كشف مصدر عراقي أن إحراق نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، العلم التركي في المظاهرة التي قادها أول من أمس أدى إلى تفاقم المشكلة، وقد سعى المالكي لهذا التصرف لكسب الود الإيراني أو الدعم الذي بدأ يفقده في الفترة الأخيرة، كونه أصبح كرتا محروقا لدى الإيرانيين حاليا.

المالكي لم يستوعب صدمة خروجه من المنصب بعد «رهان كامل على إيران»، وذلك وفقا لسياسي عراقي مقرب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «المالكي وجد أثناء زيارته العلاجية الأخيرة في طهران صدودا غير مسبوق من قبل الجانب الإيراني، حيث لم يزره أي مسؤول إيراني في المستشفى أثناء الفحوصات التي أجراها هناك للضغط والسكري، كما لم يستقبله -ولو من باب المجاملة- أي مسؤول إيراني هذه المرة، بينما كان يحظى في السابق برعاية خاصة من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي الذي كان يحرص على استقباله في كل زيارة لطهران سواء كانت زيارة دولة رسمية أو زيارة خاصة للعلاج أو لغيره».

وطبقا للسياسي العراقي فإنه خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس فؤاد معصوم إلى إيران فإنه وبعد أن قام المرشد خامنئي بتوديعه عند الباب التفت إلى بعض مرافقي الرئيس وقال لهم: «أرجو إبلاغ تحياتي إلى العبادي»، وهي إشارة -طبقا للسياسي العراقي المطلع- لافتة، إذ إنه «كان بإمكان المرشد أن يتجاوز الأمر ولا يخصص تحية لأحد، لا للعبادي أو لسواه، لكن إرسال التحية أمر له دلالته بالنسبة إلى الإيرانيين الذين يريدون أن يقولوا أو يوحوا بأنهم يتعاملون مع رئيس الوزراء العراقي وأنهم داعمون له بطريقة أو بأخرى، خصوصا أن العبادي من قبل أطراف شيعية معينة لديه ميل إلى واشنطن، وأن الضغوط الأميركية هي التي لا تزال تحول دون طلبه إشراك روسيا بالضربات الجوية في العراق، فضلا عن عدم تحمسه للتحالف الرباعي».

لكن في الوقت نفسه ومثلما يشير السياسي المطلع فإن «العبادي تمكن من اختراق منظومة الحشد الشعبي التي يحاول المالكي السيطرة عليها بوجود قادة أقوياء أمثال أبو مهدي المهندس وهادي العامري، بالإضافة إلى زعماء فصائل مهمين مثل قيس الخزعلي أو مقتدى الصدر أو زعامات دينية - سياسية بات لها حضور لافت مثل عمار الحكيم»، موضحا أن «العبادي لبى متطلبات قادة الحشد الشعبي خصوصا العامري والمهندس على صعيد الموازنة والأسلحة والقضايا اللوجيستية بعد أن تشدد أول الأمر مستخدما صلاحياته كرئيس للوزراء، وهو ما دفعهم أول الأمر إلى مهاجمته، غير أنه سحب البساط من كل خصومه وأولهم المالكي عندما بدأ يلبي كل ما يطلبونه رغم الضائقة المالية التي يمر بها العراق».

ويكشف السياسي العراقي أن «المفارقة تكمن في أن العبادي تم ترشيحه من قبل التحالف الوطني بتوافق بين كتله الرئيسية وبتأييد من المرجع السيستاني، فضلا عن السنة والأكراد، وهي أمور لا يملكها المالكي الذي عدت سنواته بمثابة فوضى بسبب الإشكاليات التي حصلت، لكنه اليوم يريد العودة إلى كرسي رئاسة الوزراء بنحو 1500 عنصر من الحشد الشعبي تابعون له».

ويرى السياسي العراقي أنه «حتى على صعيد الترتيبات الإقليمية والدولية فإن السياسة التي مدها العبادي مع دول الجوار وحتى على صعيد التحالفات الدولية تجعله شريكا شبه موثوق إلى حد كبير، وهو ما ينطبق على التحالفين الروسي - الإيراني وامتداداته بين العراق وسوريا، إذ إن مجال التفاهم الإقليمي - الدولي لجهة العلاقة مع الولايات المتحدة وتركيا أفضل مما لو كان المالكي على سدة السلطة».

وبشأن نزول المالكي إلى ساحة التحرير متظاهرا جنبا إلى جنب مع هادي العامري، قال السياسي العراقي إن «المالكي لعب على الوتر العاطفي في هذه القضية بمن في ذلك قضية حرق العلم التركي في ساحة التحرير بوجوده، وهي رسالة سلبية تماما في وقت يحاول رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير خارجيته إبراهيم الجعفري التعامل بحذر مع تركيا باتباع سياسة الباب المفتوح، لا حرق الأعلام، مع التأكيد على ثوابت السيادة، بينما يريد المالكي إعادة تلميع صورته بعد أن عده البعض في زمن حكومته بأنه مختار العصر».

ويضيف السياسي العراقي أن «تصعيد العبادي مع أنقرة يبدو محسوبا، وهو يصب في مصلحة طهران في النهاية، بينما يمكن القول إن الزيارة العلاجية التي قام بها المالكي إلى طهران أنهت مستقبله السياسي، لا سيما أنها تزامنت مع فقده منصب نائب رئيس الجمهورية، فإنه حتى وإن كان لا يوفر له حصانة من المحاسبة لكنه كان يمثل دعامة أساسية يستند إليها، وبالتالي فإن النزول إلى ساحة التحرير ضد تركيا لن يوفر له فرصة العودة إلى الساحة بقوة في ظل من بات أقوى منه بكثير سواء من وجهة نظر طهران أو على أرض الواقع من خلال تنامي نفوذ الفصائل المسلحة التي أصبح لها قادتها بمعزل عن المالكي، علما بأنه هو من أطلق لها اليد حين كان رئيسا للوزراء».