لم تكن جوليا، وحين فتحت عينيها، تعلم أنها قضت شهراً كاملاً في الغيبوبة، نتيجة العنف الذي مارسه عليها زوجها. جوليا سبق أن صبرت كثيراً على تغيّر طباع زوجها ونحوه إلى تعنيفها بعد أشهر قليلة على زواجهما السريع. ومن التعنيف المعنوي إلى العاطفي وصولاً إلى الجسدي، كرت سبحة اللكم والركل وصولاً إلى المستشفى والغيبوبة. ومع ذلك، وضعت جوليا، كما تفعل بعض النساء عادة، اللوم على نفسها وسلوكها، في محاولة منها لحماية المعنف. صحيح أن الآليات القانونية لحماية النساء صارت متوفرة إلى حد ما في معظم الدول، ومنها لبنان الذي اقر قانون حماية النساء من العنف الأسري في نيسان 2014، ولكن الأرقام العالمية تشير إلى تعرض امرأة في كل دقيقة في العالم للاغتصاب. وإذا كان الاغتصاب هو من أبشع أنواع الاعتداءات والعنف، إلا أن أرقام النساء اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي، والاعتداء الجسدي والسرقة تتجاوز في بعض الدول الثمانين في المئة. ووفق إحصاءات منظّمة الأمم المتّحدة لمساعدة المرأة، بلغ مجموع حوادث التعنيف الأُسريّ خلال السنوات الخمس الماضية 3.5 ملايين اعتداء، 49 في المئة منها كانت ضحيّتها نساء متزوّجات. وبالرغم من عدم وصول موضوع التحرش الجنسي في لبنان إلى مرحلة الإفصاح الصريح غير المقيد اجتماعيا ونفسياً، إلا أن الدراسات تدل إلى إفادة 30 في المئة من نساء لبنان أنهن كنّ ضحايا تحرش جنسي، وهو رقم أقل من الواقع إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التكتم حول انتهاكات مماثلة. وانطلاقاً من أهمية اقتناع المرأة شخصياً بقدرتها على حماية نفسها، إلى جانب القوانين التي غالباً ما تلجأ إليها بعد وقوع الاعتداء، أصدرت "دار نوفل" ـ "هاشيت أنطوان" العربية للنشر كتاب "لا تعني لا: تعلّمي أن تدافعي عن نفسك" لدافيد شعنين. يقدم الكتاب "ألف باء" دفاع المرأة عن نفسها، بعدما "لم يعد الكلام يكفي"، في ظل ازدياد انخراطها في الحياة وعلى الصعد كافة، كما في أسرتها. و"ألف باء" الدفاع عن النفس ليس حكراً على النساء ضحايا العنف على أنواعه، بل من المفيد أن تدرك كل إمرأة أنه بإمكانها حماية نفسها، والأهم أن تستعد نفسياً ومعنويا وحتى جسدياً لهذه الحماية، حيث أن العنف لا يطال أجساد النساء فقط بل يحطم أرواحهن. ودافيد شعنين، الذي يوقع كتابه "لا..تعني لا" عند السادسة من مساء اليوم في جناح مكتبة أنطوان في معرض الكتاب، هو مؤسّس "التايكواندو" في لبنان، ومن أبرز المساهمين في جعل هذه الرياضة نظامًا تعليميًّا وأسلوب حياة. وتستند أهمية الدفاع عن النفس إلى قانون العقوبات اللبناني في المادة 183 وما يليها، كما عن طريق اللجوء إلى القضاء أو طلب الحماية من المراجع المختصة، وفق القانون الجديد. وبالإضافة إلى التقنيات البسيطة في فن الدفاع عن النفس للمبتدئات، تكمن أهمية الكتاب في معالجة البعد النفسي لفكرة التعنيف بحد ذاته، وتفاعل المرأة معه. وعليه، يزود النساء بتقنيّات دفاعيّة، ويساعدهن