تتجه الأنظار اليوم الى «قمة الرابية» التي ستجمع العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، في لقاء مصارحة متأخر، ما سمح بتراكم الهواجس على طريق بنشعي ـ الرابية.
لقد أصبح الاجتماع بين عون وفرنجية «حدثا»، بعدما شاءت الأقدار السياسية أن تحولهما من حليفين في تكتل واحد الى مرشحين متنافسين على رئاسة الجمهورية، حتى كاد قصر بعبدا يفرّق ما جمعه الخط الاستراتيجي منذ عودة «الجنرال» الى لبنان في العام 2005.
ولئن كان البعض يرجّح أن يساهم لقاء الرجلين في تحسين الرؤية السياسية المشوّشة، وتبيان مدى قدرة المبادرة الحريرية على الصمود، إلا ان الواقعية السياسية تدفع الى الاعتقاد بأن التسوية الحقيقية هي اكثر تعقيداً من ثنائية انتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية وتسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة.
وهناك من يقول إن اكتمال التسوية وتحصينها يتطلبان العودة الى «السلة الشاملة» التي طرحها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ومحورها المركزي قانون الانتخاب المتعلق بإعادة تكوين السلطة، والكفيل وحده بمنح الضمانات وتصحيح التوازنات، وذلك منعاً لأي اجتزاء قد يفتح باب التأويلات على مصراعيه.
وخلافاً للمناخات التي أشيعت في اليومين الماضيين حول تجميد مبادرة الحريري، أكد المتحمسون لها أنها مستمرة، من دون تجاهل العقدة المزدوجة التي لا تزال ماثلة امامها، والمتمثلة في موقف الحليف المسيحي لـ «8 آذار» العماد ميشال عون، وموقف المكوّن المسيحي في «14 آذار» سمير جعجع، مشيرين الى أن الحريري سيبادر في الوقت الذي يراه مناسباً الى الإعلان رسميا عن تأييد فرنجية وليس ترشيحه.
ولاحظ هؤلاء أنه، وبالتزامن مع طرح مبادرة ترشيح فرنجية في التداول السياسي، بدا أن المؤشرات الاقتصادية تحسنت على أكثر من مستوى، خصوصاً في ما يتعلق بالسوق العقارية وأسعار أسهم «سوليدير»، آملين في تكريس هذه المؤشرات من خلال تثبيت التسوية المقترحة، لئلا يؤدي سقوطها الى صدمة سلبية مضادة سيدفع ثمنها الاقتصاد.
وقال قيادي في «8 آذار» لـ «السفير» إن سقوط المبادرة، إذا حصل، سيترك انعكاسات سلبية على الحريري بالدرجة الاولى، معتبرا ان وصول رئيس «تيار المستقبل» الى رئاسة الحكومة على متن المبادرة يبدو بمثابة فرصة سعودية أخيرة له، للخروج من أزمته المتعددة الأبعاد.
سيناريو «القمة»
وعشية زيارة فرنجية الى الرابية، انطوى بيان «تكتل التغيير والاصلاح» الصادر بعد اجتماعه أمس برئاسة عون على رسائل عدة، من أبرزها في الشكل ان البيان خاطب فرنجية باعتباره «عضو التكتل»، وفي المضمون كان لافتاً للانتباه التأكيد أنه «لا يمكن أن يُسيّج أو يُحفّز ترشيح أيّ مرشح إلى سدّة الرئاسة بالتهويل، ذلك أنّ انتخاب الرئيس هو في جميع الأحوال خاتمة مسار ديموقراطي وميثاقي ودستوري هادئ مهما طال الزمن»، مع تعمد استعادة كلام لفرنجية حول «إنّ العماد عون لا يزال مرشح الخط الاستراتيجي الذي ينتمي إليه».
وأكد مطلعون على التحضيرات للزيارة ان فرنجية سيناقش عون بـ «روح إيجابية»، وأن رئيس «المردة» سيبدي حرصه على حماية العلاقة الشخصية مع «الجنرال»، والعلاقة السياسية بين التيارين، بمعزل عما ستؤول اليه المعركة الرئاسية.
ووفق السيناريو المتوقع للاجتماع، فإن فرنجية سيعرض بالتفصيل ما جرى معه منذ أن بدأ الاتصال السياسي به من قبل الحريري، مروراً بلقاء باريس والمبادرة التي أطلقها، وصولا الى حسابات اللحظة الحالية واحتمالاتها.
