عاودت كل من روسيا وتركيا سجالهما الحاد الذي اشتعل بعد إسقاط طائرات تركية لقاذفة روسية من طراز «سوخوي 24» في 24 تشرين الثاني الماضي. وفيما أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته في سوريا بالرد بحزم على أي تهديد، سأله نظيره التركي رجب طيب اردوغان: «ماذا تفعل روسيا في تركيا»؟، كما حذر وزير الخارجية التركية مولود جاوش أوغلو من أن لصبر بلاده «حدوداً» إزاء ما تقوم به موسكو.

ويأتي هذا الاشتباك المستجد بعدما كان اختفى قليلاً في الأيام الماضية في إثر توصل المعارضة السورية الى توافق في الرياض على رؤية موحدة ووفد موحد للتحاور مع النظام السوري على قاعدة رحيل بشار الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية، وهو تطور سيكون مدار بحث بين وزير الخارجية الاميركي جون كيري وكل من نظيره الروسي سيرغي لافروف والرئيس الروسي الثلاثاء المقبل.

فقد طالب الرئيس التركي روسيا بأن توضح للعالم سبب وجودها في سوريا، مبينا أنه لا تربطها بسوريا أي حدود. وأضاف اردوغان خلال مؤتمر صحافي مع رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك بكر عزت بيغوفيتش، في العاصمة أنقرة أن بلاده تربطها مع سوريا حدود بطول 911 كيلومتر، ومع العراق 390 كيلومتر، مبديا استغرابه من تدخل روسيا في كلتا الدولتين على الرغم من عدم وجود حدود بينها وبين سوريا والعراق.

وأوضح أن روسيا أسست قاعدة عسكرية لها في طرطوس، وقامت بتأسيس قاعدة عسكرية أخرى شمال اللاذقية، داعيا روسيا الى أن توضح للعالم سبب وجودها هناك.

وأشار اردوغان الى أن بلاده اختارت لنفسها العمل مع قوات التحالف الدولي لتعقيب التطورات الإقليمية، مؤكدا أن بلاده لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى. ودعا وزير الخارجية التركي روسيا أمس، الى «التهدئة« في حديث لمحطة «ان تي في» التركية قائلا «ندعو روسيا وهي احد اكبر شركائنا التجاريين الى الهدوء، ولكننا نقول كذلك ان لصبرنا حدودا». واضاف «اذا لم نقم بالرد بعد ما فعلتموه فليس لأننا نخاف او يعترينا أدنى شعور بالذنب». وتابع: «نحن صابرون املا في عودة علاقاتنا الى سابق عهدها».

واعلنت موسكو تدابير انتقامية ضد انقرة واشتدت الحرب الكلامية بين الجانبين، فيما لم تتخذ تركيا اي تدبير عملي فالسفن العسكرية الروسية لا تزال تعبر مضيقي البوسفور والدردنيل، والمواطنون الروس لا يزال بامكانهم دخول تركيا دون تأشيرة حتى وان كانت روسيا اعلنت اعادة فرض التأشيرة على الاتراك اعتبارا من العام المقبل.

وكان بوتين أمر أمس الجيش الروسي بالرد بـ«منتهى الحزم» على أي قوة تهدده في سوريا بعد ثلاثة أسابيع من إسقاط تركيا قاذفة روسية فوق الحدود السورية.

وقال بوتين خلال اجتماع مع مسؤولي وزارة الدفاع «آمركم بالتصرف بمنتهى الحزم (..) كل هدف يهدد الوحدات الروسية أو منشآتنا على الأرض يجب أن يدمر على الفور».

واضاف بوتين «من المهم التعاون مع اي حكومة مهتمة حقا بالقضاء على الارهابيين» وساق مثالا الاتفاق مع الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتفادي الاصطدام في الاجواء السورية.

وتابع «أود أن أحذر أولئك الذين سيحاولون مرة أخرى ارتكاب أي نوع من الاستفزازات بحق جنودنا»، في إشارة واضحة إلى أنقرة.

وكانت روسيا اتخذت تدابير اضافية لحماية طائراتها في سوريا بعد اسقاط تركيا طائرة السوخوي، وباتت القاذفات الروسية تقوم بمهامها في سوريا في حماية المطاردات وتم نشر صواريخ «أس400« في قاعدة حميميم الجوية شمال غرب سوريا وترسو الطرادة القاذفة للصواريخ موسكفا التابعة لاسطول البحر الاسود منذ الحادث قبالة اللاذقية.

وشدد بوتين على أن «عملياتنا هناك (في سوريا) ليست بهدف تحقيق مصالح جيوسياسية غامضة أو مجردة، ولا تتعلق بالرغبة في التدريب أو اختبار منظومات أسلحة جديدة». وأضاف أن «الهدف الأهم يتمثل في إزالة الخطر الذي يهدد روسيا نفسها».

وصحح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف جزءا من تصريح بوتين قال فيه إن روسيا تقدم دعماً لـ»الجيش السوري الحر»، وقال إن موسكو تقدم «أسلحة للسلطات الشرعية في الجمهورية العربية السورية«.

