الحركة السياسية المكثّفة التي تواكب التسوية الرئاسية لم تفلِح بعد بتجاوُز ثلاث عقبات أساسية: «حزب الله» الذي ما زال يؤكّد دعمَه لرئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، ويربط موقفه بما يقرّره عون. الأحزاب المسيحية الثلاثة: «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» التي ما زالت، لاعتبارات مختلفة، تعارض التسوية المذكورة. السعودية التي يَجهد كلّ فريق محلّي باستخراج ما يناسبه من مواقف سفيرها في لبنان علي عواض عسيري، من أجل أن يضعه في خانتِه ويوظّفه في مصلحته. وفي موازاة العقبات المنوّه عنها، لا يمكن التقليل من الحركة التي يقوم بها رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، والتي تُوّجت بلقاءين معلنَين، الأوّل مع النائب وليد جنبلاط الذي يُعدّ من عرّابي هذه التسوية، والثاني مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي فورَ عودته من الخارج، وذلك في إشارةٍ واضحة إلى نيّاته تذليل العقبات الموجودة بنفسه بغية إنضاج الحلّ سريعاً. وإذا كان فرنجية يتكفّل بتوفير البيئة المواتية داخلياً، فإنّ رئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري يَعمل على تظليل التسوية بدعم دولي تُرجم في زيارته للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وإعلانه العمل على إنهاء الفراغ الرئاسي. أكّد الحريري بعد لقائه هولاند في قصر الاليزيه أنّه «يعمل لإنهاء الفراغ الرئاسي، وأنّ هناك حواراً جارياً بين الفرَقاء اللبنانيين،» معتبراً أنّ هناك أملاً كبيراً اليوم بإنجاز هذا الموضوع».

وعن ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، أشار إلى أنّه «يرى مناخاً إيجابياً، وهو متفائل بالأيام المقبلة». ونقل عن هولاند تأكيده على ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي.

مرجع بارز

وتوقّع مرجع سياسي بارز لـ«الجمهورية» أن «يعود الحريري الى السعودية التي سيتوجّه اليها ايضاً رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وقد تشهد لقاءً بينهما فضلاً عن لقاءات لهما، مجتمعين ومنفردين، مع مسؤولين سعوديين للبحث في التسوية المطروحة والتي يعارضها جعجع وآخرون».

وحسب المعلومات المتداولة حول السيناريو المتوقع لإخراج التسوية الموعودة، إذا حصل اتفاق عليها، فإنّ «الحريري سيبادر أوّلاً الى الإعلان باسم كتلة «المستقبل» عن ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، فيبادر الأخير ويعلن في ضوء ذلك ترشيحَه».

ورجّح المرجع «انعقاد لقاء قريب بين رئيس تكتّل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون وفرنجية، يبدو أنّهما اتّفقا عليه أثناء زيارة التعزية التي قام بها فرنجية الى الرابية لتعزية عون بشقيقه».

وأوضح المرجع أنّه «ينتظر ما سيكون عليه موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي العائد من الخارج من موضوع التسوية، خصوصاً أنّه كان راعي الاجتماع الشهير للأقطاب الموارنة الاربعة في بكركي، والذين اتفقوا خلاله على ان يتمّ تأييد أيّ من هؤلاء الأقطاب إذا حظِي الترشيح بتوافق وطني عام».

وردّاً على سؤال حول إصرار عون على ترشيح نفسه وعدم التنازل لمصلحة فرنجية، أكّد المرجع «أنّ عون قوّة مسيحية وطنية كبيرة لا يمكن تجاهلها، ومن الأفضل أن يحصل توافق على رئيس جمهورية بحيث تشارك كلّ الكتل النيابية، من ضمنها كتلة عون، في انتخابه».

حرب

والتقى الحريري وزيرَ الاتصالات بطرس حرب الذي أوضح أنّ الاجتماع خلصَ «إلى وجوب متابعة الاتصالات لإيجاد الحلّ الملائم الذي يَجمع اللبنانيين ويُخرجهم من حالة الشرذمة والخصام». ولفت الى أنه تداوَل مع الحريري في ترشيح فرنجية وظروفه وفي ما يجب توفيره من ضمانات لكلّ اللبنانيين في إطار عدم تكريس انتصار فريق على آخر».

