بين اللقاءات الباريسية للرئيس سعد الحريري والموقف السعودي المتقدم من تأييد التسوية الرئاسية والزيارة الليلية لرئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجيه لبكركي فور عودة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من الخارج، اندفعت أمس ملامح حمى ترشيح فرنجيه ورفع مؤيّديها لوتيرة الجهود الضاغطة من أجل تزكية خياره الرئاسي ومحاولة تذليل العقبات التي تعترضه والتي لا يستهان بها الى ذروتها. وإذ أبرزت الحركة الاستثنائية للدفع نحو خيار فرنجيه بداية ظهور معالم رعاية خارجية واضحة لهذه التسوية عبرت عنها على نحو خاص التصريحات التي أدلى بها السفير السعودي علي عواض عسيري من بكفيا عقب لقائه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والوزير سجعان قزي، اكتسبت حركة الرئيس الحريري من خلال لقائه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وعقده مجموعة لقاءات مع شخصيات في قوى 14 آذار في باريس تقدماً واضحاً لعلّه الأول بهذا الزخم في حركة مؤيدي التسوية التي انبثقت من لقاء الحريري وفرنجيه قبل ثلاثة أسابيع وهو الأمر الذي من شأنه ان يركز الاهتمامات والأضواء أكثر فأكثر على المواقف "الصامتة" للأفرقاء الكبار الآخرين ولا سيما منهم الثلاثي المسيحي "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" وحزب الكتائب في الأيام المقبلة.
واسترعى الانتباه ان بعض المطلعين على ما يدور في كواليس عملية الدفع نحو خيار التسوية المطروحة تحدث عن مسعى متقدّم للغاية من أجل جعل موعد الجلسة المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية في 16 كانون الأول الجاري موعداً حاسماً لاستكمال فصول انتخاب فرنجيه قبل عيد الميلاد. ولكن على رغم هذه الحماوة التي اتسمت بها حركة تسويق خيار فرنجيه لم تبد الأوساط المتصلة بكل من التيار العوني و"القوات" أي مؤشرات توحي بأن ثمة إمكاناً لتمرير هذا الخيار سريعاً، بل اعتبرت ان مجمل المعطيات الجادة لا تسمح بأي توقعات سابقة لأوانها قبل جلاء الكثير من غموض التسوية المطروحة.
وعلمت "النهار" ان موضوع الضمانات التي تطلبها قوى منها حزب الكتائب قد يتضح مصيرها هذا الأسبوع. وقالت مصادر مواكبة للاتصالات ان ترشيح فرنجيه يتقدم خارجياً وداخلياً أكثر فأكثر في موازاة تقدم أكثر فأكثر أيضاً للمواقف الرافضة من القوى المسيحية التي تشمل "التيار الوطني الحر" و"القوات" والكتائب في مقابل صمت "حزب الله" الذي يؤكّد المطلعون على موقفه أنه لا يزال عند "موقفه الاستراتيجي" المؤيد للعماد ميشال عون.

الحريري
لكن الرئيس الحريري، على رغم إبدائه "أملاً كبيراً" في إنهاء الفراغ الرئاسي قريباً عقب لقائه الرئيس الفرنسي أمس، لم يتوغل في تفاصيل التسوية المطروحة ولم يتناول تسمية فرنجيه مرشحا للرئاسة، وأوضح أنه أبلغ الرئيس هولاند قيامه بجهود "مع جميع اللبنانيين من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي وان هناك حواراً قائماً بين الأفرقاء اللبنانيين وهناك أمل كبير في لبنان في هذا الموضوع وان شاء الله يكون الحل قريباً". أما عن ترشيح فرنجيه فلفت الى "حوارات جارية والأجواء ايجابية ونأمل في ان تظهر لنا الأيام المقبلة ان لبنان بالف خير".
وقالت مصادر متابعة لهذا اللقاء لمراسل "النهار" في باريس، ان الحديث بين هولاند والحريري لم يدخل في التسميات وان باريس كررت موقفها الدائم من أهمية الاسراع في ملء الفراغ الدستوري بانتخاب رئيس للجمهورية، معتبرة أن الظروف تسمح بذلك، ومبرزة أهمية التوافق بين اللاعبين اللبنانيين على هذا الموضوع.
والتقى الحريري في باريس أمس كلاً من الوزير بطرس حرب والنائب مروان حماده، ثم نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري. ولمّح حرب في موضوع ترشيح فرنجيه الى "ما يجب توافره من ضمانات لجميع اللبنانيين في إطار عدم تكريس انتصار فريق على آخر أو استئثار فريق سياسي بالحكم في لبنان".
ورأت جهات متابعة في بيروت ومؤيدة لخيار التسوية المطروحة ان لقاء الرئيس الفرنسي والرئيس الحريري أبرز "نقاطاً ايجابية" في شأن ترشيح فرنجيه. وتوقّعت ان يتوجّه رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الى الرياض في الأيام المقبلة وللقاء الحريري والبحث معه في التسوية المطروحة. وقالت انه بعد اتمام مخرج فرنجيه من طرف الحريري في شكل نهائي سيعلن ترشيحه رسمياً.
وفي المعلومات ان فرنجيه اتفق والعماد عون على هامش تقديم الأول التعازي للجنرال على عقد لقاء قريب لهما.

