أن يلتقي الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بزعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية على مدى ساعات ليل الخميس ـ الجمعة، هذا ليس بجديد على الرجلين اللذين لطالما التقيا عشرات المرات في الفترة الممتدة منذ العام 2005 حتى يومنا هذا.
أكثر من ذلك، يمكن القول أن سليمان فرنجية هو أحد قلائل من السياسيين اللبنانيين الذين يتواصلون مع السيد نصرالله بصورة دائمة عبر «الهاتف الداخلي»، وثمة قنوات اتصال غير مباشرة مفتوحة بينهما في الكثير من القضايا، ولعل ذلك قد أكسب الزعيم الماروني الشاب مزايا لا تتوفر سوى عند قلة قليلة من حلفاء المقاومة، ناهيك عن علاقته المميزة بالرئيس السوري بشار الأسد، وهي علاقة تتجاوز البعد الشخصي والعائلي.. الى البعد السياسي الذي جعل فرنجية يقول بصريح العبارة أكثر من مرة في السنوات الخمس الماضية: اذا هزم الأسد في سوريا.. سنعترف بأننا شركاء في الهزيمة، واذا صمد نحن شركاء في الصمود ومن ثم الانتصار.
منذ لحظة عودته من باريس بعد اجتماعه بالرئيس سعد الحريري، تواصل فرنجية مع قيادة «حزب الله» وطلب موعدا للقاء السيد نصرالله، وكان الجواب ايجابيا بطبيعة الحال. بعدها قرر الرجل أن يتواصل أولا مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وفي مرحلة ثانية مع رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون.
تجاوز فرنجية الشكليات، وتوجه هو شخصيا الى البترون حيث التقى باسيل ووضعه في أجواء لقاء باريس، متمنيا عليه أن ينقل لـ»الجنرال» الأجواء تمهيداً للقاء قريب ومباشر بينهما.
افترض فرنجية أنه لو توجه مباشرة من المطار الى الرابية واجتمع بعون بناء على نصيحة بعض المقربين منه، كان يمكن أن يكون أمام نتيجة من اثنتين: ايجابية أو سلبية.. والأرجحية للثانية، وعندها تقفل الأبواب بينهما ويتأزم الموقف.
انتظر زعيم «المردة» فاصلاً زمنياً معيناً وطلب موعداً للقاء «الجنرال» في الرابية، وهذا ما حصل وخرج من لقاء الستين دقيقة بانطباع سلبي، خصوصاً أن العماد عون بدا مصراً على اقفال كل الأبواب أمام احتمال وجود «الخطة باء» (وجود مرشح آخر غيره لرئاسة الجمهورية).

من بنشعي الى الضاحية
مساء يوم الأربعاء الماضي، جاء الاتصال المنتظر. في اليوم التالي، توجه فرنجية مباشرة من بنشعي الى الضاحية الجنوبية لبيروت، ولم يكن أحد على علم بموعد اللقاء بينه وبين السيد نصرالله الا أحد المقربين منه ومعاون الأمين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين الخليل والحاج وفيق صفا.
وعلى جاري عادة التعامل الأمني الحزبي الاستثنائي مع الزعيم الشمالي، كانت الرحلة للقاء «السيد» سريعة وسهلة ومريحة برغم الاعتبارات الأمنية التقليدية التي ترافق لقاءات سياسية كهذه.
وكعادته، استقبل السيد نصرالله فرنجية بوصفه من «كبار أهل البيت». لطالما كان يردد «حزب الله» أن فرنجية يمثل مشروع المقاومة في بيئته وربما يتفوق أحياناً على المقاومة نفسها. من هذا الباب تحديداً، بدأ «السيد» حواره الطويل مع سليمان فرنجية. قال له إن جمهور «حزب الله» يعرف قيمتك كسليل بيت ماروني وطني وعربي. رحم الله جدك الرئيس الراحل سليمان فرنجية. لقد كان وفيا وأصيلا في علاقته بالقضية الفلسطينية وبسوريا والمقاومة، وهل ننسى وقوفه على منبر الأمم المتحدة مدافعا عن قضية فلسطين باسم كل العرب.