وشدّد حرب على أنّ «›قضية رئاسة الجمهورية ليست قضية أشخاص بقدر ما هي قضية برنامج وتصوُّر وتوجّه والتزام بالمبادئ الوطنية والسيادية التي نناضِل من أجلها». يعود حرب الى بيروت اليوم، وسيطلِع أقطاب قوى 14 آذار على حصيلة هذا اللقاء.

«المستقبل» إلى الرياض

وعلِم أنّ الحريري عاد مساء أمس الى الرياض ويلتقي غداً السبت قيادة تيار «المستقبل» برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة وعدداً من وزرائه ونوابه ومستشاريه للتشاور في سلسلة اللقاءات التي أجراها في باريس.

السنيورة

في هذا الوقت، أكّد السنيورة أنّ فكرة دعم فرنجية للرئاسة جدّية، ولكن يجب عدم وضع أكثر ممّا هو موجود حالياً على لسان الرئيس سعد الحريري، وقال «إنّنا كلّنا نشارك حالياً في المشاورات، سواءٌ على مستوى «تيار المستقبل» أو على مستوى 14 آذار، أو من خلال الحوارات الجارية بيننا وبين الأفرقاء الآخرين.

وقال في حديث صحافي إنّ الحريري لم يعبّر بعد عن هذا الموقف، ولكنّ هناك حواراً يجري في هذا الشأن، وثمّة تداول لدى مختلف الفرقاء اللبنانيين في هذا الصدد.

وعن عودة الحريري لترَؤّس الحكومة، قال السنيورة «إنّ النقطة التي نبحَث فيها حالياً هي انتخاب رئيس للجمهورية، وعندما ننتهي منها، كلّ الخطوات تصبح ضمن عملية متلاحقة وموجودة»، واعتبر أنّ من حق الحريري أن يرشّح نفسَه، ولكن في النهاية من يسمّيه لتأليف الحكومة هو مجلس النواب، وذلك عندما تستقيل الحكومة أو اعتبارها مستقيلة بعد انتخاب رئيس جديد».

«حزب الله»

وفيما تتجه الأنظار الى موقف «حزب الله» في ضوء التطوّرات المتسارعة، علمت «الجمهورية» أنّ موقف الحزب من دعم ترشيح عون هو نفسه لم يتبدّل. وفي هذا السياق، زار موفد للحزب الرابية منذ أيام، ونقل الى عون تحيات الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله وتعازيَه بوفاة شقيقه.

وأبلغَ إليه بشكل واضح لا لبسَ فيه ما حَرفيته: «نحن معك، ونقف إلى جانبك، وأنتَ مرشّحنا ما دمتَ مرشّحاً». وقد تلقّفَ عون هذا الموقف بكثير من الارتياح.

عسيري

في غضون ذلك، نَقل السفير السعودي علي عوض عسيري بعد زيارته رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل في بكفيا بحضور وزير العمل سجعان قزي، حرصَ بلاده لإجراء حوار مسيحي ـ مسيحي سريعاً، وتمنّياتها برؤية نتائج سريعة له، «لأنّ الظروف التي تمرّ بها المنطقة ليست عادية».

وأكّد أنّ ترشيح فرنجية «خيار لبناني ـ لبناني أوّلا»، وقال إنّ بلاده لا تتدخّل «بتسمية هذا أو ذاك، الخيار هو للّبنانيين أنفسِهم، وفي مقدّمهم المسيحيون».

وكرر عسيري أنّ المملكة «لم ولن تسمّي أيّ مرشّح، والمبادرة «أتت لبنانية ـ لبنانية»، وبلادُه» باركت هذه الخطوة برغبتها في أن يكون هناك دور للمسيحيين في هذا الإطار والإخراج. وما بقيَ هو الحوار المسيحي ـ المسيحي لمشاركة المسيحيين همومَهم . نحن نبارك هذه المبادرة وحريصون على ملء هذا الفراغ الرئاسي.

