خلال رحلة الاعتقال الطويلة لنجله التي دامت 488 يوماً، لم يدرك والد الشهيد محمد حمية أن ابنه سيكون من عداد شهداء الجيش اللبناني في جرود عرسال، بل ظن أن حسن أخلاق محمد وإيمانه قد يشكلان عامل ردع للمسلحين إذا ما توفرت فيهم الإنسانية والتعقل.
حاول والد حمية مراراً إنقاذ ابنه، لكن همجية التكفيريين كانت الأسبق، إذ لم تنفع معهم كل المناجاة التي أطلقها الشهيد حمية. ولما جاء خبر استشهاد محمد، لم تقتنع العائلة بما سمعت، عاودت محاولة الاتصال بكل من تعتقد أن له خطوط معرفة بالمسلحين، مارست كل أنواع الضغط، حتى أنها حاولت اختطاف أشخاص أبرياء من بلدة عرسال.. لكن من دون جدوى.
مع استشهاد محمد واستعادة جثمانه خلال عملية التبادل، يبدو أن المهمة لم تنته لدى عائلة حمية، وتحديداً عند والده الذي اعتبر أن بداية الطريق بدأت منذ أن دفن ابنه، ذلك أن عملية الثأر من القتلة طويلة، "البدوي يأخذ ثأره بعد 40 عاماً ويقول بعد بكير"، على حد تعبيره.
الوالد معروف حمية لم يبقِ خصمه سراً بل أعلنه على الملأ، وأيده في الموقف أهالي منطقة بعلبك عبر محطات الاستقبال التي لاقت الشهيد محمد ابتداء من بلدة الكرك وصولاً الى منزل والده في سهل طليا. محطات الاستقبال أخّرت وصول موكب الجنازة لأكثر من ثلاث ساعات، إذ أصرّ الأهالي على إنزال الجثمان عند كل محطة في ظل إطلاق كثيف للنار مصحوباً بقذائف صاروخية. وقد عبّر الأهالي عن غضبهم من الشيخ مصطفى الحجيري وقيادة المسلحين وكل الداعمين لهم.
اما في منزل الشهيد حمية، فإن الاستعداد للتشييع تحول في أجزاء منه الى التحضير لموكب عريس، جهزت البقجة (مجموعة الثياب التي يرتديها العريس ليلة عرسه) والبخور وصواني الورد والأرز وباقات الورد.
والدة الشهيد التي عُرف عنها صبرها استنزفت كل ما لديها، فلم تقدر على الجلوس وبقيت تدور حول المنزل متكئة على إحدى شقيقاتها، كما أنها استعرضت ثلة الجنود من رفاق الشهيد التي كانت تعد لتقديم التحية للشهيد، سائلة إياهم "هل رأيتم أفضل من سلوك محمد وأجمل منه"، وهي بهذه الكلمات القليلة فرضت على الجنود رفاق الشهيد حالة من الحزن مرفقة بدموع.
على مدخل خيمة العزاء رُفعت لافتة: محمد معروف حمية شهيد كل الوطن، نقسم بالله بأن دمك لن يذهب هدراً.
حضر التشييع جورج سمعان والد الملازم أول نديم سمعان الذي أصرّ على توزيع صليب ابنه على بعض الحضور ليعلن وحدة الدم مع آل حمية.
لحظة وصول الجنازة، حالت عائلة حمية دون إطلاق النار، فقد سبق ذلك أن أصدر والد الشهيد بياناً طالب فيه أقاربه أن يوفروا الرصاص الى حين الإيفاء بالعهد الذي قطعه بالنيل من رقاب قتلة الشهيد محمد، وعندها فقط سيكون عرس محمد.
عند وصول موكب الشهيد الى دارة والده، أُدخل لدقائق قليلة الى داخل المنزل، ومن ثم توجه موكب التشييع الى بلدة طاريا حيث أقيم له استقبال في حسينية البلدة ألقيت خلاله كلمات لكل من ممثل وزير الدفاع وقائد الجيش العقيد سهيل عازار، والارشمندريت عبد الله عاصي ممثلاً المطران عصام درويش، المفتي الشيخ خليل شقير، المفتي الشيخ بكر الرفاعي ووالد الشهيد معروف حمية.