يتحفّظ الرقيب جورج خوري، أو "يوسف" كما اطلق عليه عناصر "جبهة النصرة" طوال مدة الأسر، عن الكثير من التفاصيل المتعلقة بظروف أسره في جرود عرسال، لافتا الانتباه الى انه لن يدلي بالكثير من المعلومات "قبل التحقيق معه من قبل المؤسسة العسكرية التي تمكن وبفضل جهود الوسطاء من ارتداء بزتها مجددا بعد كل هذه المدّة". يسترجع خوري، وهو محاط بعائلته ورفاق الطفولة في بلدته القبيات، اللحظات الأولى للأسر، واصفا إياها "بالصعبة جدا"، حين تم اقتيادهم من مبنى المهنية الى المسجد برعاية مصطفى الحجيري ومن ثم الى الجرود معصوبي الأعين، "قيل لنا حينها اننا في جرود فليطة، وبقينا لفترة مكبلين لا نعرف أي شيء، نأكل ونشرب بحسب ما يتيسر لنا من مواد غذائية".
تبدو الغصة واضحة على وجه خوري عند سؤاله عن الشهيدين حمية وبزال، فيروي "كنا سويا عندما طلب عناصر الجبهة من الشهيدين الخروج للتكلم على الهاتف، فلم نشعر بالقلق لأن هذا الأمر كان يحصل بين الفترة والأخرى، ولكن بعد غيابهما عنا لأسابيع سألنا عن مصيرهما فكان الجواب أن القسم الاعلامي بحاجة لهما لتصوير مقاطع فيديو، وكانت الفاجعة بعودة البزال بعد 43 يوما وحيدا ليخبرنا أن حمية قد أعدم، وأنه كان في السجن الانفرادي طوال هذه المدّة". أضاف "كنت آخر من ودع البزال حين تم إستدعاؤه مجددا للتكلم على الهاتف، وكانت صحته الجسدية والنفسية سيئة بسبب ما عاناه خلال إعدام حمية أمامه وبسبب مرضه، فغمرني وطلب مني السماح وكأنه كان يعلم بأن الشهادة تنتظره واننا لن نراه مجددا". يلتفت خوري الى والدته التي تحرسه بنظراتها طوال الوقت، فتستغل الوالدة الموقف لتطلب منه عدم الادلاء بأي تصريح قد ينعكس عليه سلبا، يتفّهم الشاب موقف والدته من دون أن ينصاع لرغبتها. أما عن علاقتهم بـ "أبي مالك التلي" فيقول: "ربما كنا في عداد الأموات من اللحظات الأولى للأسر لولا أبو مالك، فهو كان يعاملنا بشكل جيد وبطريقة إنسانية بخلاف العناصر، ولكن لم نكن نراه باستمرار".
ويضيف: "أمضينا ثمانية أشهر داخل المغارة من دون ان نرى الشمس، ولم نصدق عندما تمّ إخبارنا منذ أسبوع بأن هناك مفاوضات تجري مع الدولة اللبنانية بهدف الافراج عنا، وأن 95 في المئة من الصفقة قد أنجز. حينها تغيّرت المعاملة وأخبرنا المسؤول الاعلامي أنهم ينتظرون انتهاء المعاملات القانونية للموقوفين لدى الدولة اللبنانية قبل ان يدخل أبو مالك نهار الثلاثاء ليخبرنا أننا سنتوجه عند الساعة العاشرة باتجاه اللواء الثامن، وعند رؤيتنا للواء عباس ابراهيم أدركنا أن الأمور جدّية وكاد قلبي يتوقف عن الخفقان". سنة وأربعة اشهر قد لا يستطيع الرقيب جورج خوري أن يروي مجرياتها في ساعات ولا في ايام، كما لن يستطيع ان يمحوها من ذاكرته، ولكن الأهم أنه سيكرّس وقتا إضافيا لعائلته ولابنه مايكل الذي يطالبه طوال الوقت بلعبة "البلاي ستيشن" التي وعده بها عندما كان في "السفر" بحسب ما أخبرته والدته، أما أندريو فسيحتفل بعامه الأول الى جانب والده على أمل أن يكبر في حضنه وكنفه.