يحمل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي الآتي من نيويورك حيث شارك الأسبوع الفائت في نقاش مجلس الأمن الدولي للتقرير الدوري للقرار 1701 رسائل دولية يختصرها بالآتي: تجنّب الانغماس في الحرب السورية واحترام «إعلان بعبدا». 
بلامبلي، في حوار مع «السفير» يصف استقرار الجنوب بأنه «نسبي وهش»، وينبع تفاؤله الوحيد من إعلان الطرفين اللبناني والإسرائيلي تمسكهما بالاستقرار. 
يأسف بلامبلي لحوادث طرابلس الأخيرة ولوقوع ضحايا من ابناء المدينة في سوريا، معبرا عن تقدير الأمم المتحدة لدور الجيش اللبناني في ضبط الأمور، ويشدد على أن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها أمر ضروري للبنان، مشيرا الى أهمية تطبيق اتفاق الطائف والبناء عليه في ما بعد. 
في ما يأتي النص الكامل للحوار مع بلامبلي: 
^ كيف تنظرون الى أحداث طرابلس والى ما ذُكر عن انخراط بعض اللبنانيين في الحرب السورية وسقوط بعضهم ضحايا هناك؟ 
{ في البداية، آسف لسقوط لبنانيين في سوريا وللقتلى الذين وقعوا في طرابلس، لم يكن من داع لسقوط ضحايا البتة، ونحن نستنكر الاشتباكات في طرابلس، وقد زرت هذه المدينة منذ حوالى الشهر، وهي الزيارة الثالثة لي اليها، وكانت الأوضاع هادئة نسبيا. قصدت جبل محسن وزرت مدرسة «القبّة» وهي بدت لي رمزا للتعايش ورأيت إمكانية التعايش في هذه المدرسة التي تضم طلابا من جبل محسن وباب التبانة وشاهدت التلامذة، ودخلت في حوار معهم وهم لا يتمنون إلا السلام والتعايش، وهم رمز لذلك، وكل أمنيتنا أن تكون طرابلس كلها على هذه الصورة، ونحن نقدّر دور الجيش اللبناني في ضبط الأمور حاليا، ونتمنى أن تنتهي هذه الاشتباكات ونرى حلولا طويلة المدى للاحتكاكات بين المنطقتين. 
^ ما هي معطياتك حيال تكرار هذه الحوادث؟ 
{ بالنسبة الى وجود شبان من لبنان داخل سوريا ووفاتهم، لا معلومات خاصة لدي، لكن عموما ليست المرة الأولى التي نرى حوادث مماثلة من جانب أو جانب آخر لأشخاص متعاطفين مع ما يحصل في سوريا سواء الى جانب النظام أم المعارضة. ندعم بقوة ما أنجزه المسؤولون اللبنانيون في إقرارهم «إعلان بعبدا» وسياسة النأي بالنفس. هذه هي الطريقة التي نحافظ فيها على لبنان آمن، والناس لديهم الحق في أن يكون لهم رأيهم الخاص، لكن من المهم جدا ألا ينجر اللبنانيون الى الحرب داخل سوريا. لقد كنت في الأسبوع الماضي في نيويورك، ولمست عند كل أعضاء مجلس الأمن اجماعا على أهمية حماية لبنان والحفاظ على سياسة النأي بالنفس. هذا الإجماع موجود دائما، وكانت الرسالة نفسها التي تلقيتها منذ 4 أشهر. أخذت الأزمة السورية شكلا دمويا جدا وهي تستمر منذ قرابة السنتين، وممارسة ضبط النفس كل هذه الفترة صعب على بعض الناس، لكن لها أهمية قصوى في الظروف الحالية. 
