يوماً بعد آخر، تتضاءل فرص التوصل إلى اتفاق سريع على انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. لكن ذلك لا يعني أن مبادرة الرئيس سعد الحريري التي لا تزال «غير رسمية» باتت بلا حظوظ. تظهّرت مواقف مختلف القوى، حتى تلك التي لا تزال تلتزم الصمت. وفيما كان الحريري والنائب وليد جنبلاط يستعجلان إمرار المبادرة، باتا اليوم أمام واقع يصعب تجاوزه، مبني على قاعدتين: لا يمكن عقد جلسة انتخاب رئاسية بلا غالبية مسيحية؛ ولا يمكن انتخاب رئيس من دون مشاركة حزب الله.
في تيار المستقبل، كانت الأجواء تشير في نهاية الأسبوع إلى أن الحريري سيُحجم عن إعلان تشريح فرنجية، لكي لا يخسر حلفاءه، وأولهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ومن دون أن يكسب عائدات التسوية.
أما يوم أمس، فعاد المستقبليون إلى «نغمة» قرب خروج رئيسهم بموقف يُعلن فيه ترشيح رئيس تيار المردة إلى رئاسة الجمهورية. الضغوط على رئيس حزب القوات سمير جعجع لم تؤدّ بعد إلى تليين موقفه. يقول مقرّبون منه إن السعودية أبلغته بأنها اختارت ترشيح فرنجية، «وعليك أن تأخذ هذا الخيار في الحسبان». و»هدّد» جعجع الحريري بخيار ترشيح عون في حال إصرار «الشيخ سعد» على السير في ترشيح النائب الزغرتاوي. لكن رئيس القوات لن يُقدّم لعون ترشيحاً مجانياً، مراهناً على إمكان إسقاط خيار فرنجية، من دون الاضطرار إلى تسليف رئيس تكتل التغيير والإصلاح موقفاً بلا مقابل. وفيما يجمع جعجع كوادر حزبه للتباحث معهم في شأن الخيارات المطروحة أمامه، أكّدت مصادر قواتية لـ»الأخبار» أن محازبين كثراً يطالبون رئيس حزبهم بترشيح عون إلى الرئاسة، على أن يكون هذا الخيار جدياً لا على سبيل المناورة في وجه الحريري.
بين حليفي 14 آذار، «توازن رعب» لن يكسره إلا إعلان الحريري ترشيح الرجل الأكثر التصاقاً بخيارات 8 آذار إلى الرئاسة الاولى.
عبّر بري عن تشاؤمه أمس بعدما سمع موقف لاريجاني الذي التقى خليل
على الضفة الأخرى، تستمر محاولات التواصل بين عون وفرنجية، بعدما طلب الأخير موعداً من الأول. ونفى المكتب الإعلامي لعون ما جرى تداوله عن أن اللقاء بينهما كان سيحصل أمس. وفيما أشارت مصادر سياسية من فريق 8 آذار إلى أن اجتماع الحليفين المتنافسين على الرئاسة قد يحصل اليوم أو غداً، نفت مصادر عون علمها بذلك، من دون أن تنفي إمكان عقد الاجتماع قريباً.
وفي صفوف 8 آذار أيضاً، لا يزال حزب الله «الصامت الأكبر». الصمت هذا أعاده الحزب على مسمع الحزب التقدمي الاشتراكي، في لقاء «دوريّ» بين الوزراء وائل بو فاعور وأكرم شهيب وحسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله ليل أول من أمس. خرج وزيرا «الاشتراكي» من اللقاء بانطباع مفاده أن حزب الله يسعى إلى الحفاظ على فريقه السياسي، عبر فتح خطوط التواصل بين عون وفرنجية، لكنه لن يتعامل مع مبادرة ترشيح رئيس المردة بجدّية قبل تحوّلها إلى إعلان رسمي. كذلك لن يتبنى الحزب هذه المبادرة ليحاول إقناع عون بها.
