداخلي، وكتاب العدل، اقترحن فيها أموراً لتحسين علاقتهن برب العمل ومخدوميهم، كما عرضن المشاكل التي يواجهونها ومنها: الشرط الإلزامي في الحصول على تنازل رسمي من صاحب العمل الحالي إلى صاحب العمل جديد، في حال أردن تغيير مكان عملهن، والاستغلال الجسدي والجنسي، وحجز الرواتب، والخداع حول طبيعة عملهنّ"، مشددين على أن "الرسائل وصلت في 2 كانون الأول والجميع بانتظار ما ستؤدي إليه".
في الجديد أيضاً، أن كتّاب العدل وبعد البحث في مضون الإقتراحات قرروا ترجمة "عقد العمل" الخاص بالعاملات إلى لغتهم الام، كي لا يقعوا في فخ مكاتب الاستقدام وأصحاب العمل حول طبيعة العمل (عدد ساعات العمل، المرتب الشهري..)، بحسب ما أكدت الجمعية. بدوره، يؤكد رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدم جوزيف مسلم لـ"لبنان 24" أن "قوى الأمن ليس من ضمن اختصاصاتها التحري حول نظام الكفالة المعتمد في لبنان، بل من واجباتها المساعدة في التحقيقات في حال حصلت جرائم مماثلة واستقبال الشكاوى"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من ذلك، قمنا بمبادرات تطوعية وأنشئنا قسم مختص بمكافحة جرائم الإتجار بالبشر، كما وزعنا منشورات في المعارض والطرقات وعبر مواقع التواصل الإجتماعي للمساعدة في حماية المضطهدين".
أما رئيس دائرة الإعلام في المديرية العامة الأمن العام العميد الركن نبيل الحنون فأكد لـ"لبنان 24"، أن "الرسائل التي تحدثت عنها الجمعية لم تصل بعد، وفي حال وصلت سنطلع على مضمونها ثم نقرر ما يجب فعله وفقاً للأنظمة والقوانين المرعية".
قزي: "اللبنانية" ليست جلادة وفي تصريحات أثارت جدلاً، علّق وزير العمل سجعان قزي على هذه الجرائم التي أعقبها انتشار تسجيلات فيديو منذ بضعة أيام ظهرت فيه عاملة تعنف طفلاً حتى الموت في صيدا بطريقة مخيفة، قائلاً: "هذه الجرائم يجب أن تكون رادعاً للجمعيات المتحمّسة لحقوق العاملات الأجنبيات، وكأنهنّ وحدهنّ من يتعرض للخطر"، مضيفاً: "ليكفّوا عن تصوير المرأة اللبنانية وكأنها جلّادة". معاملة سيئة أو "غيرة أنثوية"؟! لكن ماذا عن الأسباب النفسية التي تحول العاملات إلى قاتلات؟ وهل هي حالات استثنائية أم متكررة، الأخصائي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل الخوري يؤكد لـ "لبنان 24" أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن العاملة تأتي من مسافات بعيدة وبأعمار صغيرة، مبتعدة عن الاجواء المريحة لها عاطفياً، ومن الطبيعي أن تشعر بالنقص العاطفي والشوق، وفي حال تعاملت العائلات معها بطريقة سيئة، تزداد عندها حالة الضغط النفسي التي تصل الى مرحلة عالية وخطيرة، خصوصاً إذا كانت العاملة عندها قابلية للأمراض النفسية، ولديها جهوزية لحالات الإكتئاب، وبالتالي تتحفز لديها بعض الميول الإنتقامية فتتحول إلى قاتلة وترتكب أفعالاً جرمية".
ويشرح الخوري: "في هذه المرحلة ينتقل المشحون نفسياً إلى حالة من التمرد فتسقط أمامه كل الممنوعات، وبالتالي يرتكب أموراً غير معتاداً على الإقدام عليها لأن حالته النفسية غير مستقرة".
أما إذا كانت المعاملة جيدة من قبل ربات المنازل، عندها "لا عذر يبرر للعاملة ارتكاب جريمة قتل، وبالتالي تكون أسبابها أيضاً نفسية"، مضيفاً: "في هذه المرحلة تكون العاملة مشحونة نفسياً لأسباب خاصة بها مثلاً: غيرتها من سيدة المنزل التي تتمنى ان تكون في مكانها أي "غيرة أنثوية"، أو شعورها أنها مستعبدة من قبل أصحاب العمل وهو ما يحفز عندها رغبة الإنتقام، فنرى تداعيات هذه الغيرة بتصرفات عنيفة تجاه الأطفال أو ربات المنزل".
ويشدد الخوري على أهمية الفحص النفسي للعاملات القادمات إلى العمل في المنازل، "والذي يوازي بأهميته الفحص الطبي"، لافتاً إلى أنه "هناك حوادث شبيهة لتلك الجرائم في كل الدول العربية ولا ترتكز فقط على لبنان".
إذاً نحن أمام واقع يدق جرس إنذار ولا يمكن التغاضي عنه، وإلا تحولت المنازل التي تتواجد فيها العاملات إلى أشباح وتوابيت لضحايا جدد في كل لحظة، خصوصا أن الوقائع المثبتة بدراسات وإحصاءات علمية، قدرت وجود حولى 250 ألف عاملة اجنبية في لبنان لهذا العام، كما سلط الضوء تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس واتش" عن عدد العاملات الأجنبيات من سريلانكا واثيوبيا والفلبين ونيبال في المنازل اللبنانية بوجود مائتي ألف عاملة، ما يجعل لبنان أحد أبرز البلدان التي تعتمد على العاملات الأجنبيات في المنازل، لتصل النسبة إلى عاملة واحدة لكل 16 عائلة في 2014.
وما بين الرفاهية والبريستيج الاجتماعي والمخاطر الكامنة يبقى للإنسان أن يفكر ويختار.
لبنان 24