برويةٍ وهدوء، أمسك العسكري بيد الموقوف لإدخاله إلى قاعة المحكمة العسكريّة. الشاب القصير القامة لا يستطيع السير على قدميه، أجلسه العسكري على أحد المقاعد داخل قفص المحكمة ريثما يحين موعد جلسته.


وما هي إلا دقائق حتى فتح باب القفص ليخرج منه الشاب السوريّ الذي يبدو عليه أنّه ما زال في عمر المراهقة، ممسكاً بحديد القفص كي يستطيع التقدّم نحو قوس المحكمة قبل أن يطلب المساعدة من العسكريين الموجودين حوله، مردداً «لا أستطيع الاقتراب».
الموقوف هو حسين غورلي. الإسم الذي التصق بصفة «الصيد الثمين» للجيش اللبنانيّ بعد أن تمّ إلقاء القبض عليه في آذار الماضي، حينما كان يعالج في أحد المستشفيات البقاعية من جراء إصابةٍ في رأسه. وما إن وقع بيد الجيش حتى كشف «أبو حارث الأنصاري» كلّ الأسرار التي يعرفها عن «داعش» كونه كان مبايعاً لزعيم التنظيم وشارك في «غزوة عرسال».


وليس ذلك فحسب، وإنّما، لدى غورلي الكثير من المعلومات، خصوصاً أنّه تولّى حراسة العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، ونقلهم من مكان إلى آخر، وكان شاهداً على ذبح العريف الشهيد علي العلي (أثناء الهجوم على عرسال). كذلك كشف عن هوية من أقدم على ذبح العسكريين الشهيدين علي السيد وعباس مدلج (تبيّن لاحقاً أن بلال ميقاتي قتل الشهيد الأوّل ودحام رمضان قتل الثاني)، بالإضافة إلى معلومات حول طبيعة عمل التنظيمات الإرهابية وقادتها.


وبرغم ذلك، كان العسكريّون يمسكون بيد غورلي لإرجاعه إلى نظارة المحكمة بعد أن تبيّن أنّه لم يوكل محامياً للدّفاع عنه، فما كان من رئيس «العسكرية» العميد الركن الطيار خليل ابراهيم إلا أن سطّر كتاباً إلى نقابة المحامين لتوكيل محامٍ عن الموقوف ويرجئ الجلسة إلى 23 أيّار المقبل، طالباً من العسكريين أن يخرجوه من القاعة «على مهلكن».


ولكنّ قبل ذلك، وجّه ابراهيم سؤالاً واحداً إلى غورلي: «شو بيك؟»، ليجيب بصوت متهدّج كونه أيضاً لا يمكنه الكلام بطريقة سليمة، أنّه مضروب على رأسه وكان مشلولاً والآن يستطيع المشي بصعوبة، نافياً أن يكون قد أصيب خلال معارك عرسال «أنا كنتُ في المخيّم أثناءها وإجت شظايا القذيفة على رأسي».


هذه الإجابة تعتبر الثالثة لغورلي في أقلّ من عام واحد. فهو صرّح عندما تمّ إلقاء القبض عليه أنّه أصيب جراء حادث سير على دراجته النارية قبل أن يقرّ أنّ الإصابة ناتجة عن مشاركته في معركة رأس بعلبك ضد الجيش اللبناني.
انتهت جلسة «أبو حارث الأنصاري» من دون أن تبدأ. في هذا الوقت كان محمّد عز الدين ينتظر. الشاب الثلاثيني هو الأخ غير الشقيق لعمر الأطرش، المتّهم بالانتماء الى تنظيم ارهابي مسلح بقصد القيام بأعمال ارهابية ونقل انتحاريين وتجهيز ونقل سيارات وأحزمة ناسفة وصواريخ ومتفجرات (اعترف نعيم عباس أنه قام بنقل سيارة مفخّخة من نوع غراند شيروكي من البقاع إلى بيروت، والتي تمّ استخدامها في تفجير حارة حريك).
عز الدين: لا علاقة لي بـ«الشيخ عمر»