^ هل لاحظت أن مخاوف الدّول على الاستقرار زادت في لبنان؟ 
{ بالطبع، وبعد اغتيال اللواء وسام الحسن، تملكنا الخوف على استقرار لبنان لأن الضربة كانت موجهة ضدّ هذا الاستقرار، بالإضافة الى حوادث أخرى حصلت. المهم انني لا أزال اسمع من القادة اللبنانيين مهما اختلف انتماؤهم الحزبي ومن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الرسالة نفسها وهي أهمية حماية وحدة لبنان وسيادته واستقراره. الرسالة مستمرة والحمد لله أن لبنان استطاع على الرغم من كل المخاوف على أمنه واستقراره أن ينجو من هذه المخاطر لغاية الآن وهذا هو المهمّ. وأنا عندي ثقة كبيرة بالجيش وباقي القوى الأمنية وبقدرتهم على الامساك بالوضع الأمني في طرابلس وغيرها. 
^ هل ترى تغييرا حكوميا قريبا؟ 
{ هذا مسار لبناني، نحن ندعم جهود رئيس الجمهورية ونأمل الوصول الى نتيجة إيجابية، اما الاستقطاب السياسي الحالي فليس في مصلحة الامن والاستقرار في البلاد. 
^ ذكر التقرير الأخير عن القرار 1701 تهريب الأسلحة من لبنان الى سوريا، وتوغّل قوات سورية الى لبنان، وتطرق الى قضية ميشال سماحة. هل ترى أن تكرار الحوادث قد يؤدي الى تداعيات خطرة على لبنان؟ 
{ نعم، بعدما التقيت أعضاء مجلس الأمن الدولي في تموز الماضي عبروا في بيان عن قلقهم الجدي مما يحدث قائلين بأن سيادة لبنان وسلامة أراضيه يجب أن تكونا محميتين، ولا يزال هناك قلق ناجم عن التوتر عند الحدود والخروق والتوغلات عبرها، وتهريب الأسلحة أيضا، إنها تحدّيات جدية وأعتقد بأن الجيش اللبناني يقوم بعمل جيّد في كيفية إدارة الحدود، ومع استمرار الأزمة في سوريا يمكننا أن نتوقع رؤية تحديات مماثلة، والأمر المهمّ هو أن يوافق الجميع على أهمية حماية لبنان ووجود ترتيبات على الأرض تحاول التعامل مع هذه التحديات. 
لبنان في الدائرة السورية 
^ الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي صرح مؤخرا أن لبنان سيكون أول ضحايا الأحداث الجارية في سوريا؟ 
{ كل دول الجوار تتأثر بالأزمة السورية. نحن نرى ما يحصل على الحدود التركية وردّ «الناتو»، ونلحظ ما يجري في الأردن والعراق، وبالتالي ثمة نتائج سلبية بسبب الأزمة الجارية في بلد محوري في الشرق الأوسط. بالطبع إن للبنان روابط متينة مع سوريا، تاريخية وجغرافية وسياسية وعائلية، لذا فإن الآثار ستكون قوية جدا عليه، إضافة الى الخروق التي تجري عبر الحدود وحوادث اخرى مثل قضية سماحة وهي موجهة بشكل مباشر ضد لبنان. كل هذه الظروف موجودة، ونحن نرى أقلمة لهذه الأزمة الى حدّ ما، ولكن في الوقت نفسه، كما قلت، فإن القيادات اللبنانية والمجتمع الدولي على ما أعتقد، مصممون على حماية لبنان، وإذا تشبث الأطراف بموقفهم في حماية لبنان مما يحصل حوله، فإنه سيكون حينها في مأمن. 
^ هل تعتقد ان حادثة مثل حادثة تلكلخ لا تخدم الاستقرار؟ 
{ هذا كلام دقيق. لا شك أن مثل هذا التصرف يشكّل خطرا على لبنان، ومن المهم جدا استمرار التمسك بالالتزامات التي قامت بها الاطراف في «إعلان بعبدا» التي تمثل عزما على ضرورة تحييد لبنان. 
^ البعض يحذر من انتقال عدوى الفيدرالية إذا سقط النظام السوري؟ 
{ من المهم رؤية أن لدى لبنان اليوم اتفاقات مهمّة مثل اتفاق الطائف وسواه. في هذه الظروف الخطيرة، من المهم جدا احترام هذه التفاقيات وتطبيقها لكي يبقى لبنان بأمان. بعد ذلك، على اللبنانيين أن يقرروا كيف يريدون السير قدما للبناء على اتفاق الطائف. ولكن لا أعتقد انه من السهل ترجمة أفكار بلد الى بلد آخر، لأن لكل بلد ظروفه الخاصّة. 
