تراجع زخم مبادرة الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط الرامية إلى انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وبعدما كان المقرّبون من صاحبي المبادرة يؤكدون أن نتيجتها العملية ستظهر في جلسة مجلس النواب يوم 16 كانون الاول الجاري، انتخاباً لفرنجية، لخّص الرئيس نبيه بري ما وصلت إليه الاتصالات السياسية بالقول إن زخم المبادرة الأوّلي كان قادراً على تأمين انتخاب فرنجية.
لكن جلسة السادس عشر من الشهر الجاري لن تشهد انتخاب رئيس. هذه الخلاصة لا تبدو نتيجة لرغبات بري ومواقفه المؤيدة للتسوية، بل هي محصلة للواقع المستند تحديداً إلى أمرين: غياب الغطاء المسيحي الجدي للتسوية، ورفض حزب الله التخلي عن حليفه النائب ميشال عون في معركة الرئاسة.
كل ما قدّمه الحزب اقتصر على «لملمة» الآثار التي خلّفتها مبادرة الحريري على فريق 8 آذار ــ التيار الوطني الحر، فسعى إلى جمع فرنجية وعون.
وبالفعل، حدّد الأخير موعداً لاستقبال النائب الزغرتاوي، من دون أن يكشف الفريقان عن توقيت هذا الموعد، رغم تأكيد مصادرهما إمكان عقده اليوم «أو في أي وقت». لكن المصادر نفسها تجزم بأن اللقاء لن ينتج منه اتفاق بين الرجلين على خارطة طريق رئاسية، بل مشاورات تذيب بعض الجليد الذي تراكم سريعاً بينهما. وبدت لافتة أمس اللغة التي استخدمها بيان اجتماع تكتل التغيير والإصلاح، لناحية تشديده على أن فرنجية هو عضو في التكتل، وأن كل القضايا المطروحة بشأن ترشيحه تُناقش في «البيت الواحد»، فضلاً عن ترحيب البيان بما قاله فرنجية عن أن عون لا يزال المرشح الرئاسي لـ»خطه الاستراتيجي». وفيما أكّد الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل، بعد زيارته عون في الرابية، أن الاجواء لا تشير إلى قرب انتخاب رئيس للجمهورية، انفرد تيار المستقبل بإشاعة جو إيجابي حول مبادرة الحريري. مصادر التيار الأزرق أكّدت أن «فرنجية سيُنتَخَب رئيساً قبل نهاية الشهر الاول من العام المقبل»، وأن «حزب الله سيسير عاجلاً أو آجلاً بالتسوية التي تحظى بدعم إقليمي ودولي».
حليف تيار المستقبل، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، خرج أمس عن صمته، في لقاء لكوادر حزبه عُقِد في معراب بعيداً عن الإعلام، رسم فيه خريطة واضحة لموقفه، مؤكداً أنه يسعى لإسقاط مبادرة حليفه. كرر جعجع أنه يريد مناقشة اقتراح التسوية الرئاسية حصراً مع ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ولا يريد أن يناقش السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري ولا الرئيس سعد الحريري الذي «لم يشاورني قبل مبادرته ويريد أن يفرضها عليّ فرضاً». وأضاف: «لديّ ما أقوله للسعوديين بشأن أمور كثيرة. لديّ مثلاً ملف فيديو يُظهر كيف يتحدّث فرنجية عن الأسد ونصرالله بتمجيد، ولغة الذم والإهانة بحق المملكة والملك، وكيف ينظر إلى علاقته بإيران والأسد وحزب الله».
وأكّد جعجع أنه لا يخشى على مصالح خاصة من هذه التسوية، «بل إن خشيتي هي على التحالف الإسلامي ــ المسيحي الذي نشأ بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وخطوة انتخاب فرنجية ستعيد المسيحيين إلى عام 2004، وهذا ما ستواجهه القوات».
ولفت جعجع إلى أنه يعرف مناخات تيار المستقبل، «إذ لا يوجد في الشمال مثلاً من يوافق الحريري على مبادرته سوى سمير الجسر وبعض الكوادر.
