كثيراً ما سمعنا عن مسمار جحا، الذي يضرب به المثل في اتخاذ الحجج الضعيفة والغير موضوعية من أجل الوصول إلى غايات وأهداف غير منسجمة مع طبيعة هذه الحجج .
أما قصة المسمار فهي أنّه كان لجحا داراً وأراد أن يبيعها ويقبض ثمنها بدون التفريط بالدا ر، فاشترط على المشتري أن يترك مسمار على أحد حيطان الدار ولا ينزعه وأن يبقى هذا المسمار من نصيب جحا ، وافق المشتري دون أن يلحظ الغرض الخفي من وراء هذا الشرط ، فصار جحا يأتي يومياً إلى الدار تحت حجة الإطمئنان على ذلك المسمار، وطبعاً يوقت زياراته التفقدية في أوقات الغداء ليتبعها جحا بقيلولة طويلة في ظل المسمار، فما كان من الرجل إلاّ أن ترك لجحا الدار بما فيها وهرب .
تكاد تكون قصة المسمار هذه تنطبق هي الأخرى على أزمة تلفزيون المنار مع شركة العربسات ، مع استبدال المسمار ها هنا بقضية المقاومة والصراع مع العدو الإسرائيلي ، بحيث تتذرع المنار كما كل مرة على أنّها " قناة المقاومة " وبأنّ الإشكالية والقرار بإبعادها عن أقمار العربسات إنّما هو بسبب هذا اللواء، وأنّ الإجراءات المتخذة بحقها من قبل الشركة أو من يقفون خلفها انما متأتي فقط كون المنار هي شاشة المقاومة وفلسطين والقضية المركزية للعرب وكل هذه الإسطوانة الطويلة .
متناسية هذه القناة كل المتغيرات التي طرأت على مسار عملها، وكل المستجدات بالمنطقة والحروب المشتعلة في شتى الميادين وبأنّ هذه الحروب والصراعات بين المحور الإيراني الذي تعتبر المنار إحدى أذرعته الإعلامية من جهة وبين المحور السعودي من جهة أخرى ، مع ملاحظة أنّ كل هذه الصراعات والحروب هي من أجل ترسيخ نفوذ وهيمنة هذه القوى المتصارعة وتأمين مصالحها بعيداً كل البعد عن حقيقة الصراع مع العدو الإسرائيلي المستفيد الأكبر منها .
فإذا ما كانت المنار استطاعت إلى حد ما اعتبار إفهام جمهورها أنّ الحرب بسوريا والدفاع عن نظام بشار الأسد يصبّ بخدمة الصراع مع اسرائيل وأنّ "سوريا الاسد " تمثل ضهر المقاومة ( بغض النظر عن هدوء الجبهة الجنوبية والقرار 1701 ) إلّا أنّ هذا لا يمكن أن ينسحب على حرب اليمن والموقف من أحداث البحرين، ولا يمكن فهم هذه المواقف إلّا بوصفها داعمة للمشروع الإيراني على حساب دول المنطقة .
وبغض النظر عن الموقف المبدئي من قرار العربسات ، وكونه قرار صحيح أو قرار جائر بحق المنار ، ومع التأكيد على موقفنا المبدئي من قدسية حرية الإعلام وانحيازنا الدائم إلى هذه الحرية، يبقى أن نقول للمنار أنّ دفاعها عن مظلوميتها المفترضة هو حق من حقوقها ولكن بدون الحاجة إلى استعمال مسمار المقاومة .