وعزا استعجالَ بلاده الى ملء الفراغ لشعورها بوجود تطورات في المنطقة قد تنعكس على لبنان. وتمنّى رؤية جهود لبنانية، «وبالدرجة الأولى مسيحية، للتوافق». وشدّد على أنّ بلاده «لا تَدخل في تجاذبات السياسة اللبنانية، وتبارك مَن اختارَه اللبنانيون.

وعمّا إذا كانت السعودية تبارك وصولَ صديق الرئيس بشّار الأسد إلى سدّة الرئاسة، أكّد عسيري أنّ المملكة تميّز بين الرئاسة والصداقات الشخصية.
وعمّا إذا كان لبنان سيشهد تحالفات جديدة، أجاب: «نعم إيجابية إن شاءَ الله». وأوضَح عسيري أن ليس لديه أيّ محاذير أو أيّ موانع تمنَعه من لقاء فرنجية، كاشفاً أنّه التقى به أمس الاوّل، وقد دعاه فرنجية الى الغداء.

الراعي

وكانت الحيوية عادت الى بكركي سريعاً بعد عودة الراعي، حيث قال تعليقاً على مبادرة الحريري: «سنتصل بكلّ المعنيين حتى نصل الى مخرج للأزمة، فنحن حيّينا تلك المبادرة ومنذ فترة نطالب الكتل السياسية والنيابية بضرورة القيام بمبادرة لفتحِ الباب على الأقلّ للتشاور والتفكير والتوافق».

وأشار إلى «أنّه امام هذا الواقع المستجد والمبادرة الجديدة لانتخاب الرئيس ليكُن الهمّ الاساسي هو حماية الجمهورية اللبنانية والمؤسسات الدستورية»، مشيراً إلى «أنّ التوافق لا يقتضي فرضاً ولا رفضاً، بل السير سويّة نحو الخروج من هذه الأزمة».

وقال «إنّ مبادرة الحريري هي مبادرة لها قيمتها، وهي مبادرة جدّية، لذلك نقول إنّ الباب قد فتِح حتى يستطيع كلّ الأفرقاء التحدّث بمسؤولية عن الحلّ الأنسب».

وردّاً على سؤال حول تسمية رئيس الجمهورية اللبنانية من قبَل الحريري والنائب وليد جنبلاط، أوضَح الراعي أنّه «لطالما طالبَت البطريركية بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، وعندما كانوا ينزعجون منّا كنّا نقول لهم إنّ القرار لبناني وليس مسيحياً، ورئيس الجمهورية هو لكلّ لبنان».

وأشار الراعي الى أنّه «لطالما دعا النوابَ للنزول الى المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية، والآن مع وجود مبادرة يجب على النواب التشجّع والقيام بواجابتهم، وما يهمّنا هو فتح الباب، ولا يجوز الاستمرار بهذا الوضع، فهذه جرصة بكلّ معنى الكلمة أمام العالم».

قانون انتخاب ينصِف التوازن

وأكد فرنجية بعد لقائه الراعي «هدفُنا ليس الوصول الى رئاسة الجمهورية، بل معالجة الامور، والوقت كفيل بحلّها، ونحن اليوم معَجّلين ولكن غير مستعجلين».

وقال: «سأعمل دائماً على قانون انتخاب ينصِف التوازن الوطني ويعطي تمثيلاً حقيقياً لباقي الطوائف، وإذا كان لدى الفريق الآخر هواجس فمِن واجبي تطمينه. وتساءل «لماذا لا تُعتبر علاقتي بالرئيس بشّار الأسد نقطة قوة وليس نقطة ضعف».

