مناسبة العاشر من كانون الاول فرصة بارزة لمراجعة الذات واجراء نقد ذاتي وجردة عامة لمعرفة ما قام به الانسان حيال اخيه الانسان في العائلة الكبيرة على مستوى المسؤولين والوطن، ولا سيما بالنسبة الى الانسان الاكثر حاجة الى القيام بالواجب في سبيله، في بلد مثقل بالعذابات والازمات السياسية التي قد تنتهي بمآس. والمناسبة هي ايضا وجدانية لما يمكن التخطيط له لاستقبال العاشر من كانون الاول المقبل للاقتراب اكثر من الانسنة المطلوبة.
ورغم هذه الصورة الضبابية يرى الوزير السابق للعدل ابرهيم نجار، في محاذاة السلبيات التي يتلمسها في مواقع تطبيق القانون والعثرات وبطء العدالة، رزمة ايجابيات في ما تقيد به لبنان في مجال حقوق الانسان. ويقول لـ"النهار" ان ما انجزه لبنان يبدو للوهلة الاولى وكأنه كثير، اذ صادق لبنان على الاتفاق الدولي لمكافحة الاتجار بالبشر. واقيمت ندوات بهدف ادخال احكامه في صلب احكام قانون العقوبات اللبناني. كما نشط المجتمع المدني والعاملون في مجال الحقوق الاساسية للمرأة ولا سيما في مجال المساواة بينها وبين الرجل في كل ما يتعلق بجنسية اولادها القصّر، وتعالت الاصوات في شكل لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان. وكذلك نجد ان الجمعيات الاهلية ولاسيما جمعية "كفى" امعنت في لفت النظر الى وجوب الحد من جرائم العنف الاسري والمنزلي وباتت هذه المسألة مطروحة في شكل قوي امام الرأي العام".
ويضيف نجار: "علت، الى جانب كل ذلك، الاصوات بكل ما يتصل بوجوب الاسراع في المحاكمات وتحديد مدة التوقيف الاحتياطي وعدم الاكتفاء بالتوقيف الموقت الا بموجب قرارات مفصلة الاثبات. ويبدو ان ما قررته الحكومة السابقة لجهة انشاء قاعة محاكمات لما يسمى بقضية "فتح الاسلام" وموقوفي نهر البارد قد تبلور وانجز قرب سجن روميه من دون ان يتحد مبنى هذه القاعة مع مبنى السجن لما فيه حسن سير العدالة والتقيد بالاصول لانه يتعين على السجين الذي يخضع للمحاكمة ان يمثل حرا وطليق اليدين خارج السجن الذي يحرم فيه الحرية. وهذا ما يقره اجتهاد محكمة التمييز الجزائية الفرنسية.
ويثمن وزير العدل السابق "الوقف الفعلي والعملي والواقعي لتنفيذ عقوبة الاعدام في لبنان. فعلى سبيل المثال نجد ان 53 حكما بالاعدام نفذت منذ الاستقلال في حين ان حكما واحدا بالاعدام لم يتم تنفيذه في عهد رئيس الجمهورية ميشال سليمان رغم ان معاناته كانت عظيمة ومؤلمة بسبب ما حصل في معارك نهر البارد وما اقدم عليه الارهابيون عندما ذبحوا من الوريد الى الوريد افراد من الجيش، ورغم ان متفجرات وضعت في محلتي التل والبحصاص في طرابلس لحصد اكبر عدد من الجنود وان عددا من الجواسيس يحاكمون وصدرت في حقهم احكام. فنحن اليوم في لبنان امام 120 حكما بالاعدام تنتظر التنفيذ الذي هو من ضروب المستحيل ضميريا ووجدانيا". ولفت الى ان وزير العدل الحالي شكيب قرطباوي "اعلن انه لن يعدل في موقف سلفه الذي تعهد عدم توقيع اي مرسوم بالاعدام".
ويسجل ان "هذه الانجازات كلها تؤشر إلى تقدم في مكاسب السعي الى تكريس حقوق الانسان تكريسا حضاريا، حتى ان حقوق السجين باتت اليوم مقررة ولا نزاع فيها. فعملنا على قانون خفض العقوبات ووضعنا مشروع قانون يؤدي الى تنويع العقوبات وانزال اخرى بديلة بما ينسجم وعادة تأهيل السجين غير المحكوم بالمؤبد ليعود الى حياة صالحة عوض أن يتحول السجن جامعة تخرج اختصاصيين في الارهاب والاجرام والاتجار بالمخدرات".
وبازاء هذه الايجابيات، يستقرئ نجار ان "المسار يبقى طويلا، والاهداف التي تكرسها الشرائع التي تريد تطبيق حقوق الانسان لا تزال موضع تنازل جدلي في لبنان والمنطقة. فالمرأة لم تنل ايا من حقوقها على صعيد الجنسية ومشروع قانون مكافحة العنف الاسري، موضع تشنج ورفض من الذين يخافون على الاحوال الشخصية في لبنان، مع ان تشديد العقوبات المتعلقة بالعنف الاسري لا يمكن ان ينال من المبادئ السامية التي تقوم عليها الشريعة والشرع".
وعلى صعيد المحاكمات، يلاحظ انها "لا تزال طويلة في فصولها وبطيئة في اجراءاتها ولا يزال التوقيف الاحتياطي غير موقت لسوء الحظ، ويبقى سجناء بأعداد كثيرة لم تصدر في حقهم بعد قرارات اتهامية ولم يحالوا على المحاكمة. وبقيت محاكمات كثيرة بحكم عدم احقاق الحق لكثرة العقبات التي تؤخر جلب المسجونين امام المحاكم وتعوق معاملات ابلاغهم واحضارهم وفقا لما ينص عليه قانون اصول المحاكمات الجزائية. ومعلوم ان اجهزة تمارس التعذيب خلافا لنص المعاهدة التي وقعها لبنان وتلزمه مناهضة التعذيب. وبقيت كل المساعي لوضع مشروع قانون يعنى بالمخفيين قسرا والمخطوفين ومجهولي المقام بسبب اعمال الخطف والترهيب من دون ان يلقى الاجماع اللبناني الذي يستحقه حتى ان السنين تمر من دون ان يعمد ذوو المغيبين والمخفيين الى تطبيق قانون ايار 1995 الذي يرعى الغياب. كذلك بقيت مساعي لبنان لتحديد مصير الامام موسى الصدر ورفيقيه بلا نتيجة رغم ان استصدار القرار الاتهامي انتظر اكثر من 30 عاما ليبصر النور قبل   احالة ملف الجريمة للمحاكمة امام المجلس العدلي، علما ان الاثبات تم توفيره في هذه القضية للمضي قدما في جلاء الحقيقة". 
وبالنسبة الى المحكمة الخاصة بلبنان يقول نجار"لا نزال ننتظر نتيجة المحاكمات لديها التي يقال فيها انها لم تعلن بعد عن كل ما تختزنه من وثائق الاثبات والشواهد التي يحفل بها ملف الادعاء". 
ويعرج على دول "الربيع العربي" معتبراً ان "ما نراه لا يخلو من الاوصاف المفجعة. فالدمار والقتل هما القاعدة على ما يبدو والضحايا بالعشرات بل بالمئات، لان القيادات الجديدة في مصر وتونس وليبيا لا تجرؤ على اقرار الاحكام التشريعية خوفا من  مزايدة الاصوليين الذين يتربصون بها".
 

claudette.sarkis@annahar.com.lb