ظلّت التسوية الرئاسية التي طرحها الرئيس سعد الحريري مدار بحث في بيروت والرياض، وشكّلت محور الحركة والمواقف، وبدا أنّها تواجه كثيراً من التعقيدات الداخلية التي يمكن أن تعطلها، وهي تعقيدات تشتدّ بسبب عدم معرفة ما تنطوي عليه من أبعاد وخلفيات يَجهد كثيرون لاستكشافها قبل أن يحدّدوا مواقفهم قبولاً أو رفضاً. بدأ بعض الأوساط السياسية منذ الأمس يهمس متخوّفاً على هذه التسوية من السقوط، فيما قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنْ على عكس القضايا والأحداث التي تبدأ صغيرة وتكبر، يبدو أنّ ما سمّي تسوية رئاسية انطلقت كبيرة وبدأت تتراجع الى مرحلة يُعتقد بأنها قاربت الطيّ، لولا بعض المواقف التي تراهن على خطوات ومحطات مقبلة يمكن ان تُحدث تعديلاً يحيي المبادرة الى أجل.

وكشفَت المصادر انّ الحريري التقى في السعودية وزير العدل اشرف ريفي ووفداً من «المستقبل» ضمّ مدير مكتبه نادر الحريري ومستشاره النائب السابق غطاس خوري اللذين نقلا اليه حصيلة المشاورات التي اجرياها في بيروت ونتائج اللقاء الذي شهده «بيت الوسط» ليل السبت - الأحد لقوى 14 آذار بغياب رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل وحضور قيادة «المستقبل» ممثلة بالرئيس فؤاد السنيورة، والوزير بطرس حرب وشخصيات قيادية والنائب جورج عدوان ومنسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد وشخصيات أخرى.

وتردد أنّ عدوان ابلغ الى المجتمعين انّ «القوات» تمنّت وما تزال وقفَ مبادرة الحريري وإعادة تقويم العلاقات بين 14 آذار لإحياء التنسيق الذي كان قائماً في ما بينها قبل الإجتماعات الأخيرة التي اصابتها بتصدّعات قوية ما أدّى الى ازدياد الشرخ القائم في صفوف هذه القوى، خصوصاً بين «القوات اللبنانية» و«المستقبل».

لكنّ مصادر مستقلي 14 آذار قالت لـ«الجمهورية» انّ اللقاء لم يكن سلبياً في المطلق، وأشارت الى انّ المواقف ما زالت على حالها، خصوصاً لجهة الخلاف القائم بين «القوات» و«المستقبل» الذي خرجَ الى العلن بمواقف وتسريبات معلنة وواضحة من بيروت والرياض.

وفي المعلومات التي تسرّبت لـ«الجمهورية» ليل امس من لقاءات الرياض انّ الحريري جمّد مبادرته في الوقت الراهن، وأنّ أيّ خطوات كانت متوقّعة في الأيام المقبلة باتت مؤجّلة الى حين.

وعلمت «الجمهورية» انّ عودة الحريري الى بيروت خطوة مؤجّلة وغير مطروحة في المدى المنظور.

المواقف المسيحية

وإلى ذلك، وفيما ينتظر ان تتبلور في بحر الأسبوع مواقف بعض الكتل النيابية، لم تهدأ التفاعلات على الجبهة المسيحيّة مع استمرار رفض ما باتَ يُعرف بـ«الحلف الثلاثي» المسيحي الجديد، أي «التيار الوطني الحرّ» و«القوّات اللبنانية» وحزب الكتائب هذه المبادرة، في اعتبار أنّها أتت من دون علمهم، ولم يكونوا في أجوائها، ولم يحصلوا على الضمانات اللازمة لطمأنتهم، خصوصاً في ملفّ قانون الإنتخاب الذي يُبعد المسيحيين عن التأثير في القرار الوطني ولا يسمح لهم باختيار نوابهم.

الراعي

وفيما يشبه الاستجابة لمطلب الاحزاب المسيحيّة المعترضة وللإكليروس الماروني وسط التخوّف من مجيء المبادرة الرئاسيّة كأنها فرضٌ على المسيحيين وكسرٌ لهم، كان لافتاً المواقف التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس وامس الاول، فهو إذ دعا الى»التلاقي من أجل درس المبادرة الرئاسية المطروحة جدّياً، والتحاور والتشاور في شأنها وجهاً لوجه، بروح من المسؤولية الوطنية الرفيعة»، أكّد أنّ «الحوار والتشاور هو للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية بقرار وطني موحَّد وشامل، بحيث لا يفرض فرضاً».

