غريب هو امر الفنانين الذين يحملون شعار الحرية وهم بالتطرف مجبولون، يدعون الى احترام ارائهم الشاذة عن المجتمع، وهم من الاحترام بعيدون، يريدون من الاخر ان يتفهم عالمهم الخاص الذي يعتبر بمثابة "النسخة الصينية المزورة" عن العالم الخارجي المنفتح، وهم لا يفوتون فرصة الا ويسخرون من معتقدات الغير وارائه وانتماءاته.
مواقع التواصل الاجتماعي، المسرح، السينما.. وسائل يلجأ اليها هذا الفكر الاستثنائي للتعبير عن رأيه، حيث لا سقف لها، والاساءة قد تصل الى ابعد الحدود، فالرقابة القانونية شبه غائبة، وكذلك التربوية و"الضمائرية". لكن ان يصل الموضوع الى حد عرض هذه الافكار في الجامعات التي يفترض بها ان تكون الطريق الى جيل مثقف، فهو أمر مرفوض، ويجب وضع حد له ومحاسبة كل مسؤول.
مسرحية "لماذا" التي عرضت الشهر الماضي في الجامعة اللبنانية الاميركية، من تأليف عصام محفوض وإخراج لينا خوري، تخطت كل حدود الحرية المقبولة، فالمسرحية التي جرى تعريفها بأنها سياسية هادفة وساخرة، كانت كذلك فعلاً حيث سخرت من دون اي خجل من الديانة المسيحية، وحولّت القداس الديني الى مهزلة، وراحت صبية تطرح اسئلة سخيفة على الكاهن حول "خطيئة تعاطي الحشيش"، ليتحول القداس الى هرج ومرج، قبل ان يستكمل بترتيلة أجريت بعض التعديلات على لحنها، لحد تحمّس الممثلون على انغامها وبدأوا يرقصون ويقومون بحركات مبتذلة وكأنهم يحتفلون في ملهى ليلي لتنتابهم بعدها حالات "النشوة" قبل الاغماء. أما بالنسبة الى "الهادفة" فنعم هدفت الى الاساءة التي لا يمكن لاي تبرير ان "يبرئها".
واللافت ايضا خلال تصفح "دليل" هذه المسرحية، انها خصصت للتسلية " طالما لا شيء مجاني حتى التسلية" بحسب ما جاء فيه، فهنيئاً لها الحضور، والتفاعل الجماهيري معها، وروح التسلية التي أفضتها على الاجواء، على حساب الاديان والتعاليم الكنسية، لكن غاب عن باله ان يذكر ان الدين ايضاً ليس مجانياً والتطاول عليه بهذه الطريقة مكلف جداً.
أما الممثلون الذين شاركوا بهذه المسرحية "الهادفة"، فشكلوا بدورهم مفاجأة العمل، فالممثل الكبير المعروف بأخلاقه العالية، طلال الجردي الذي لا ينتمي الى الديانة المسيحية شارك هو الاخر بالسخرية من الطائفة، مجسداً دورا لا يليق به وبمسيرته وباسمه، فكان الكاهن "البطل".. ونعمَ البطولة، اضافة الى ممثلين اخرين مسيحيين "حسب احوالهم الشخصية".
وللمسرحية تتمة، حيث ان العروض لم تنته في صالة الجامعة المغلقة، انما ستنتقل لتنشر موضوعها "المفيد" في مسرح بيروت. لذلك، فإننا نضع هذا العمل بعهدة المراجع المعنية، والدينية والوزارات المختصة، لايقاف الاعتداء المعنوي المتواصل الذي يرتفع منسوبه يوما بعد يوم تحت شعار الحرية، والذي يتزايد نتيجة علم هؤلاء المسبق ان لا رقيب او حسيب لما يقومون به، فعند غياب الرادع، تستمر الجريمة حتى تصبح عملا عادياً طبيعياً. مع الاشارة الى ان الامن العام، اعطى موافقته على عرض المسرحية كما هي، من دون شطب هذا المشهد، فهل يعقل ان المديرية لم تر اي غريب فيه او اساءة او اهانة؟ أم ان الحذف يقتصر فقط على المواضيع المتعلقة بالاحزاب والشخصيات السياسية؟ سؤال نضعه بعهدتها هي الحريصة دوما على مراقبة الاعمال وتنقيتها قبل "اطلاق سراحها".
وفي النهاية، أغفر لهم يا ابتاه مع انهم يعلمون ماذا يفعلون، الا ان اغراءات الحرية أعمتهم لحد الازاحة عن مبدئها الحقيقي. ومَن اساء وسخر مِن الاخر ولم يحترمه بما يحب أو يؤمن لا يمكن ان يفرض على الغير احترام أفكاره، فكما تُعامِل تعَامل.. و"ان لم تستح فافعل ما شئت".
ليبانون ديبايت