في البداية، روى عز الدين عن حياته حتى كاد أن يظهر أنّه موقوف فقط لأنّه أخو «الشيخ عمر»، كما يفضّل أن يناديه. أنكر أن يكون على علاقة وثيقة مع شقيقه من والدته، سارداً أنّه تربى في مدرسة داخليّة قبل أن ينتقل إلى بيروت حيث عاش لـ15 عاماً متنقلاً بين الدكوانة والمنصوريّة حيث افتتح محلاً للألبسة النسائيّة. ولنفي تهمة الإرهاب عن نفسه، باح الرجل بما اعتبره دليلاً دفاعياً: «غالبية زبائني من المسيحيين»!
وعن سبب هربه عندما تمّت مداهمة محلّه، لفت عز الدين الانتباه إلى أنّه خاف وخجل من زبائنه فقرّر العودة ليعيش في عرسال التي لم يكن يتردّد عليها إلا مرة كلّ شهر ولم يكن يرى شقيقه من إمّه إلا صدفةً كلّ 4 أو 5 أشهر، خصوصاً أنّ «المخابرات (الجيش)، بحسب ما أسمع، يقومون بتلفيق الملفّات».


هذا الاعتقاد ما زال سائداً في رأس الموقوف، فهو حتى اللحظة يعتقد أنّ الأطرش بريء من التّهم المنسوبة إليه، «وقد ركّبوا له ملفّاً». وبرغم أن الشقيقان قد التقيا في السجن، إلا أنّ الشقيق الأكبر لم يعمد إلى فتح هذا الموضوع مع «الشيخ عمر»، خصوصاً أنّ الأخير «لا يتحدّث بهذه المواضيع»، مضيفاً: «أنا لا أعرف شيئاً عن أخي، أنا كنت فقط أعرف أنّه يعمل مع الجمعيّات لا أكثر ولا أقلّ. دخْلو أو ما دخْلو ما بعرف».
في كلّ هذا المسار، كان عز الدين يتحدّث عن نفسه بأنّه ليس ذلك الشخص الذي ينتمي إلى أي مجموعة مسلّحة. وحتى أن إلقاء القبض عليه تمّ بعد مشادة عائليّة مع أهل زوجته بسبب خلافات ماليّة أدت إلى إطلاق النار على أرجل عمه وعديله، فيما يتردّد أنّه اتصل هاتفياً بأحد الأشخاص المنتمين إلى مجموعة تابعة لـ «داعش» والتي قامت بملاقاته بالقرب من منزل أهل زوجته بسيارة من نوع «جي. أم. سي» داكنة الزجاج وعلى متنها مسلحين.

ينفي ابن عرسال هذا الأمر كلياً، ويؤكّد أنّ القوى الأمنيّة ألقت القبض عليه بعد الحادثة مباشرةً، فيما عمّه صرخ: «إلقوا القبض عليه، هذا شقيق عمر الأطرش. وهو ينتمي لداعش».


وما إن نطق عز الدين بهذه الجملة، حتى سارع العميد ابراهيم إلى القول: «هنا بيت القصيد. هل انتميت لداعش؟». وسرعان ما ظهرت الخيوط ليتبيّن أنّ الشاب، وبعد أن خسر زوجته وأولاده وماله، يئس من الحياة «وسكّرت الدني في وجهي»، قرّر مغادرة بلدته عبر «بيك اب» من وادي حميد متوجّها إلى الجرود للالتحاق بـ «داعش».


دورة دينية ضدّ الطوائف والجيش


وفي محلّة العجرم، التقى بمجموعة من 6 لبنانيين كانوا قد أتوا أيضاً للالتحاق بـ «داعش» ليتم توزيعهم على مجموعات التنظيم ويكون هو عنصراً في مجموعة «أبو بلقيس» التي تضمّ أكثر من 30 مسلّحاً يتمركزون داخل منازل وينامون في غرفها بعد أن يأتيهم المأكل.


وهناك، بدأ يتلقّى دورات دينيّة مرة كل يومين، تركزت على تكفير معظم الطوائف اللبنانية والجيش اللبنانيّ الذي يتمّ وصف ضباطه وجنوده بـ «الطواغيت الكفّار»، بإشراف المسؤول الشرعي لـ «داعش» في الجرود «أبو عمر الحمصي».