وطالب الجميع «بالتقاط الفرصة والتفاهم والتشاور وصولاً الى انتخاب رئيس يدعمه الجميع، لأننا كلنا نعرف أنّه لا يمكن أن يأتي للبنان رئيس تحدٍّ»، وقال: «لا يمكن أن يحكم لبنان رئيس مهما كان قوياً وقديراً إذا لم يكن مدعوماً من الشعب اللبناني ومن كلّ المقوّمات السياسية».

ورأى انّ «البطولة أن نجلس معاً على طاولة ونطرح الاسئلة بعضنا على بعض في وضوح وبساطة ونتلقّى الأجوبة، وعندما نتشاور بهكذا أسلوب نستطيع أن نصل الى انتخاب رئيس للجمهورية يحتاج اليه لبنان في ما هو يعيشه من صعوبات وتحديات».

برّي

وردّاً على اتّهام البعض بأنّ الزعماء المسلمين يختارون رئيس الجمهورية، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره أمس «إنّ هذه التهمة غير صحيحة ومرفوضة، فالأقطاب الموارنة الاربعة كانوا اتفقوا برعاية البطريركية المارونية على حصر الترشيح الرئاسي بها، كذلك اتفقوا على انّ الذي يحظى من بينهم بالاكثرية المطلوبة يقبل به وينسحب الآخرون لمصلحته.

وعلى هذه القاعدة قرّر الزعماء المسلمون ان يؤيّدوا مرشحاً من ضمن الاقطاب الاربعة الذين اعتبَرهم لقاء بكركي اصحاب الافضلية، وبالتالي لسنا نحن من يسمّي الرئيس كما يزعم البعض، بل صنّفة الاقطاب الموارنة انفسُهم كأحد المرشحين الذين يملكون حيثية مسيحية.

اضاف برّي: في الاساس كان لديّ مرشّح وكان لدى الرئيس سعد الحريري المرشح الذي يفضّله لكن اياً منّا لم يبادر الى طرح مرشّحه حتى لا يبدو وكأنّنا نسعى الى تسمية رئيس الجمهورية وفرضِه على المسيحيين، بل لجأنا الى دعم مرشح مصنّف في خانة المرشحين الاقوياء وفق معيار الاقطاب الموارنة الاربعة.

وتساءل بري: ما المطلوب؟ هل المطلوب ان يختار المسيحيون بمفردهم رئيس الجمهورية من دون موافقة المسلمين؟ ام ان يختار المسلمون هذا الرئيس من دون موافقة المسيحيين؟ في النهاية لا هذه ولا تلك تصلح، ويجب ان يكون هناك توافق وطني على الرئيس العتيد».

مبادرة الحريري

وفيما أعلن الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري أنّ «الرئيس سعد الحريري بصدد إعلان مبادرة لإنهاء الشغور الرئاسي». علمت «الجمهورية» انّ ابرز ما تتضمنه هذه المبادرة بعناوينها العريضة: العمل لإنهاء الشغور الرئاسي، تحصين اتفاق الطائف، تشريع الباب امام مرحلة جديدة لخلق تفاهمات وطنية ترسي الاستقرار وتؤمّن عودة المؤسسات الدستورية الى العمل مجدداً بعيداً من التعطيل، والتأكيد على الثوابت الوطنية والتي في صلبها تحييد لبنان عن ازمات المنطقة».

وقالت مصادر بارزة في تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» إنّ الحريري «في صدد الاعلان عن المبادرة عند اكتمال شروطها، وفي التوقيت الذي يراه مناسباً، وبالطريقة التي يراها مناسبة، سواء كان ذلك من لبنان، أو بإطلالة إعلامية».

وإذ لم تنفِ المصادر وجود تباين في وجهات النظر بين «المستقبل» و»القوات» في شأن المبادرة، أكّدت «أنّ هذا التباين لا يعني انّ شعرة معاوية مع معراب قد قطِعت، فقنوات الاتصال مفتوحة والتواصل مستمر، بدليل زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق الاخيرة لمعراب».

