"فرحةٌ لا توصف، لم نُصدق ما حدث معنا، وأنّنا أصبحنا محرَّرين إلّا بعد وصولنا برفقة الصليب الأحمر إلى داخل عرسال ورؤيتنا للجيش اللبناني"... هذا هو لسان حال جميع العسكريين المحرَّرين الذين يعيشون لحظات الصدمة حيناً، والذهول مما حصل معهم حيناً آخر، مؤكدين أنّ حياة جديدة كُتبت لهم.تعُمّ منازل العسكريين المحرَّرين الفرحة والبهجة، بعدما أقام الأهالي أعراسَ إستقبال لهم لحظة وصولهم على وقع إطلاق الرصاص ونثر الأرز ونحر الخراف، والتي كان للبقاع الحصة الأكبر منها.

ويَروي العسكريّون المحرَّرون ما حدَث معهم منذ يوم الأسر في 2 آب 2014 حتى تاريخ التحرير، وما بينهما من عذاب وقهر تعرّضوا له، حيث ظنَّ بعضهم أنّ مصيره سيكون كمصير زميليه الشهيدَين محمد حمية وعلي البزال.

إيهاب الأطرش إبن الـ34 عاماً والذي كان قد حدَّد موعد زواجه في 20 آب 2014، أيْ بعد المعركة وأسره بثمانية عشر يوماً، يروي ما حصل معهم منذ يوم المعركة: «كنّا في المركز حتى الساعة الثالثة بعد الظهر، وكنّا نرى العناصر من بعيد في شوارع عرسال، على أساس أنّ الدرك لا دخل لهم، بعدها أتى الشيخ مصطفى الحجيري وطلب منّا الذهاب معه حرصاً على سلامتنا.

إنتقلنا إلى منزله الذي يضمّ مستوصفاً وجامعاً، لكن أتى عناصر «جبهة النصرة» ليلاً وأخذونا لأنّ الجيش يقصف المخيمات قرب مكان وجودنا ويمكن أن نتأذّى على حدّ تعبيرهم».

يكمل الأطرش حديثه ولا يزال تحت تأثير الصدمة: «بعد عَصْب أعيننا وتكبيل أيادينا نُقلنا بواسطة سيارات رباعية الدفع إلى الجرود حيث توقّفنا في محطات عدة قبل أن نصل إلى مغارة مكثنا فيها قرابة الشهر معصوبي الأعين ومكبّلين، حيث حقّقوا معنا تحت ضغوط نفسية من دون التعرّض لنا جسديّاً. بعدها نقلونا إلى مغارة أخرى إثر سقوط صاروخ بالقرب منا، وبعد فترة وجيزة وحرصاً على سلامتنا طلبوا منا حفر كهف للمكوث فيه، وبعد الإنتهاء منه مكثنا هناك سبعة أشهر حتى خرجنا إلى الحياة».

وعن الضغوط النفسيّة التي تعرّضوا لها، يقول: «عند حدوث أيّ شيء في لبنان مع المساجين أو النازحين يُهدّدوننا، وهدّدوا في البداية الشهيدين محمد حمية وعلي البزال، وبعد 15 يوماً أخبرونا أنهم قتلوا حمية، وبعد شهرين أعادوه ليمكث معنا، وبعد شهر أخذوه وقتلوه بتهمة القتال في القُصير حسب ما قالوا لنا». ويضيف: «في البداية، كانوا يُطعموننا من الأكل الذي يأكلونه، ولكن عندما استقرّينا في المغارة أقاموا لنا مطبخاً صغيراً وحماماً، وكانوا يجلبون الحاجيات الأساسية من طعام وماء، وكنا نحن نطهو بأنفسنا.

أما بالنسبة الى الإتصالات فبدايةً لم تكن هناك أيّ وسيلة تواصل، وعند كلّ تحرّك للأهالي أو أيّ حدث آخر، كانوا يُحضرون هاتفاً نشاهد من خلاله ما يجري والإصدارات التي ينشرونها، بعدها أعطونا هواتف خلوية من دون خطوط دفعنا ثمنها من الأموال التي جلبها لنا أهالينا، وكان معظم الرفاق يحفظ عليها صور عائلاته وأولاده عند الزيارات».

ويلفت الأطرش إلى «أننا لم نسمع شيئاً من الأحاديث التي كانت تدور بين عناصر الجبهة، لأنّ عنصراً واحداً فقط مغطّى الوجه كان يأتي إلينا وينقل لنا ما نريد، وغير ذلك لم نكن نرى أو نسمع أحداً».

وعن اللحظات الأخيرة التي عاشوها قبل التحرير، يروي الأطرش أنّ «أبو مالك التلي جاء إليهم قبل أسبوع وأخبرهم بأنّ إطلاق سراحهم سيتمّ خلال أسبوع، ويوم السبت الماضي أتى مجدّداً وقال لنا إنّ المفاوضات قد فشلت وإنّ إطلاق سراحنا كان سيتم فجر السبت عند الثالثة والنصف صباحاً، يومها فقدنا الأمل وشعرنا أنّ أياماً طوالاً ستمرّ علينا في ذلك المكان الموحش، حتى أتى فجر الثلثاء وأخبرونا أنّ إطلاق سراحنا سيكون عند العاشرة صباحاً، لكننا لم نصدق حتى أصبحنا في الجانب اللبناني».

ويضيف باستغراب: «لم أعرف مَن صافحني في السراي بداية، كنتُ لا أزال تحت الصدمة ولم أصدّق ما يجري. وبين النوم على التراب وعلى سريري في منزلي، بدأتُ أتأقلم مع الوضع وأعي أنّ المرحلة الماضية التي دامت سنة وأربعة أشهر قد ذهبت إلى غير رجعة».

من جهتهم، توجّه أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» الى عرسال والتقوا رئيس البلدية علي الحجيري، الذي أوضح لـ«الجمهورية» أن «الزيارة أتت في إطار التشاور في ما يمكننا فعله من أجل إطلاق الجنود لدى «داعش»، كاشفاً أنه «تم الإتفاق على تشكيل وفد من البلدية والمشايخ للذهاب الى الجرود والتفاوض مع داعش».