عسيري في بكفيا
وكان السفير عسيري أعلن من بكفيا موقفاً لافتاً أكد فيه ان المملكة العربية السعودية "باركت المبادرة الوطنية من كثير من القوى السياسية في البلد لاختيار شخص معين" من غير ان يغفل الاشارة الى "بعض القوى المعارضة أيضاً". وإذ نفى ان تكون المملكة سمت او ستسمي أي شخص، قال: "نعم المملكة باركت المبادرة برغبتها في ان يكون هناك دور للمسيحيين في هذا الاطار وهذا الاخراج"، مشجعاً تكراراً على حوار مسيحي – مسيحي. وسئل هل تبارك بلاده وصول صديق بشار الأسد الى سدة الرئاسة، فأجاب: "نحن نميّز بين الرئاسة والصداقات الشخصية وهذا سؤال يوجه الى سليمان بك".

فرنجيه والبطريرك
ومساء، زار فرنجيه بكركي بعيد عودة البطريرك الراعي من زيارته لالمانيا وسادت اللقاء أجواء "استبشار" بحل لأزمة الرئاسة عبّرت عنه دردشة بينهما سبقت اللقاء المغلق، إذ بادر الراعي فرنجيه بالقول: "أبهجت كل اللبنانيين وحركت الاستحقاق". ورد الأخير: "حرّكنا الملف الرئاسي لأن الرتابة تقتل". وكان الراعي صرح لدى وصوله: "ان مبادرة الرئيس الحريري لها قيمتها وهي مبادرة جدية والباب فتح حتى يستطيع كل الأفرقاء التحدث بمسؤولية عن الحل الأنسب".
أما فرنجيه، فصرح بعد لقائه البطريرك بانه اطلعه على الامور السريعة التي جرت "ووضعنا انفسنا في تصرفه". وأكد أنه اذا كانت ثمة هواجس لدى الفريق الآخر "فواجباتنا ان نعطيه تطمينات"، مشدداً على انه "لا يمكن أن يقبل بقانون للانتخابات ضد مصلحة المسيحيين". وبدا لافتاً قوله: "انا كرئيس للجمهورية سأعمل على قانون ينصف المسيحيين". وأوضح "ان هدفنا حل الامور بتوافق واجماع وطني واذا انتخبت أريد ان أكون محاطاً بجميع اللبنانيين وخصوصا بجميع المسيحيين".

بان كي - مون
ونقل مراسل "النهار" في نيويورك علي بردى عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون أمس حضّه الزعماء السياسيين اللبنانيين على انهاء الشغور الرئاسي من غير أن يعلق على اقتراح اسم النائب فرنجيه لمنصب رئيس الجمهورية.
ورداً على سؤال "النهار" عن التقارب المستجد بين زعامات سياسية لبنانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية واقتراح اسم فرنجيه لملء الشغور الرئاسي، قال بان كي - مون: "أولاً وقبل كل شيء، ينبغي لهم أن يتمكنوا من ملء هذا الفراغ السياسي حيث أنهم لم ينتخبوا رئيساًً". وأضاف أن "الرئاسة شاغرة منذ 18 شهراً، وأنا أخذت علماً بأن حواراً يجري في هذا الشأن... آمل صدقاً في أن يجري في أسرع وقت ممكن تطبيع الوضع السياسي، ومن ثم فإن الأمر الأول والأهم تشجيع المزيد من المصالحة".