وكان لافروف اضطر لتصحيح تصريح آخر لبوتين، تحدث فيه عن احتمال تحميل رؤوس نووية على الصواريخ المجنحة لقصف مواقع «داعش» وقال إنه لا داعي لذلك.

واعتبر لافروف أمس أن إصرار الغرب على إزاحة بشار الأسد قبل أن يعمل بشكل وثيق مع روسيا في مكافحة تنظيم «داعش»، «خطأ فادح». وكان لافروف يتحدث في مؤتمر في روما، وقال ان التحالف الغربي الذي يقاتل «داعش» قرر عدم التنسيق الكامل مع روسيا لأنه لا يتقبل مساندتها للأسد. وأضاف «إنه لخطأ فادح القول بأنه لا يمكننا أن نحظى بتأييد كل أعضاء التحالف إلا حينما يرحل الأسد وحتى ذلك الحين سنكون انتقائيين في ما يتصل بقتال الإرهابيين«. وتابع: «نحن نرى أن مصيره (الأسد) لا يجوز لأحد أن يحدده سوى الشعب السوري نفسه«.

وفي سياق متصل، قال المتحدث باسم الكرملين أمس إن مستقبل الأسد أمر يحدده الشعب السوري معلقا على بيان المعارضة السورية بعد مؤتمر الرياض، حيث اتفق المجتمعون في العاصمة السعودية من نشطاء سياسيين وفصائل معارضة الخميس على تكوين فريق موحد للإعداد لمحادثات سلام مقترحة مع نظام الأسد لكنهم أصروا على ضرورة تنحيه.

هذه التطورات، يبحثها وزير الخارجية الأميركي الثلاثاء المقبل في موسكو مع كل من بوتين ولافروف، على ما اعلن المتحدث باسم وزير الخارجية الاميركي مارك تونر، الذي قال ان كيري وبوتين «سيبحثان في الجهود الجارية للتوصل الى انتقال سياسي في سوريا، وفي الجهود المتزامنة لاضعاف وتدمير تنظيم داعش«.

وكان كيري قال انه سيتباحث مع نظيره السعودي عادل الجبير لمعالجة نقاط قال إنها عالقة في الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين قوى المعارضة السورية. واضاف «اني واثق من انها ستعالج وسأتباحث معهم خلال النهار».

وردا على سؤال حول ما اذا كان سينظم في 18 من الجاري في نيويورك المؤتمر الدولي حول النزاع في سوريا، اجاب كيري «سوف نرى». وقال «علي ان استمع الى اجوبة عن بعض الاسئلة وعندها سنعلمكم بالامر». وأوضح انه تحادث مع ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان ومع الجبير. ولم يحدد للصحافيين النقاط لكن واشنطن ترغب في ان تكون موسكو مرتاحة للاتفاق.

وأظهرت قائمة بأسماء فصائل اتفق عليها في السعودية هذا الأسبوع أن جماعات المعارضة السورية المسلحة ستشكل أكبر مجموعة في هيئة مشتركة للمعارضة ستشرف على محادثات مع حكومة بشار الأسد.

وجمع مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في الرياض على مدى يومين أكثر من مئة شخص يمثلون فصائل سياسية ومسلحة اتفقت على العمل معا للإعداد لمحادثات السلام. واتفق مؤتمر الرياض على تشكيل هيئة من 34 عضوا للإشراف على محادثات السلام وانها ستنتخب أيضا الفريق التفاوضي الذي يمثل المعارضة.

وتظهر قائمة الأسماء المقترحة أن تتألف منها الهيئة واطلعت عليها «رويترز« أنها تشتمل على 11 ممثلا لجماعات مسلحة وهو ما يعني أن الفصائل المسلحة تشكل أكبر مجموعة داخل الهيئة، ويليهم تسعة أعضاء من المعارضة السياسية في المنفى وستة أعضاء من المعارضة الداخلية التي يوجد مقرها أساسا في دمشق وثمانية مستقلين. 

ومن أعضاء الهيئة أيضا خالد الخوجة رئيس الائتلاف الوطني السوري ومقره تركيا وكذلك الرئيسان السابقان للائتلاف أحمد جبرة ومعاذ الخطيب المدرج في القائمة على أنه مستقل.

وصبيحة اتفاق المعارضة في الرياض، قال الأسد في مقابلة نشر نصها على وسائل إعلام حكومية إن الولايات المتحدة والسعودية تريدان أن تشارك «جماعات إرهابية» في محادثات سلام اقترحتها قوى عالمية وإنه لا يعتقد أن أحدا في سوريا يمكن أن يقبل مثل هذه المحادثات.وعندما سئل عما إذا كان يعتزم الانضمام إلى المفاوضات التي دعت لها قوى عالمية في أول كانون الثاني المقبل رد قائلا «تريد هذه الدول من الحكومة السورية أن تتفاوض مع الإرهابيين.. وهو أمر لا أعتقد أن أحدا يمكن أن يقبله في أي بلد من البلدان«.

وردا على سؤال عما إذا كان يريد التفاوض مع جماعات المعارضة التي اجتمعت في الرياض هذا الأسبوع قال الأسد «عندما تكون مستعدة لتغيير منهجها والتخلي عن سلاحها فإننا مستعدون.. أما أن نتعامل معها ككيانات سياسية فهو أمر نرفضه تماما«.