وسيشرح فرنجية المعطيات التي تجعله يعتبر ان المبادرة المطروحة هي فرصة ومكسب للخط الاستراتيجي الواحد، وسيستعيد ما تم التوافق عليه في بكركي بين الاقطاب الأربعة حول ضرورة إعطاء أي منهم الأفضلية الرئاسية في حال حظي بأكثرية نيابية، كما حصل معه. والأرجح ان فرنجية سيؤكد ان «الجنرال» هو من حيث المبدأ المرشح الاول، لكن إذا لم يكن قادرا على الوصول الى الرئاسة فلا يجب التفريط بفرصة وصول مرشح آخر، من الخط ذاته، ما دام يملك هذه الإمكانية، وسيشدد على ان ترشيحه ليس استهدافا لعون وانما هو امتداد للمشروع ذاته.
في المقابل، سيعرض عون امام رئيس «المردة» حصيلة تجربته الحوارية مع الحريري على مدى أكثر من سنة، وما تخللها من خيبات ونكسات، وسيوجه لضيفه عتابا لطيفا بسبب محاولة التكتم على لقاء باريس، وسيوضح مفهومه لما اتفق عليه الاقطاب الاربعة في بكركي وتفسيره لمعنى الاكثرية التي يجب ان ينالها أحدهم كي ينسحب الآخرون له، وسيشدد على تكامل سلة التسوية التي يشكل قانون الانتخاب مركز الثقل فيها، وسيستمع من فرنجية الى تصوره لهذه المسألة، كما سيناقشه في الاسباب المحتملة التي دفعت الحريري، ومن خلفه، الى تجاوز الأول تمثيلياً في الخط المشترك، وتأييد الثاني، وماهية الأثمان التي قد تترتب على الدعم العلني من الحريري والنائب وليد جنبلاط، والدعم المضمر من الرئيس نبيه بري، لترشيح رئيس «المردة». وسيشرح عون وجهة نظره حيال أبعاد المبادرة الحريرية ونياتها المضمرة، وسيعرض مكامن الخطر فيها، والأفخاخ التي تختزنها، وصولا الى التأكيد أنه مستمر في ترشيحه، لاسيما أن فرنجية نفسه لا يزال يشدد على استمرار دعمه لهذا الترشيح.
وبينما أفادت المعلومات ان عون مرتاح جدا الى موقف «حزب الله» ومطمئن اليه، أكدت مصادر قيادية في «التيار الحر» ان البديل عن المبادرة المفخّخة يكمن في العودة الى خيار المرشح الأصيل الذي هو العماد عون بكل ما يمثله من وزن شعبي، معتبرة انه بعد ترشيح الرئيس الحريري لزعيم «المردة» لم يعد هناك مستحيل في السياسة، وكما أصبح فرنجية مرشح «تيار المستقبل» بين ليلة وضحاها يمكن ان يتم التوافق على اسم عون.
وشددت المصادر على ان هناك فارقا بين ان يعلن عون عن انسحابه مفسحا في المجال امام فرنجية، وبين ان يتجاوز الحريري ترشيح عون ويحاول فرض اسم آخر عبر التهويل بـ «عضلات» تسوية خارجية مفترضة، لافتة الانتباه الى ان من يعتمد سياسة التهويل يغفل ان عون كان قد أكد انه مستمر في معركته حتى النهاية، حتى لو سقط شهيداً سياسياً.
واعتبرت المصادر ان تسمية طرح الحريري بالتسوية «خطأ شائع»، مشيرة الى ان هناك من يتعمّد الترويج لهذا الخطأ من أجل الإيحاء بأن هناك قرارا دولياً ـ اقليمياً كبيراً غير قابل للاستئناف بانتخاب فرنجية، وذلك للضغط على المعارضين وإشعارهم بعبثية التصدي للإرادة الخارجية.
وعلى وقع التطورات المستجدة، انتقل الرئيس امين الجميل، الآتي من الهند، الى الرابية حيث ناقش مع عون مستجدات الملف الرئاسي، فيما يبدو ان الجميل لم يُسقط من حسابه احتمال ان يكون مرشح التسوية ضمن الاقطاب الاربعة، على أنقاض ترشيحات عون وفرنجية وجعجع.
أما «كتلة المستقبل» النيابية فقد أكدت «أهمية اغتنام فرصة الجهود التي قام ويقوم بها الرئيس الحريري لاطلاق مبادرة تنهي الشغور الرئاسي»، مشيرة الى ان «البلاد باتت في وضع بالغ الخطورة، ما يحتم على الجميع عدم التردد في العمل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية».