نتيجة تعذّر تسويق الأعذار الموجبة والمنطقية لتبرير رفض المبادرة الرئاسية السانحة لإنهاء الشغور تحت وطأة كون المرشح المطروح بموجبها مارونياً قوياً ذا حيثية بحسب ما اشترط «الأقوياء الأربعة» وكما تعهّدوا وتعاهدوا تحت سقف بكركي، لوحظ في الساعات الأخيرة تركيز الماكينة الساعية إلى إجهاض التسوية المتاحة على استخدام البعد الطائفي في التصويب على ترشيح رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية ومحاولة إحباط فرصة توليه سدة الرئاسة الأولى بالإيحاء أنّ انتخابه وفق التسوية المطروحة سيجعل منه رئيساً مفروضاً من المسلمين على المسيحيين. وانطلاقاً من كونه طرحاً يعوزه الكثير من الجهد لتسويقه وتكريسه في أذهان المسيحيين باعتبارهم الأدرى بحقيقة أنّ ترشيح فرنجية خرج من تحت عباءة الصرح البطريركي برعاية رأس الكنيسة المارونية، يبدي رئيس مجلس النواب نبيه بري استغرابه الحديث المستجدّ عن فرض المسلمين رئيساً للجمهورية، ونقل زواره لـ«المستقبل» أنّه أعرب أمامهم أمس عن استهجانه الكبير لهذا الكلام واصفاً إياه بـ«الكذبة الطائفية».

وإذ يلفت الانتباه إلى أنّه يكفي لانتخاب أي شخصية لرئاسة الجمهورية أن يطرح أي من النواب اسمه للتصويت في جلسة الانتخاب من دون الحاجة إلى أن تكون هذه الشخصية قد طرحت ترشيحها وبرنامجها رسمياً وهو ما ينطبق على فرنجية وسواه، يعبّر بري أمام زواره عن رفضه المطلق لمقولة أنّه والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط وراء ترشيح فرنجية أو الحديث عن أنّهم يفرضون رئيساً على المسيحيين، مشيراً في هذا المجال إلى أنّ كلاً منهم لديه في ذهنه مرشح لتولي سدة الرئاسة لكن على الرغم من ذلك لم يطرحه نزولاً عند رغبة المسيحيين، ويسأل: نحن التزمنا بيان بكركي الذي يقول بانتخاب أحد المرشحين الأقوياء الأربعة، فهل ترشيح فرنجية يأتي من خارج هذا السياق؟

«إيرنا»: القطار الرئاسي قريب من محطته الأخيرة

في الغضون، وبينما تتجه الأنظار إلى موقف «حزب الله» من التسوية الرئاسية لا سيما على مستوى ما ستخلص إليه مشاوراته مع مرشحه النائب ميشال عون بشأن ترشيح فرنجية، توقف المراقبون خلال الساعات الأخيرة عند تقرير أعدته ونشرته وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «إيرنا» تتحدث فيه عن التسوية الرئاسية المطروحة في لبنان مشيرةً في هذا الإطار إلى أنّ «قطار الانتخابات الرئاسة بات قربًا من محطته الأخرة«، باعتبار أنّ «الأجواء اللبنانية تشير بقوة» إلى أنّ ترشيح فرنجية قد يكون محور التسوية الوطنية الشاملة التي دعا إليها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ويمكن طرحه على الطاولة للسير به نحو التسوية.

الراعي: لتحمّل المسؤولية الوطنية

وأمس، كرّر البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي دعوته الكتل السياسية والنيابية إلى «درس جدي» للمبادرة الرئاسية المطروحة «والتحاور والتشاور بشأنها وجهاً لوجه بروح من المسؤولية الوطنية الرفيعة، بغية الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية بقرار وطني موحّد وشامل«، وأضاف محذراً في عظة الأحد: «ليعلم الجميع أنّ البلاد لا تستطيع تحمّل أي تأخير في تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، والدولة مهدّدة اقتصادياً ونقدياً واجتماعياً وأمنياّ«.

سليمان: «القَسَم» يحرّر من المحاور

تزامناً، أطلق الرئيس ميشال سليمان خلال إعلانه أمس «الوثيقة الوطنية للقاء الجمهورية« في احتفال سياسي حاشد في قصر المؤتمرات في الضبيه، جملة مواقف متصلة بالمستجدات السياسية والرئاسية مشدداً على رفض إقرار أي قانون جديد للانتخابات النيابية في ظل غياب رئيس الجمهورية صوناً لصلاحياته، وأكد في هذا السياق وجوب «أن ينزل النواب إلى المجلس النيابي وينتخبوا رئيساً»، مع إشارته إلى أنّ «الرئيس من أي مكان يأتي ليس له الحق إلا أن يحكم بالتوافق، ويوم يؤدي القسم، هذا القسم يحرّره من التزاماته بالمحاور أو الالتزامات المذهبية«.

وإذ لفت إلى أنّ «اغتيال الشهيد رفيق الحريري شكّل زلزالاً كبيراً ولكن لبنان لم يسقط والفضل بذلك للرئيس سعد الحريري«، جدد سليمان تمسكه بـ»إعلان بعبدا« موضحاً أنّ سياسته «ليس النأي بالنفس بل تحييد لبنان عن الصراعات«، وذكّر في هذا الإطار بأنّ «الاستراتيجية الوطنية« التي كان قد قدمها إلى هيئة الحوار الوطني إبان توليه سدة الرئاسة «تنص على أنه ولغاية أن يستطيع الجيش الدفاع عن الأرض بمفرده نستفيد من قدرات المقاومة لدعم الجيش ضد الاعتداءات الإسرائيلية والقضية ليست مفتوحة بل بأمر من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة«.