شكّل إعلان السعودية عن انضمام لبنان الى تحالف اسلامي بقيادتها ضد الإرهاب، مفاجأة مدوية للكثير من القوى السياسية، بما فيها تلك المشاركة في السلطة، والتي تبيّن أنها كانت آخر من يعلم، ما تسبب بأزمة داخلية إضافية كرّست الانشطار الحكومي والانقسام السياسي، وغذتهما بالمزيد من المواد المشتعلة!
لم يكن أحد على دراية بما حصل، سوى الرئيس تمام سلام والرئيس سعد الحريري الذي سارع الى مباركة الحلف الجديد. مسؤولون كبار في لبنان سمعوا بالخبر عبر وسائل الاعلام، كأي مواطن عادي، بعدما اكتفت الرياض باطلاع سلام على مشروع التحالف الاسلامي، فرحّب به وتجاوب مع الدعوة الى الانخراط فيه.
لاحقاً، حاول رئيس الحكومة التخفيف من وطأة اتخاذه، لوحده، قرارا بحجم ضم لبنان الى تحالف اسلامي تقوده الرياض ضد الارهاب، فأصدر بيانا توضيحيا واستدراكيا، لم يحل دون ان تطرح أوساط سياسية متوجسة التساؤلات الآتية:
- لماذا محاولة إلحاق لبنان بالتحالف السعودي في عتمة ليل، بدل اعتماد الوضوح والشفافية في التعامل مع مسألة بهذه الحساسية؟
- هل يجوز القفز فوق مجلس الوزراء الذي جعله الدستور مركز القرار، ثم بات بعد الشغور مركز الجمهورية؟
- كيف يجري تجاهل دور وزارة الخارجية التي يفترض ان تكون المعنية الاساسية بهذا الملف، ما استدعى موقفا من الوزير جبران باسيل الذي أكد انه «لم يتم التشاور معنا لا خارجيا ولا داخليا، خلافا للأصول والدستور».
- إذا كان مجلس الوزراء معطلا، ورئيس الحكومة مستعجلا.. فلماذا لم يبادر سلام الى إجراء مشاورات مسبقة مع المرجعيات الأساسية، لاستمزاج آرائها، عوضاً عن وضعها امام الأمر الواقع؟
- ما هي الاسس التي بُني عليها التجاوب مع التحالف السعودي المستجد، وهل كان لبنان جزءا من النقاشات التي سبقت ولادته ام انه تبلغ بضرورة الانخراط فيه على قاعدة «نفّذ ثم اعترض»؟
- كيف يشارك لبنان في تحالف تقوده الرياض، من دون حسم تعريف الارهاب الذي ينطوي في القاموس السعودي على تفسير ملتبس ومطاط، لاسيما ان «التحالف الاسلامي سيتولى محاربة كل الجماعات والتنظيمات الارهابية، أيا كان مذهبها وتسميتها»؟
- هل توافق الدولة اللبنانية على اللائحة السعودية للارهاب والتي ضمت اليها مؤخرا «حزب الله»؟
- كيف سيتصرف لبنان إذا قرر التحالف الاسلامي بقيادة الرياض ارسال قوات برية الى سوريا؟
- أين أصبحت نظرية النأي بالنفس، وهل تسري فقط على سوريا ولا تطال الجهة الاخرى في الصراع، والمتمثلة في السعودية التي يوجد انقسام داخلي حول خياراتها، تماما كما هو موجود حول سلوك النظام السوري؟
- وهل ما حصل يمكن ان ينعكس على المبادرة الرئاسية التي أطلقها الرئيس الحريري بغطاء سعودي؟

سلام يرد
وإزاء التساؤلات المتداولة، قال الرئيس تمام سلام لـ «السفير» ليلا إن من حقه كرئيس للحكومة ان يتخذ موقفا مبدئيا وأوليا من الدعوة السعودية الى المشاركة في التحالف الاسلامي ضد الارهاب، خصوصا ان مجلس الوزراء لا يجتمع، «علما ان من حقه لاحقا ان يوافقني الرأي إذا أقنعته به، او ان يرفضه إذا لم يقتنع».
وأضاف: لا أحد يستطيع ان يقيّدني ويمنعني من اتخاذ الموقف الذي أراه مناسبا وأتحمل مسؤوليته، استنادا الى موقعي وخصوصيتي، من دون ان يعني ذلك تجاوز دور الحكومة التي يعود اليها اتخاذ القرار النهائي والتطبيقي.
وتابع: لا يوجد في إطار التحالف الاسلامي ما يلزم لبنان بأي مشاركة عسكرية، إلا ان ذلك لا يمنع اننا نستطيع ضمن هذا التحالف ان نقدم خبرات أمنية أو أن نستفيد من خبرات كهذه، لاسيما ان أجهزتنا الامنية والعسكرية تخوض معركة مفتوحة ضد الارهاب.