وتابع: «أنا لا أطلب من الفريق الآخر تبنّي مواقف 8 آذار ولا يمكن للفريق الآخر ان يطلب منّي أن أتبنّى مواقف 14 آذار، والأهم هو حماية لبنان.
إلى ذلك، وصف النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم لـ»الجمهورية» لقاء فرنجية بالراعي الذي شاركَ فيه، بـ«الإيجابي، حيث قال للبطريرك: لقد جئت لإطلاعك على تفاصيل ما جرى من اتصالات وصولاً إلى التسوية التي تمّت، وبالتأكيد لو كنتَ في لبنان، لكنتُ أعلمتُك فور عودتي من باريس بما حصل، فأكّد الراعي أنّه مع كلّ مبادرة توصِل الى انتخاب رئيس وأنّ هذه الخطوة فتحت آفاقاً جديدة في الرئاسة».

وأوضَح مظلوم أنّ «فرنجية أكّد للبطريرك أنّه يسعى لحشد أكبر تأييد لانتخابه، وليس مستعجلاً للرئاسة، وإنّه سيواصل حواره مع الأفرقاء كافّة وعلى رأسهم الموارنة، فهو ضدّ كسر أحد بانتخابه، وخصوصاً المسيحيين». وقال إنّ «فرنجية ليس بحاجة الى نصيحة للتواصل مع القوى السياسية، وهو يقوم بالاتصالات المطلوبة».

وعن مساعدة الراعي لفرنجية بالتواصل مع عون وجعجع والجميّل، أشار مظلوم إلى أنّ «فرنجية يقوم بكلّ ما يجب، والاتّصالات أصلاً مستمرّة مع الجميع وخصوصاً بين «القوات» والمردة» بعد المصالحة بينهما»، موضحاً أنّ «الأمور تُطبَخ بهدوء وبعيداً من منطق التحدّي».
وأوضَح مظلوم أنّ «الراعي سيترأس سيامة مطران حلب للموارنة في طرطوس الإثنين، حيث من المقرّر أن يغادر يوم الأحد».

خيرالله

وفي ظلّ الاتصالات والمواقف المارونية التي تتنقّل بين القيادات السياسية وبكركي، تخرج البطريركية بموقف رسمي اليوم بعد اجتماع مجلس المطارنة برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

وفي السياق، أكّد راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله لـ«الجمهوريّة» أنّ «المطلوب في هذه المرحلة الصمت والعمل بهدوء والعودة الى الذات لنتّعظ من تجارب الماضي»، لافتاً الى أنّ «موقف البطريركية المارونية سيعبّر عنه اليوم باجتماع مجلس المطارنة».

الراعي

وإلى الاجتماع الشهري لمجلس المطارنة الموارنة، رجّحت مصادر مطلعة ان يلتقي الراعي اليوم موفداً من الحريري وآخرين من «التيار الوطني الحر» و«القوات»، بعدما تردّد أنّ عون ربّما هو مَن سيزور بكركي.

«الكتائب»

وفي هذه الأجواء تَستكمل الكتائب جولاتها على القيادات المسيحية، ويزور وفد منها عند العاشرة من قبل ظهر اليوم قيادة حزب الطاشناق في برج حمود للقاء الأمين العام للحزب النائب هاغوب بقرادونيان للبحث في المستجدات، سعياً وراء توحيد الموقف ممّا يجري على مستوى هذا الاستحقاق وشرح الموقف الكتائبي ممّا تسمّيه قيادة الحزب الضمانات التي يجب ان تتوافر في نهج العهد المقبل إذا ما تمّ انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية.

قوى الأمن

في مجال آخر، وعلى خطّ العسكريين المحرّرين، أكّد مصدر في قوى الأمن الداخلي لـ«الجمهورية» أنّ «الدركيّين المحرّرين سيلتحقون بمراكز خدمتهم فور انتهاء فترة الاستراحة المعطاة لهم والتي من المفترض أن تبلغ 15 يوماً، ولا صحّة للأخبار والشائعات التي تتحدّث عن أنّهم سيسرّحون من الخدمة»، لافتاً إلى أنّ «خضوعهم للتحقيق هو أمر طبيعيّ ويحصل بعد كلّ عملية خطف لأشخاص مدنيين وعسكريين».