ولم يستطع عز الدين البقاء في الجرود وخضوعه لدورة عسكريّة بعد الشرعيّة التي «لم يعلق في ذهني منها الكثير من الأشياء لكوني لم أقتنع بفكرهم»، خصوصاً بعد أن كاد يتعرّض لمحاولة قتل بعد أن أقسم بوالده ليقوم أحد العناصر بتكفيره وتلقيم البندقيّة، بالإضافة إلى التكفير في معظم المسائل كالتدخين.


كان من المفترض أن ينهي الشاب دوراته كي يقوم بمبايعة أبو بكر البغدادي أو وكيله في الجرود، غير أنّه وجد حلاً للهرب بعد أن أعطاه «داعش» إجازة لمدة يومين باعتباره متزوّجاً وذلك بعد أن قضى 12 يوماً إلى جانب التنظيم في بداية العام 2014.


أمّا عن معركة عرسال، فإنّ المفارقة أنّ عز الدين يملك ثلاث إفادات متتالية عن مكان وجوده خلالها واحدة في مخفر درك عرسال وأخرى في زحلة وثالثة لدى «شعبة المعلومات» في بيروت.


وفي كلّ مرة، كان للموقوف روايته، مرّة يشير إلى أنّه كان برفقة مسلحي «داعش» الذين اقتحموا مخفر الدرك، وأخرى أنّه قام مع مجموعة تابعة للمسلحين بإقامة حاجز بالقرب من المخفر حيث شاهد كيف اقتاد مسلحو «النصرة» و «داعش» العناصر الأمنية بسياراتهم وبحضور إمام البلدة مصطفى الحجيري الملقّب بـ «أبو طاقية».


في حين كان لعزالدين، أمس، رواية رابعة قال فيها إنّه ما إن سمع إطلاق نار حتى خرج من منزله ليرى المسلحين في كلّ مكان. وإلى جانب المخفر كان هناك العديد من الناس الذين سألهم عما حصل ليخبروه عن عمليّة الاقتحام وأن المسلحين قاموا بقتل ابن عمّه الذي شارك بمحاولة صدّ هجمة الجماعات المسلّحة. وحينها، هرب عز الدين من المكان وصار يتنقّل مقنّعاً مخافةً أن تقتله الجماعات الإرهابيّة انتقاماً لما فعله ابن عمه.
وبعد استجوابه وإعلان ندمه وخطئه عما فعل ومرافعة وكيل الدّفاع عنه محمّد ضاهر، أصدرت «العسكريّة» مساء حكمها على عز الدين بالسجن سنة ونصف السنة.

معارك بحنين.. واغتيال جبريل


أصدرت هيئة «العسكريّة» برئاسة العميد خليل ابراهيم حكمها على إحدى المجموعات التي شاركت في قتال الجيش خلال معارك بحنين إلى جانب خالد حبلص وذلك بعد أن تمّ استجواب الموقوفين الثمانية (بينهم قاصر) في جلسة سابقة ومرافعة وكلاء الدّفاع عنهم أمس.


وعليه، فقد حكمت على: محمّد ملص ووحيد المرقبي وخالد الشمالي ويوسف الكنك بالأشغال الشاقة لمدة 3 سنوات، وعلى محمود حسين بالحبس سنتين وعلى خضر ملص وابراهيم ملص بالسجن سنة واحدة.


وفي سياق متّصل، مثل أمام «العسكريّة»، أمس، المعاون المتقاعد من قوى الأمن الداخلي محمود رافع ليتم إرجاء الجلستين المخصصتين لقضيتين متّهم بهما: العمالة وتقديم المساعدة للعدو الإسرائيلي وتفخيخ سيارة جهاد جبريل (بالاشتراك مع الفار من وجه العدالة الفلسطيني حسين خطاب)، وتأليف عصابة في العام 1999 تضمّ خطاب وابراهيم ياسين بهدف توفير وسائل للعدو لمباشرة العدوان على لبنان وتأمين مساكن لإيواء عملائه وإفشاء معلومات لمصلحته.
وقد تمّ إرجاء الجلستين إلى 10 حزيران المقبل.

السفير