ورأت المصادر «أنّ تعاظم مخاطر استمرار الفراغ الرئاسي تفرض على الجميع البحث عن حل، بدل البقاء أسرى معادلة تعطيل ترشيح عون لترشيح جعجع وتعطيل ترشيح جعجع لترشيح عون، خصوصاً أنّ «المستقبل» لم يقصّر في دعم ترشيح جعجع، وخاضَ معركته الرئاسية، وصوّتَ له في مجلس النواب، وشاركَ في كل الجلسات لانتخابه، ولا يزال، مع العِلم أنّ جعجع نفسه كان اعلنَ استعداده للتخلي عن ترشيحه إذا تمّ التوافق على مرشّح آخر».

وإذ رفضَت المصادر مقولة «أنّ الحريري المسلِم يسمّي رئيس الجمهورية المسيحي»، ذكّرت بقول جعجع عقب جلسة «تشريع الضرورة» التي أنقذتها مبادرة الحريري بأنّ ما حصل «انتصار للمبادئ التي نادى بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي جسّدها الرئيس سعد الحريري خير تجسيد»، وشدّدت على «أنّ الحريري يتعاطى بمبادراته دائماً انطلاقاً من منظور وطني، وليس من منظور طائفي أو مذهبي»،

مؤكّدةً أنّ «مبادرته المزمع إطلاقها لإنهاء الشغور الرئاسي تسجّل له وطنياً ولا تسجّل عليه طائفياً، وهو يُعانُ فيها ولا يُدان، لأنّ الإدانة تسجّل على كلّ من يرضى باستمرار الفراغ الرئاسي، وتحديداً المسيحيين منهم، الذين لو كانوا حريصين على موقع الرئاسة ما كان يجب أن يرضوا ببقاء الشغور يوماً واحداً، فيما كلّ الحرص يسجّل للرئيس الحريري على محاولاته لإنهاء الفراغ في الموقع المسيحي الأول، منذ أكّد أنه لا يضع فيتو على أيّ مرشح، وأنّه مع ما يتفق عليه المسيحيون برعاية بكركي».

واستغربَت المصادر أخيراً ما سمّته «صمت» حزب الله عن إعطاء ايّ موقف جدّي في شأن ترشيح فرنجية، وقالت «إنّ تلَطيّه وراء التشديد على دعم ترشيح عون يخفي في طيّاته إرباكاً كبيراً في طريقة مقاربة ترشيح فرنجية، وهذا ما تفضَحه دعوة الامين العام للحزب السيّد حسن نصر الله الى ضرورة الذهاب الى تسوية تحت سقف اتفاق الطائف، والتي تعني في ما تعنيه عملياً، تخلّي الحزب عن ترشيح عون، والاستعداد للبحث في مرشح جديد يكون عنواناً للتسوية، ومن سيكون مناسباً لهم أكثر من النائب سليمان فرنجية»؟.

«الحزب»

وفي معلومات لـ«الجمهورية» انّ ما كان يقصده السيد نصرالله حينما طرح اخيراً «مبادرة تبادل التنازلات ضمن سلة التسويات الكاملة»، هو إنشاء مقايضة بين عودة الحريري لرئاسة الحكومة وبين موافقة الاخير على سلّة تفاهمات تشتمل على انتخاب رئيس وقانون انتخابي جديد غير قانون الستين، وتوافق مسبَق على شكل الحكومة وتوزيعة مقاعدها وضمان «الثلث الضامن» فيها لـ 8 آذار، والاتفاق على بنود بيانها الوزاري، بحيث يتضمن إدراج بند «الشعب والجيش والمقاومة»، وأن يخلو من ايّ بند جديد يدعو الحزب، تصريحاً أو تلميحاً، الى الانسحاب من سوريا، أو يغمز سلباً من قناة قتاله هناك.

وفي المواقف، قال عضو «المستقبل» النائب احمد فتفت: «إذا طلِب منّي أن أنتخب الوزير سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، لقلت بكلّ وضوح إنّ الوقت ما زال باكراً، ولكن إذا تمكّن الوزير سليمان فرنجية أن يثبت سياسياً أنّه رئيس تسوية وأنّه على مسافة واحدة من الجميع، وأنّه ملتزم القرارات الدولية من القرار 1701 بكافة مندرجاته الى القرار 1757 الذي أوجَد المحكمة الدولية، وأن يلتزم النأيَ بالنفس، وأن يكون رئيساً لجميع اللبنانيين كما ينصّ عليه الدستور اللبناني بأنّ رئيس الجمهورية هو رمز وحدة لبنان وليس طرفاً، جميعها تشكّل مؤشرات ستساعد كثيرين في هذا الوطن من أن يقولوا «نعم للتسوية»، وهذا ما ننتظره خلال الايام والأسابيع المقبلة لكي تتبلور الأمور على الصعيد الداخلي». وأكّد «أنّنا أمام أيام وأسابيع مفصلية لجهة ترجمة مبادرة الرئيس سعد الحريري الى مبادرة تسووية حقيقية».

