"رجعوا الكل إلا ابني" ، لا أدري كَمْ المرات التي قام بها حسين بترديد هذه الجملة لنفسه ، وكم تفقد الخِيَم التي فرغت من أهاليها ممّن حملوا أبناءهم ومضوا ، بقي هو ينتظر فمحمد لم يكن عند النصرة ليكتمل العرس به ، محمد خطفته داعش !
أستطيع تخيّل لحظة الإفراج ورؤية حسين يوسف كأنه أمامي الآن ، أستطيع الشعور بذلك الأسى الخفي الممزوج بفرح للآخرين ، كان بينهم نعم مع أنّ طفله الجندي لم يكن هناك عانقهم اشتم رائحة ولده بهم وتكابر على غصة أحرقته وقتلته ...
لم يشعرهم للحظة أنّه يبحث في وجوههم عن محمد ، أنه يبكيه قلباً ويتمناه الآن في هذه اللحظة التي تقارب بها المخطوفين وعانقوا الأهالي ، لم يشعرهم أنّ كل شوقه لإبنه طيلة سنة ونصف انفجر في هذه الصورة وتمنى لو يخسر كل شيء فيراه ، لم يشعرهم بشيء إلا بفرحه الصادق لتحرير المخطوفين الذين هم أولاده ...
في لحظة ضعف حسين لم يعد يقوى ، أحسّ بألم كبير ، كاد أن يخرج عن "بروتوكول " الفرح لأقرانه ممّن جمعته بهم المعاناة ، فإنسحب ابتعد عنهم قليلاً لم يرد لعينيه المتألمتين دمعاً أن تصل لهم لم يرد لألمه أن يكّدر صفوَ تلك الأوكسترا العفوية .
ابتعد و وقف ، ليتمثل الإنكسار ، ليظهر الوجع على ملامحه فيحسَ كل من شاهده بحجم الألم الذي يعصف به ، إنكسار لم يضعفه لم يبعده كثيراً عن العائدين ، بل ظلّ متيناً مؤمناً بل وظلّ "قديساً" ...
صورة " حسين يوسف" ، ذكرتني مرغمة بمن أسموها صفقة العار ، وبمن قالوا "يا ريتن استشهدوا وما رجعوا " ...
هؤلاء ، هل شاهدوا هذا الأب ، هل تشاركوا ألمه ، هل وقفوا أمام هذه الصورة التي يهتز لها الحجر وهل تساءلوا كيف نداوي هذا الجرح وكيف نمحي تلك النظرة القاتلة عن وجه هذا الرجل ... ؟!
لم يشاهدوا ، وربما لم يستطيعوا أن يواجهوا مواجع هذا الأب ، ولو وقفوا إنسانياً وشعروا ، لقالوا : "لأجل عودة ابنك البطل يا حسين نصنع المستحيل" ؟!
أما أنت يا حسين فدعك منهم وكلمتنا لك ، أنّ إيمانك هو الأقوى ، و ولدك هو ابن كل فرد منّا ، وفرحتنا ناقصة وعرسنا لن يكون إلا في تلك اللحظة التي يصبح بها محمد بين ذراعيك ..