وقبل أن ينتقل الاثنان ومن معهما الى مأدبة عشاء بيتية أقامها «السيد» على شرف ضيفه، كان لا بد للقاء من أن يشهد استعراضا شاملا لكل التطورات الدولية والاقليمية، وهل من بداية غير تلك التي يختارها «السيد» دائما، أي «البداية اليمنية»؟
خاض الأمين العام لـ»حزب الله» في الملف اليمني بكل تفاصيله وتعقيداته. عرض للمطالب المتواضعة التي كان يرفعها الحوثيون، وهي شبيهة بثقافتها بمطالب «حزب الله» يوم أتى اليه وزيرا خارجية قطر وتركيا في أيار 2008 وسألا عن ثمن تسييل السابع من أيار سياسيا في مؤتمر الدوحة المزمع عقده، فجاءهما الجواب: لتتراجع حكومة فؤاد السنيورة عن قراري فك شبكة الاتصالات واقالة العميد وفيق شقير.. ونقطة على السطر، الأمر الذي أدهش القطري والتركي، خصوصا لناحية لغة الحسم والثقة بالذات.

نصرالله: نراكم انتصارات
من اليمن، انتقل الحاضرون الى ملفات المنطقة، السعودية، البحرين، العراق وأخيرا سوريا، وخصوصا في ضوء القرار الروسي بالانخراط عسكريا في الحرب ضد الارهاب على أرض سوريا (مع وقفة عند التطورات الأخيرة المتصلة بمؤتمر فيينا واجتماع المعارضة في الرياض ومستقبل المسار السياسي).. والأهم الخريطة الميدانية التي يتابع «السيد» أدق تفاصيلها، ويدرك فرنجية الكثير من معالمها من موقع خبرته السورية على مر الزمن وخصوصا بعض رحلات الصيد التي كانت تقوده الى بعض النواحي السورية التي صارت اليوم جزءا من مسرح «الحرب العالمية» هناك.
في المحصلة الاقليمية، بدا «السيد» مطمئنا الى المشهد العام. المحور الذي يضم سوريا وايران وروسيا والمقاومة استطاع أن يقلب المعادلات. هناك المزيد من الانجازات على الطريق. المأزق السعودي والخليجي في اليمن بدأت تعبيراته تتدحرج في أكثر من اتجاه.. والحبل على الجرار.
كيف لنا أن نتصرف نحن في لبنان في موازاة المشهد الاقليمي المتبدل؟
هنا، دخل نصرالله وفرنجية في صلب الموضوع الداخلي. بطبيعة الحال، لم يكن «حزب الله» خارج كل مسار الحوار بين بنشعي و»تيار المستقبل». المبادرة كيف بدأت؟ أين دور ديفيد هيل؟ أين دور الآخرين؟ وليد جنبلاط، الفرنسيون الخ..
استطاع الاثنان بما يملكان من معلومات استكمال «البازل» ليس بوقائعه بل بالتحليل والأهداف وهذا هو جوهر اللقاء بينهما.

الادارة.. والاتهامات!
وعلى قاعدة أن فرنجية كان يطلع الحلفاء على كل التفاصيل، فإنه كان يدرك أن هذا المسار سيؤدي بطبيعة الحال إلى اللقاء بينه وبين الحريري. صحيح أن بعض الأمور تخللتها هفوات على صعيد الشكل وأحيانا المواعيد، ولكن المفارقة تمثلت بتطور الأمور بأسرع مما كان يتوقع هذا وذاك من ضمن الفريق الواحد. كان تصور سليمان فرنجية أن لقاء باريس مع الحريري ستليه سلسلة لقاءات، ولم يكن يعتقد أن جلسة واحدة يمكن أن تكون كافية لحسم الكثير من الأمور.
اكتشف فرنجية هناك ما وصفها «جدية سعد الحريري»، وفي الوقت نفسه، لمس أن الرجل يستند الى اشارة سعودية واضحة غير قابلة للجدل. ولذلك، عرض الجانبان هواجسهما. طرح الحريري تحديدا أسئلته وتصوراته وحصل على أجوبة أولية قليلة واتفق الجانبان على أن العديد من النقاط تحتاج الى استكمال البحث مستقبلا بين الجانبين.