«القوات» وترشيح عون

وفي وقت يُطرح على الساحة السياسيّة إمكان لجوء جعجع الى ترشيح عون ردّاً على ترشيح فرنجيّة، قال النائب فادي كرم لـ«الجمهورية»: «إنّ «القوات» لا تضع فيتو على أي إسم ماروني مرشّح للرئاسة، وهي لا تتعامل من منطلق الموقف الشخصي، بل من خلال البرنامج السياسي والتقارب مع طروحاتنا».

ولفت الى «أنّ «القوّات» هي في صدد درس خطواتها بتأنٍ، وتتنظر أن يتبنّى الحريري رسمياً ترشيح فرنجيّة للقيام بالردّ المناسب وتحديد خطة المواجهة». وأكّد كرم أنّ «التنسيق مع «التيار الوطني الحرّ» مستمرّ، وكذلك مع الكتائب، ولا يمكن أحد ان يتخطّى الإجماع المسيحي أو أن يفرض على المسيحيين رئيساً لا يقبلون به».

«الكتائب»

واعتبر وزير العمل سجعان قزي أنّ طريقة طرح الحريري ترشيح فرنجية «أساءت الى علاقاته مع حلفائه من دون ان تحسّنَ علاقاته مع خصومه». وقال إنّ «حزب الله» باقٍ على مواقفه لجهة دعم العماد ميشال عون، وهنّأ عون «بحليفه حزب الله»، وهنّأ الحزب «بوفائه لحليفه الجنرال عون».

ودعا القوى المسيحية «الى الاجتماع واختيار إسمَين ولا مانع ان يكون فرنجية من بينهما، وطرحهما على المسلمين»، ولفتَ الى أنّ «هناك قوى مسيحية لا تؤيّده وهي حرّة ولديها أسبابها، لكن لكي يكون رفضها واقعياً يجب ان تطرح بديلا». وكشفَ انّ لجنة تتشاور بين الكتائب و»المردة» تعمل على إعطاء ضمانات مكتوبة.

وتحدّث قزي عن مشاورات بين القوى المسيحية لبلوَرة موقف موحّد، واستبعد ان يكون للّقاء المسيحي مردود ايجابي «إلّا إذا اتّفقنا على الثوابت والقضايا الأساسية والمبدئية»، وقال: «لا يمكن الكتائب و«القوات» و«التيار الحر» وضع فيتو على فرنجية طالما اعترفوا بأنّه ضمن الأقطاب الأربعة الأقوياء، ولكن لا يمكن إلّا ان نطلب ضمانات منه ومن ايّ مرشح من الاربعة او من غيرهم، ودعا فرنجية «الى استباق الجميع وإعلان رؤيته».

وإذ لمّح الى «احتمال حصول اتفاق على رئيس الجمهورية قبل عيد الميلاد»، قال: «لا يظنَنّ أحد أنّه يمكن أن يَفرض علينا رئيساً، لا الدول ولا السفارات ولا الحلفاء ولا المرجعيات الروحية».

باسيل

وكان رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل، وفي تعبير عن التصلّب في رفض التسويّة، قال: «لن نقبلَ إلّا برئيس قوي، وعلينا أن نصمد لأنّه من حقّنا أن نطالب بما هو أكبر». وأكّد «أنّنا أصحاب قضية استعادة دور ولسنا أصحاب عملية إنتاج أدوار مجموعات شهدناها سابقاً وعاش لبنان في ظلّها ظروفاً مأسوية.

لسنا اليوم في صدد إعادة إحياء مجموعة سياسية وإنتاج دورها لتعيدنا إلى الواقع الذي عشناه في السابق. نحن جئنا نستعيد دوراً كاملاً ريادياً متناصفاً، دوراً حقيقياً نستطيع من خلاله إعطاء لبنان معناه ورسالته». وأكد أنّ «مرحلة تقاسم وتوزيع الأدوار التي شهدناها في بعض المجالس لن تقوم، ولن نأخذ الفُتات بل سنكون أصحاب الحصة الشعبية».