على تمتين نفسيّاتهن بتفسير مقتضب، وعدم الاسترسال في أدبيّات وميكانيكيّات الدروس المعقّدة. وتعالج نصوص الكتاب مسألة التعنيف الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى الاعتداءات الجنسيّة، حيث تدل المعطيات على أن المعنِّف أو المعتدي غالباً ما يكون شخصاً مقرباً من المرأة، إما صديقاً قديماً أو حبيباً أو زوجاً أو من ضمن الدائرة الضيقة المحيطة بها في مكان العمل وحتى المجتمع. ويشتغل الكاتب على التغيير في ذهنية المرأة لجهة إقناعها بأهمية الدفاع عن النفس، وعدم ترك نفسها ضحية سهلة للمعنِّف أياً يكن. ولكي يكون الدفاع عن النفس فعالاً على الصعيدين النفسي والجسدي، يفترض بالمرأة التي تريد أن تتعلمه «ممارسة جدية» وتعديلاً «في السلوك والتفكير»، والتسلح بـ "رغبة ملحّة في العيش الآمن والسلامة الشخصيّة". ويقدم الكتاب في فصوله الأولى ما يشبه لائحة "منشطات" للمرأة، لتقوية شخصيتها الدفاعية وحثّها على أخذ زمام الأمور بنفسها، وليس بدفعها إلى "مصارعة شخصيّة مع المعتدي، ولا إلى تأجيج روح العداء لدى الرجل"، كما يوضح الكاتب، بل يرمي إلى "تقديم ما هو ضروريّ لوقف الاعتداء الجسدي والنفسي وشلّ قدرة المعتدي في حال استنفدَت محاولات التجنّب ودرء الخطر". وتبدو شروحات آليات الدفاع العملي عن النفس مبسطة في صور وشروح ورسوم، بعيداً عن التقنيّات المعقّدة، التي يراها المؤلف "استعراضية ولا نفع لها في القتال الشارعي". وعليه، يركز الكتاب على كيفية تخطي المرأة للخوف، والانعكاسات النفسية له، والمؤشرات السلوكية التي يمكن للمرأة التعرف من خلالها إلى شخصية المعنِّف، وملامح تعرضها للترصد وسيئاته ومخاطره وطرق مواجهته. وبعدما يقدم الكتاب لائحة لكيفية لجوء المرأة إلى استعمال أدواتها اليومية للدفاع عن نفسها، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، المظلة، والعصا، والمكنسة، والحزام والكرسي وحتى غطاءي سلة النفايات والطنجرة، كما استعمال المكواة أو الحجر والتلفون والصحون للهجوم، ومعها الأقلام و "مفك البراغي" والسوائل الساخنة و"سبراي الغاز الحارق"... يشرح المؤلف طرق التعامل النفسي مع الخوف لتخطيها والاقتناع بحق كل امرأة في الدفاع عن نفسها وتجنب الخطر على حياتها، وإهانة كرامتها. ويقول الكتاب للمرأة إن "الخوف الدائم يستنزف طاقات الذهن ويؤثّر سلبًا في المناطق الأمامية في الدماغ، بحيث يصعب على المنبّهات والإشارات التي تبعثها الغريزة بلوغ مناطق منهكة في الدماغ وغير قادرة على بثّها للجسم. فالإنسان الدائم الخوف لا يعود يميّز بين الخطر الحقيقيّ والخطر الوهمي". كما يقدم ملامح واضحة لشخصية المعنِّف لتنتبه المرأة إليها مبكراً، وأهمية اختيار الكلمات المناسبة للحزم من دون وضع نفسها في موقف ضعيف يجعل منها فريسة سهلة. ويفصل الكتاب في كيفية مواجهة المعنِّف، من الاعتداء الجسدي العادي مروراً بتعرض النساء لنشل حقائبهن والتحرش الجنسي، والاغتصاب، وصولاً إلى الهجوم بالسلاح.
لبنان 24