أما الرئيس نبيه بري، فنقل عنه زواره أمس تشاؤمه من قرب إنجاز التسوية، وخاصة بعدما وصل إلى مسامعه كلام رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، الذي شدّد على أن «المضي بمراحل انتخاب المرشحين وإجراء الانتخابات في لبنان ينبغي أن يكون بحيث لا يؤدي إلى اتساع نطاق المشاكل». وهذا التصريح صدر بعدما استقبل لاريجاني المعاون السياسي لبري، الوزير علي حسن خليل في طهران أمس. وغمز لاريجاني من قناة السعودية، من دون أن يسميها، قائلاً إن «هنالك دولاً، ولا سيما في المنطقة تمد الإرهابيين بالسلاح والمعدات»، مؤكداً أن «على هذه الدول الانتباه إلى خطئها وأن لا تؤدي إلى تصعيد حالة الاضطراب الأمني في المنطقة». كذلك زار خليل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الذي تمنى «على كل الأطراف اللبنانية اختيار الشخص الأفضل لمنصب رئاسة الجمهورية وخدمة البلد». وندّد شمخاني بالقرار السعودي القاضي بوقف قناتي الميادين والمنار عن البث عبر قمر «عربسات»، «بسبب عرضهما لحقيقة الإرهاب».
أصوات قواتية تدعو جعجع
إلى تبني ترشيح عون كخيار جدّي لا كمناورة
وفي موضوع وقف بث «المنار»، صدر عن حزب الله موقف شديد اللهجة ضد السلطات السعودية، على لسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي اتهم السعودية بخدمة «قُطاع الرؤوس وقتلة البشر من القاعدة وداعش». وقال الشيخ قاسم: «هل السعودية ضعيفة إلى الحد الذي تخاف فيه من صوت قناة المنار والمقاومة؟ هل حقيقة السعودية مخزية إلى درجة عدم احتمال الصورة التي تعكسها قناة المنار والمقاومة؟ كنا نتمنى أن نرى للسعودية موقفاً مناصراً للشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، وأن لا تقتل الشعب اليمني والشعب السوري، وأن لا تعتدي على شعب البحرين، وأن لا تكون أموالها وسياساتها في خدمة قُطاع الرؤوس وقتلة البشر من القاعدة وداعش والنصرة وغيرها. تحية إلى قناة المنار التي ربحت معركة الحرية والكلمة والحقيقة، فلم تخضع للابتزاز والتزوير، وعلا صوتها وشعَّت صورتها نصرة لمقاومة الشعوب للعدوان والاحتلال، وستبقى المنار شعلة المقاومة والحق. كما لا ننسى التحية إلى قناة الميادين التي عوقبت لأنها تنقل الواقع كما هو».
ورأى عدد من السياسيين في القرار السعودي وقف بث «المنار» وفي رد حزب الله مؤشرين إضافيين على صعوبة التوصل إلى تسوية سياسية تنتج انتخاباً لرئيس قريباً. ويُضاف إليهما «اصطفاف أكثرية مسيحية» رافضة لمبادرة الحريري. ولا يبدو أن القوى السياسية، وتحديداً تيار المستقبل، تنتظر جدياً غطاءً من البطريرك الماروني بشارة الراعي لمبادرة انتخاب فرنجية، وخاصة أن الراعي لم يحسم موقفه في هذا الصدد. وبدأت بعض قوى 14 آذار التحريض على الراعي، بعدما انتشرت له صورة وهو يلقي خطاباً في سوريا (زار أول من أمس مدينة طرطوس لسيامة مطران جديد على حلب، وزار اللاذقية أمس) من على منبر تغطيه صورة للرئيس السوري بشار الأسد ببزته العسكرية. كذلك تتحدّث هذه القوى عن عدم وضوح موقف الراعي من اقتراح التسوية الرئاسية، وخاصة بعد حديثه أمس الذي تضمّن اقتراحين: أولاً، دعوته «جميع الكتل السياسية إلى أخذ المبادرة الرئاسية بجدية، خصوصاً أن وراء هذه المبادرة دولاً خارجية»؛ وثانياً، مطالبته «القوى السياسية والمسيحية بالاجتماع على طاولة والتشاور للخروج بقرار وطني داخلي بالشخص الذي يريدون ترشيحه لموقع الرئاسة».