لعل النقطة المشتركة في تقييم الجانبين الصريح، أن تسارع الأحداث جعل البعض يعتقد أن القطاف يمكن أن يكون سريعا. هناك ادارة خاطئة. من الطبيعي أن يعبّر رجل كسليمان فرنجية عن غضبه عندما يسمع أصواتا توجه اليه اتهامات في السياسة والأخلاق والوطنية، وخصوصا أن بعضها يتظلل بمظلة المقاومة. وهل يعقل أن تتبدل الأدوار فيدافع عني فريد مكاري وفريق 14 آذار بينما أقرب الناس الى الخط يهاجمونني؟! هنا كان جواب «السيد» واضحا بأن «حزب الله» لم يكن جزءا من هذه المنظومة وهو عندما يريد قول شيء يقوله بشجاعة ووضوح وبلسان أمينه العام في معظم الأحيان.

عون مرشحنا وأعطيناه كلمتنا
قال «السيد» كلاما واضحا. أدرك فرنجية أن الأمين العام لـ»حزب الله» عندما يعتلي المنبر ويعلن التزامه على الملأ أن ميشال عون هو مرشحنا وأن «الجنرال» هو الممر الالزامي للاستحقاق الرئاسي، فهذا ليس الا التزاما مبدئيا وأخلاقيا وسياسيا ودينيا أمام جمهورنا وأمام كل من يسمعنا وليس من عادتنا الا أن نكون أوفياء مع الأصدقاء والحلفاء، وما دام الرجل مستمراً بترشيحه فنحن كحزب أعطينا كلمتنا والتزمنا معه وله الأولوية ولن نتراجع وهذا عهدنا وسر ثقة الحلفاء بنا على مر السنوات.
هذا الموقف لم يكن مفاجئا لفرنجية. في الأصل، قال هو كلاما مماثلا أمام «الجنرال». قال له نحن ملتزمون معك وأنت مرشحنا الأول للرئاسة، واذا كان الظرف معك سنكون أمامك لا وراءك، ولكن السؤال اذا انتفى الظرف والفرصة وصرت تملك حظوظا بنسبة واحد في المئة بينما يملك غيرك (فرنجية تحديدا) حظوظا وظروفا أفضل، هل تملك خطة بديلة تستفيد عبرها من ظرف أفضل لأحد حلفائك؟
هنا تحديدا كان جواب العماد عون صادما للوهلة الأولى لفرنجية بتأكيده له أنه ماض في ترشيحه حتى النهاية، لكن مع توضيحات السيد نصرالله وخصوصا تأكيده على خيار «الجنرال» أولا، بدا زعيم «المردة» متفهما الى حد كبير، وهو قال أنه ليس بينه وبين جمهور المقاومة أي زعل بل يدرك أن هذا الجمهور يكن له ودا خاصا ويعتبره جزءا عضويا منه، وقال مخاطبا «السيد» أكثر من مرة: أنا وأنت واحد وما تقوله يسري عليّ وعليك على جمهورنا وفريقنا الواحد.
في اللقاء، لم يكن فرنجية محرجا في كيفية تظهير موقفه. قال انه اتفق مع «المؤسسة اللبنانية للارسال» أن يطل عبر برنامج الزميل مرسيل غانم الخميس المقبل، حيث سيعرض أمام جمهوره خصوصا والجمهور اللبناني عموما كل تفاصيل المبادرة الحريرية وأدوار هذا الطرف أو ذاك وما جرى بينه وبين الحريري وبينه وبين «الجنرال» فضلا عن تفاصيل اللقاء بالسيد نصرالله.
في الخلاصة يمكن القول أن عشاء ليل الخميس ـ الجمعة أفضى الى الآتي:
أولا، العماد ميشال عون هو مرشح فريق 8 آذار أولا.
ثانيا، التزام الجانبين بإدارة سياسية موحدة للملف الرئاسي من قبل أركان فريق 8 آذار.
ثالثا، يلتزم فريق 8 آذار بالنزول موحدا كفريق سياسي الى أية جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية.
رابعا، إعادة التأكيد على ثوابت فريق 8 آذار السياسية.
خامسا، الرد على مبادرة الحريري غير الرسمية ـ حتى الآن ـ بالتمني عليه التروي وعدم تجاوز السقوف التفاوضية لفريق 8 آذار.
الأهم من هذه النقاط الخمس، «هو قرار التحلي بفضيلة الصبر والتروي ثم التروي في انتظار غد قريب سيكون مختلفا عن يومنا الحالي، ومن صبر وقدّم كبير التضحيات وأغلى الدماء يستطيع الصمود والانتظار ومراكمة المزيد من الانتصارات».