جنوب لبنان والقرار 1701 
^ هل أثرت موضوع الطائرة «أيوب» مع مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» السيد عمار الموسوي في اللقاء الأخير بينكما؟ 
{ هذا الموضوع مذكور في تقرير الأمين العام حول القرار 1701، فقد اتضح من تصاريحنا في ذلك الحين ان إرسال الطائرة كان خرقا للقرار الدولي 1701 والرئيس اللبناني عبّر أيضا عن قلقه من الموضوع. بطبيعة الحال، لن أتطرق الى تفاصيل حديثي مع السيد الموسوي، ولكن كل موضوع يشكّل مصدر قلق للأمم المتحدة نذكره في محادثاتنا بصراحة مع الأطراف المعنية. 
^ هل ترى أن الاستقرار صلب في منطقة عمليات «اليونيفيل» وهل هو قابل للاستمرار؟ 
{ لقد عبر جميع أعضاء مجلس الأمن خلال اجتماع الأسبوع الماضي عن رضاهم من استمرار الهدوء عند «الخط الأزرق». عندما تحصل هناك حوادث واضطرابات في المنطقة ككل مثل الحرب في غزة والحرب الأهلية في سوريا، تبرز أهمية الاستقرار النسبي حول الخط المذكور، ولكي يستمر، هنالك أشياء يجب أن تتم، أشياء منصوص عليها في القرار 1701. لكي نضمن استمرار الاستقرار، من المهم أن ننفذ القرار ككل، ولكن مع ذلك، روح التشاور والتعاون مع «اليونيفيل» من الجهتين جيدة. من خلال تجربتي ومن خلال مشاركتي في الاجتماعات الثلاثية ولقاءاتي مع الطرفين، أعتقد أن هذا الأمر سيستمر. الكل يريد أن يحافظ على هذا الهدوء النسبي والهش. على سبيل المثال، تصدر من وقت الى آخر تصريحات أو أعمال من هنا أو هناك يمكن أن تستفز، ولكن التنسيق مع «اليونيفيل» وضبط النفس مهمان. وفي الحقيقة، هذان الأمران موجودان في الآونة الأخيرة. 
^ متى سيحصل وقف إطلاق نار دائم في جنوب لبنان؟ 
{ إنه هدف أساسي للقرار 1701 وحاليا الطرفان ملتزمان بوقف الأعمال العدائية، ولكن من المهم والإيجابي بروز اهتمام بإحراز تقدّم في الاجتماعات الأخيرة، ولكن هنالك خطوات يجب اتخاذها لتحقيق ذلك. الأمين العام للأمم المتحدة ذكر في تقريره الأخير عن القرار 1701 إنه يجب على الأطراف اغتنام فرصة الهدوء من أجل تعميق وتثبيت الهدوء الهش الموجود. نعم يجب أن نسير قدما. 
^ هل من جديد بالنسبة لمساعدة الأمم المتحدة في ترسيم خط أزرق بحري؟ 
{ لكي نتمكن من تقديم مساعدة مباشرة يجب أن نحصل على طلب من الطرفين، لكننا نشجع الطرفين للإفادة من الفرص الكبيرة الموجودة. لكي نجلب الاستثمارات الى المنطقة عموما» من الضروري أن يسود الاستقرار فيها. إن حل هذه المشكلة سيساعد في الاستثمار وفي الإفادة من الموارد الكامنة. نأمل أن نرى تقدما، لكن دورنا في الوقت الحاضر يقتصر على التشجيع. 
^ هل تعتقد انه سيتم خفض عديد «اليونيفيل» بسبب الأزمة الاقتصادية في بعض البلدان؟ 
{ لا أظنّ. دائما يحصل تداول للقوات في «اليونيفيل». عندما تخفض بعض الدول مساهمتها، تستبدل بمساهمات من دول اخرى. بالإجمال فإن الأعداد مستقرة وتصل الى حوالى 11500 عسكري وحوالى 1000 مدني. 