وأشار الى انه ليس صحيحاً ما أدلى به أحد الوزراء حول عدم جواز مشاركتنا في تحالف اسلامي، لاننا لسنا دولة اسلامية ولا مسيحية، لافتا الانتباه الى ان لبنان عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي ورئيس الجمهورية اللبنانية هو المسيحي الوحيد الذي يشارك في اجتماعات القمة الاسلامية، مشددا على انه لا يجوز تحريك الحساسيات او الاصطياد في الماء العكر.
وردا على سؤال، أكد سلام انها «ليست المرة الاولى التي يحاولون فيها إحراجي مع حزب الله، لكن هذه المحاولة لن تنجح كما فشلت سابقاتها، وأنا أعرف جيدا حدود الموضوع، ولا مبرر لأي لُبس على هذا الصعيد، خصوصا ان المقصود هو الارهاب الذي يمثله «داعش» وأخواته»، مشددا على ان «التجارب أثبتت انني لا أتنازل عن أحد، وبالتالي فالهواجس ليست مبررة».
ورداً على سؤال عن سبب تكتمه على الاتصالات التي كانت تتم معه وعلى تجاوبه مع الاقتراح السعودي بانضمام لبنان الى التحالف الاسلامي، أجاب: لقد تمنى عليَّ السعوديون عدم الكشف مسبقا عن الاستعدادات التي كانت تجري للإعلان عن إنشاء التحالف، منعاً لأي تشويش عليه، وهذا أمر انطبق ايضا على الدول الاخرى المشاركة فيه.
الى ذلك، أبلغ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس «السفير» أن الانضمام المبدئي للبنان الى التحالف ضد الارهاب، هو طبيعي «لانه لا يمكن ان نكون إلا في مواجهة الارهاب، لكن من الناحية العملية فإن الموافقة النهائية لا تصبح ناجزة إلا بعد صدور قرار عن مجلس الوزراء».
وأشار الى ان القول بان سلام تفرّد في اتخاذ القرار متجاوزاً مؤسسة مجلس الورزاء ليس في محله، معتبرا انه لا يجوز تحميل الامر أكثر مما يحتمل، إذ ان ما فعله رئيس الحكومة لا يتعدى حدود إعلان النيات.
في المقابل، قال وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي لـ «السفير» إنه إذا كان تعيين مدير عام يحتاج الى مجلس الوزراء فكيف بقرار استراتيجي من نوع مشاركة لبنان في تحالف اسلامي ضد الارهاب، لافتا الانتباه الى ان أمرا بهذه الاهمية يجب ان يُناقش في مجلس الوزراء قبل البت به، لمعرفة طبيعة الاهداف وآلية العمل، وبعد ذلك يُتخذ الموقف الرسمي المناسب.
واعتبر ان مواجهة الارهاب لا يمكن ان تتم فقط بالضربات الجوية، بل تستوجب قوات برية، نواتها الجيش العربي السوري.
الجيش والمقاومة
وفيما يحتدم السجال الداخلي حول كيفية مواجهة الارهاب، واصل «حزب الله» استهدافه لقيادات المجموعات الارهابية وعناصرها، حيث تمكن أمس، في عملية محكمة ونوعية، من قتل القاضي الشرعي لـ «داعش» في القلمون المدعو أبو عبد الله عامر، في جرود رأس بعلبك، بعد عملية رصد ومتابعة، وقُتل أيضا شخص آخر هو أحد خبراء المتفجرات في التنظيم.
واستهدفت المقاومة لاحقا مجموعة لـ «داعش» بعبوة ناسفة ثانية تم تفجيرها على طريق معبر مرطبية، أثناء محاولتها انتشال عامر. وقد أفيد عن إصابة مسؤول معبر الروميات في الجرود المدعو ضرغام بجروح خطيرة وآخرين ضمن المجموعة المستهدفة في العبوة بعدما فتحت المقاومة نيرانها باتجاههم.
تجدر الاشارة الى ان المدعو ابو عبد الله عامر كان يعمل مع الجماعات المتشددة في القصير وجوسيه على الحدود مع لبنان، ثم التحق «بجبهة النصرة» ومن بعدها بتنظيم «داعش»، وهو يشغل منصب القاضي الشرعي في هذا التنظيم في القلمون، كما تم تعيينه سابقا مسؤولا عن توضيب وصناعة المواد المتفجرة والعبوات الناسفة في المنطقة.
واستهدف الجيش اللبناني بدوره آلية دفع رباعي تنقل أحد القياديين في «داعش» على طريق خربة داوود في جرود رأس بعلبك بصاروخ موجّه ودمرها بالكامل. وصدر عن قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه، بيان أفاد بأن قوى الجيش في منطقة خربة داوود ـ جرود رأس بعلبك، أطلقت صاروخا موجّها استهدف آلية لـ «داعش»، نتج عنه تدمير الآلية وقتل أربعة مسلحين من بينهم قائد ميداني.