رئيس القوات لكوادره:
سأرشّح عون إذا مضى الحريري في ترشيح فرنجية
وفي الكتلة عموماً هناك اعتراض. الرئيس فؤاد السنيورة مثلاً أول المعترضين، لكنه قال إنه لن يعلن موقفاً يكون مضطراً لاحقاً إلى التراجع عنه. أشرف ريفي وخالد ضاهر ومعين المرعبي يحذّرون من انعطافة كبرى ستحصل في الشارع لمصلحة «القاعدة» وفكرها». ويرى جعجع أن «الفريق المحايد الذي يقف إلى جانب الحريري حالياً في بيروت وصيدا وطرابلس والبقاع وعكار، سيبادر إلى فتح خطوط مع الطرف الآخر ما دام الحريري قد تراجع لمصلحة خصومه».
وسأل بعض الحاضرين جعجع عن إمكان تبنّيه ترشيح العماد ميشال عون، فردّ بأنه في المبدأ يرفض كل الواقع الذي يحاول البعض فرضه حالياً، «لكن في حال لم تسقط مبادرة ترشيح فرنجية، فسأبادر إلى ترشيح عون».
على صعيد آخر، يواجه تيار المستقبل إمكان استغلال بعض القوى، كالجماعة الإسلامية، للاعتراض الشعبي على مبادرته، وتوجهها إلى رفع مستوى اعتراضها على التسوية المقترحة. ووصلت إلى قيادات 14 آذار معلومات عن أن «الجماعة» تدرس خيار اللجوء إلى الاحتجاجات الشعبية، وخاصة في الشمال، تحت عنوان «حليف القاتل... قاتل».
من جهته، يحاول جنبلاط المحافطة على مسافة من المبادرة، بعدما حملها لأيام وسوّق لها بصورة علنية عبر استقباله فرنجية في كليمنصو مرشحاً رئاسياً. ووجّه جنبلاط، في مجالسه الخاصة، انتقادات للحريري. وأكد أنه لم يمض في تأييد المبادرة إلا بعدما علم من الحريري أنه استمزج رأي الجانب الأميركي وسماعه عدم ممانعة سعودية وفرنسية، وحصوله على «تقدير أوّلي» بأن حزب الله سيوافق عليها، وأن الرئيس بري يسير في التسوية، وبالتالي، سيقف عون منفرداً في وجهها.
حزب الله يؤكد أنه
يرضى بما يرضاه الجنرال
ويرفض ما يرفضه
وأبدى جنبلاط اعتراضه على «الخفة» التي أدار بها رئيس تيار المستقبل النقاش مع رئيس تيار المردة، مستغرباً أن يوجه الأول للثاني أسئلة من نوع: هل ستقطع علاقتك بالأسد وتلتزم موقف لبنان النأي بالنفس وقطع الاتصال الرسمي بسوريا الأسد؟ هل ستضبط علاقتك بإيران وحزب الله بصورة تجعلك في موقع وسطي؟ هل ستترك الحكومة تعمل فلا تترأس الجلسات إلا في حالات الضرورة؟ هل سنتفق معاً على اسم قائد الجيش الجديد ولا تقترب من فرع المعلومات؟ هل ستعترض على تولّي فريقنا وزارات الاتصالات والمالية والطاقة والأشغال وتوافق في المقابل على أخذ الخارجية والدفاع ونتفق على محايد في الداخلية شرط عدم لجوئه إلى تغييرات في قوى الامن الداخلي؟
والسؤال الأساسي الذي يطرحه كلّ من الحريري وجعجع وجنبلاط والأميركيين يتمحور حول موقف حزب الله، وما إذا كان الحزب يقبل بمقايضة رئاسة الجمهورية التي تريحه سياسياً بعودة الحريري إلى السرايا الحكومية مع حصانة تبقيه لست سنوات في رئاسة مجلس الوزراء، ومنحه قانون انتخابات نيابية يفضّله؟
حزب الله لا يزال يلتزم الصمت. لكنه عدّل أمس العبارة التي كان يقولها لسائليه عن موقفه. وبعدما كان مسؤولو الحزب يردّون على الاستفسارات بالقول إن الحزب لن يضغط على عون للقبول بمبادرة الحريري، باتوا يردّون بالقول: نحن نسير بما يوافق عليه الجنرال، ونرفض ما يرفضه. وهذا التعديل رأى فيه مقرّبون من الحزب «مزيداً من الالتصاق بموقف الجنرال».