النازحون السوريون: تقدير دولي للبنان 
^ بالنسبة الى النازحين السوريين ما تقييمكم لتعاطي الحكومة اللبنانية مع هذا الملف وقد بلغ العدد 130 ألفا؟ وماذا تطلب الأمم المتحدة في هذا الملف؟ 
{ هذا سؤال مهمّ جدّا. إنه موضوع حساس بالنسبة الى لبنان ولكل الدول المجاورة لسوريا، ولكن بالأخص للبنان لأنه بلد صغير. أول أمر أريد أن أقوله هو كلمة تقدير للدور الذي لعبته الحكومة منذ حوالى السنتين في تلبية كل واجباتها الإنسانية تجاه اللاجئين والنازحين السوريين، وثانيا، كلمة تقدير للعائلات اللبنانية خاصة في مناطق البقاع وعكار التي استضافت اللاجئين في منازلها بشكل معبّر. هذا الكرم وحسن الضيافة مؤثران جدا. إن القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية في جلستها الأخيرة بتشكيل لجنة وزارية والخطة التي قدمتها بالتوازي مع عمل هذه اللجنة في اجتماعها مع الجهات المانحة يوم الإثنين الفائت مهمان جدا وهما يشكلان خطوة الى الأمام ويعبّران عن حجم هذه الأزمة وعن أهمية أن يعمل الجميع من الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية والجهات المانحة لتلبية حاجات اللاجئين وإدارة هذا الوضع. إن الأمم المتحدة والجهات المانحة قدّرت الخطة التي تقدمت بها الحكومة، هناك حاجة حقيقية لدعم دولي أكبر. 
^ هل سيحصل لبنان على مزيد من المساعدات؟ 
{ إن مفوضية اللاجئين والهيئات الأخرى المختصة ستقوم بتقديم طلب جديد ليس للبنان فحسب وإنما لدول الجوار كلها. لقد بلغت مساعدات الدول المانحة لغاية اليوم زهاء الـ50 مليون دولار أميركي. وبحسب المفوضية العليا للاجئين ثمة 130 ألف لاجئ في لبنان الآن طلبوا المساعدة، أي ان الجميع تقريبا» يحصلون على المساعدة من المفوضية العليا للاجئين والبرنامج العالمي للأغذية. سوف تحصل اجتماعات أخرى في الأسابيع المقبلة بين الحكومة اللبنانية والجهات المانحة والأمم المتحدة للبناء على هذه الخطة. 
الانتخابات النيابية في موعدها 
^ ما هو القانون الانتخابي الأنسب برأيك؟ وهل تعتقد أن تأجيل الانتخابات مفيد للبنان؟ 
{ إن قانون الانتخابات هو موضوع لبناني وعلى اللبنانيين أن يختاروا ما يناسبهم. إن الأمم المتحدة لديها أفكار واقتراحات نذكرها أحيانا مثل تحسين تمثيل المرأة. أما بالنسبة الى موعد الانتخابات، الموقف واضح قانونيا ودستوريا، نلتقي مع السفراء والمجتمع المدني ورئيس الجمهورية ومع السياسيين وما نسمعه هو الشيء نفسه إنه من المهم أن تتم الانتخابات في موعدها. هذا بحد ذاته مهم للاستقرار، بالإضافة الى اننا نرى الآن حركة ديموقراطية في العالم العربي ككل، ولبنان هو أول دولة عربية نجحت في ممارسة الديموقراطية. 
^ وما رأيك بنية المعارضة المشاركة في اللجنة النيابية الانتخابية؟ 
{ أنا أعتبر أن عودة المعارضة للمشاركة في اللجنة النيابية الانتخابية خطوة إيجابية إن حصلت. نحن نؤمن بالحوار كمبدأ. لقد ذكرت ضرورة وحدة الصف ومبادرة فخامة الرئيس لحل الخلافات السياسية ولتحقيق شيء من التقارب بين وجهات النظر.