في خطوة بالغة الدلالة السياسية على مؤشرات الرياح الدولية إزاء التسوية الوطنية، جاء اتصال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند غداة لقائه الرئيس سعد الحريري في الإليزيه برئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية متباحثاً معه على مدى 10 دقائق في آخر المستجدات والتطورات على الساحتين الإقليمية والدولية. وبينما وصفت مصادر ديبلوماسية رفيعة في باريس لـ«المستقبل» هذه الدقائق العشر بأنها كانت «رئاسية» بامتياز، آثرت المصادر في المقابل عدم الخوض أكثر في فحوى الاتصال، مكتفية بالإشارة إلى أنّ هولاند توجّه إلى فرنجية بالقول: «نحن نبارك التقارب بين الأفرقاء اللبنانيين وندعم المبادرة الرئاسية المطروحة»، في إشارة إلى مبادرة الحريري لإنهاء الشغور والتي ارتفعت بموجبها حظوظ ترشيح فرنجية لتولي سدة رئاسة الجمهورية.

وبينما كان فرنجية يسمع دعماً واحتضاناً رئاسياً من فرنسا «الأم الحنون» التاريخية للمسيحيين في لبنان، كانت بكركي تسعى بدورها لإعادة وصل ما انقطع بين الأقطاب الموارنة ربطاً بحبال التسوية الوطنية المتاحة لانتخاب فرنجية بوصفه أحد المرشحين الأقوياء الأربعة. في وقت قال المطارنة الموارنة كلمتهم في التسوية مؤكدين «جدية الفرصة» الآيلة إلى إنهاء الفراغ القاتل في سدة الرئاسة، وخلص البيان الصادر عن اجتماعهم الشهري في بكركي أمس برئاسة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي إلى التشديد على أنّ «الآباء يرون أنه بعد مرور ثمانية عشر شهراً على شغور منصب رئاسة الجمهورية، تبرز فرصة جدية لملء هذا الشغور، ما يقتضي التشاور والتعاون بين جميع الفرقاء اللبنانيين لإخراج البلاد من أزمة الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية»، مع إعادة التذكير في هذا المجال بأنّ «الرئيس بما أنه رأس الدولة، كما ينص الدستور، هو حجر الزاوية في العمارة الوطنية بأبعادها التاريخية والمؤسساتية، ولذلك ينبغي أن يأتي انتخابه عن تبصّر عميق في أهمية هذا الموقع ودوره الأساسي».

توازياً، لم يتأخر الراعي في إدارة محركات «التشاور والتعاون» التي دعا إليها بيان المطارنة فتشاور هاتفياً مع رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي وعد بزيارة الصرح قريباً لمزيد من البحث في المستجدات الرئاسية، في حين حضر إلى الصرح كل من رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل وعقدا جولة مشاورات أوّلية مع البطريرك تمحورت بطبيعة الحال حول المبادرة الوطنية ومسألة ترشيح فرنجية للرئاسة.

إثر الاجتماع، وفي حين حرص باسيل على إعادة التأكيد على ضرورة أن يتولى سدة الرئاسة الأولى «من يمثل المسيحيين واللبنانيين» رافعاً في الوقت عينه لواء «حرية المسيحيين في اختيار رئيسنا وقانون انتخاب نتمثل على أساسه»، خرج الجميل بموقف أكثر وضوحاً من ترشيح فرنجية بالإشارة إلى أنّ «الكتائب» ليست لديه «عقدة أشخاص»، وقال: «لن نتخلّى عن ثوابتنا أو نتنازل عنها وبقدر ما يلتقي معنا أي مرشح ويقترب من ثوابتنا فلا فيتو لدينا على أي شخصية»، مؤكداً تواصل حزبه مع فريق فرنجية مرة كل يومين لنرى إذا كان مستعداً لملاقاتنا إلى منتصف الطريق».

وعن أجواء لقاءات بكركي أمس، أوضحت مصادر مطلعة عليها لـ«المستقبل» أنّها لم تسفر عن نتائج حاسمة حتى الساعة بالنسبة للتسوية الرئاسية المطروحة إلا أنها نقلت عن الراعي تأكيده أنّ «مساعيه مستمرة لتذليل العقبات توصلاً إلى موقف موحّد للقيادات المسيحية عموماً والمارونية خصوصاً باعتبار أنّ استمرار الفراغ الرئاسي لم يعد جائزاً لأنه قد يؤدي لا سمح الله إلى الفوضى إذا طال أمده أكثر».

ورداً على سؤال، أجابت المصادر: «كلام البطريرك كان واضحاً بُعيد انتهاء اجتماع المطارنة حين أكد أن بكركي مع انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد حفاظاً على كرامتنا».