على رغم الانحسار الذي شهدته بداية عطلة الاسبوع للتحركات المتصلة بملف التسوية الرئاسية والتي ينتظر بعدها ان يبدأ اسبوع قد يحمل مزيدا من التطورات البارزة في هذا الإطار فان ملامح التأزم المتزايدة جراء التفاعل الحاد الحاصل في المقلب المسيحي خصوصا تصاعدت على نحو ملحوظ وسط غموض السيناريوات المتعلقة بمواقف القوى المسيحية الاساسية من ترشيح النائب سليمان فرنجية . ولعل ابرز ما عكس التحسس بخطورة ما يعتمل داخل البيت المسيحي على تعدد اتجاهاته هو الموقف الجديد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي مساء امس والذي اعاد التركيز بشكل لافت على توسيع التشاور من اجل بلورة اجماع على شخص المرشح لرئاسة الجمهورية الامر الذي رأى فيه المتابعون تهيبا واضحا لدى بكركي من اشتداد التجاذب حول التسوية المطروحة علما ان هذه المخاوف لم تغب عن الاجتماع الاخير لمجلس المطارنة الموارنة الذي شهد نقاشات مستفيضة حول التسوية بكل احتمالاتها . ولم تستبعد اوساط مواكبة للأجواء السياسية ان يبدأ مع الاسبوع المقبل ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود في اتجاهات التسوية المطروحة من دون ان يعني ذلك بالضرورة الوصول الى موعد الجلسة المقبلة المحددة في ١٦ كانون الاول لانتخاب رئيس الجمهورية بنتائج او بأجواء تسمح بترقب حسم التسوية في هذه الجلسة الا اذا طرأت معطيات غير مرئيّة حاليا مع ان ذلك لا يزال مستبعدا . ولفتت الى مؤشرات بدأت بالتعاقب تباعا وتحضير اجواء ورفع سقوف يبدو منها بوضوح ان القوى المسيحية الاساسية بدأت تمهد لتحديد مواقفها المنتظرة بعد طول التزام للصمت . ويأتي في هذا السياق تصاعد الحديث عن امكان ذهاب الدكتور جعجع الى تأييد ترشيح العماد عون اذا حصر الخيار بين عون وفرنجية . كما يأتي في السياق نفسه رفع سقف المواقف العونية بالواسطة عبر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل .

ودعا الراعي امس الكتل السياسية الى " مقاربة المبادرة الجديدة الجدية في شأن انتخاب رئيس للجمهورية مقاربة مسؤولة واعية وموضوعية قوامها التشاور والتوافق على اساس من التجرد والتعالي عن المصالح الشخصية والفئوية " معلنا ان البطريركية تسعى جاهدة الى تعزيز هذا التشاور من اجل ضمان قرار وطني شامل موحد يجمع على شخص المرشح لرئاسة الجمهورية .
وفي وقت لا تزال فيه الأنظار تترقب اي إشارة تصدر عن الرابية ومعراب اللتين تلزمان صمتا ثقيلا يقول المتصلون بهما انه قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة باعتبار ان كلا من العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع يأخذان الوقت الكافي قبل اطلاق شرارة موقفيهما السلبيين من التسوية بدا رئيس الوزير باسيل كأنه يمهد تدريجيا لصدور موقف عون . واتسم موقف جديد للوزير باسيل امس بالاقتراب اكثر فاكثر من الافصاح عن حقيقة مقاربة العماد عون للتسوية التي حملت اسم النائب فرنجية مرشحا متقدما للرئاسة اذ لمح للمرة الاولى الى مقارنة التسوية المطروحة بحقبة الوصاية السورية من دون ان يسميها بوضوح . وَمِمَّا قاله باسيل في احتفال ميلادي في البترون ان " مرحلة الـ٩٠ الى ٢٠٠٥ لن تتكرر فلن نكون سجناء ولا منفيين في وطننا ومرحلة تقاسم الأدوار ولت ولن نقبل بالفتات لأننا اصحاب الحصة الشعبية وما يريد الناس وعلينا الصمود والمقاومة لانه يحق لنا ان نطمح " .
وفي غضون ذلك اثار كلام للامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري عاصفة بسبب ما اعتبر تحذيرا ، وربما اكثر، من الثمن الذي يرتبه سقوط التسوية الرئاسية الامر الذي استدعى لاحقا اصدار بيان توضيحي لهذا الموقف . ذلك ان النسخة الاولى من كلام احمد الحريري تضمنت قوله امام اتحاد جمعيات العائلات البيروتية " اذا فشلت المبادرة في الوصول الى التسوية واستمر الفراغ لأشهر عدة مقبلة فلن ينتخب رئيس للجمهورية على نار باردة بل سينتخب بالدماء . فهل نريد ان نكرر حربا أهلية ثانية ؟ وفي حال عدم سريان التسوية ما الذي يضمن الا يكون هناك مثالثة ".
ولكن البيان التوضيحي لمنسقية الاعلام في تيار المستقبل افاد لاحقا ان كلام احمد الحريري جاء في سياق " تأكيد ان احترام المهل الدستورية وانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية هو الكفيل بإبقاء ضمان الدولة للجميع وان اي تأخير في هذا الاستحقاق كما حصل سابقا يعني دخول لبنان في المجهول " .