مع الإعلان عن موعد جلسة انتخابات رئاسية جديدة في 16 من الجاري قبَيل دخول البلاد في مدار الأعياد، ظلّت «التسوية الرئاسية» تتنقّل بين باريس التي تشهد العاشرة والنصف قبل ظهر اليوم لقاءً بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس سعد الحريري الذي يلتقي أيضاً شخصيات من قوى 14 آذار، وبين الرياض التي يُرتقب أن يزورها رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وبين بيروت التي تَنقّلَ فيها السفير السعودي علي عواض عسيري بين عين التينة والسراي الحكومي. علماً أنّ هذه التسوية حلّت طبَقاً دسماً في «العشاء الرئاسي» الذي أقامه النائب وليد جنبلاط في كليمنصو للمرشح الرئاسي غير الرسمي رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، فيما غاب الحديث عنها خلال زيارة فرنجية لرئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في الرابية أمس، للتعزية بشقيقه. وفيما لاحظ الحاضرون في العزاء حصول «وشوَشة» لبعض الوقت بين الرَجلين، أشار فرنجية إلى»أنّهما لم يتحدّثا بالسياسة، لأنّ هذا واجب عزاء»، موضحاً أنّ ما من مشكلة في الأمر، وأنّهما سيتحدّثان لاحقاً بهذا الموضوع. أكّد مرجع كبير في اجتماع خاص أنّ التسوية المطروحة جدّية، وأنّ الاتصالات مستمرة في شأنها، ولا يجب ان نتسرّع في الكلام والاستنتاجات المسبَقة في هذا الصدد».

وأضاف: «هناك اتصالات على محورَين اساسيين: تيار «المستقبل» ـ «القوات اللبنانية» ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية».

وأشار المرجع الى انّ اجواء اللقاء الاخير بين فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «كانت جيّدة ولكن لم تؤدِّ الى نتائج فورية ملموسة، في اعتبار أنّ الاتصالات لم تُستكمل بعد وجاءت وفاة شقيق عون لتؤخّر هذه الاتصالات أياماً».

ورأى المرجع انّ «الموضوع يحتاج الى اتصالات اعمق على محور عون ـ فرنجية مباشرةً أو بالواسطة. ولفت الى انّ الجلسة الاخيرة من الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» ركّزت على التسوية التي طرحها الحريري مع فرنجية، وكان هناك تشديد على ضرورة تعزيز التفاوض ومتابعة الجهود على محوري «المستقبل»ـ «القوات»، وعون ـ فرنجية.

لقاءات باريس

وإلى ذلك، تشهد باريس أولى حلقات الاتصالات التي باشرَها الحريري مع مختلف مكوّنات قوى 14 آذار ويلتقي لهذه الغاية اليوم وزير الاتصالات بطرس حرب الذي سينقل اليه حصيلة المشاورات التي شاركَ فيها على مستوى قوى 14 آذار ولا سيّما منها ما دارَ في اللقاء الذي جمعَ الشخصيات المستقلة في هذه القوى والوفد الكتائبي الذي زاره أمس الأوّل في منزله.

وعلمت «الجمهورية» انّ حرب تمنّى على المسؤولين الكتائبيين تأخيرَ اللقاء الذي كان مقرراً ظهر امس الاوّل مع موفد رئيس الحزب مستشاره ميشال الخوري، الى المساء ريثما يوجّه الدعوة الى المستقلين للمشاركة فيه ومناقشة الطرح الكتائبي الذي جالَ به ممثّلو الحزب على الرابية ومعراب، ولكي يتسنّى لحرب تكوين فكرة واسعة عن مواقف المستقلين قبل لقائه الحريري اليوم.

وعُلِم انّ الحريري كلّف مستشاريه توسيعَ مروحة الاتصالات والتي ستشمل بكركي فور عودة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من الخارج وقبل اجتماع مجلس المطارنة الموارنة المقرّر غداً الجمعة لتقويم المرحلة الراهنة.

وذلك لتوفير الأجواء التي تسمح بإعطاء دفع جدّي لمبادرته بترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية قبل إعلان أيّ موقف يمكن ان يشكّل مرحلة حاسمة من المراحل المتوقعة في إطار مبادرته وللتعبير عن جدّيته المضيّ فيها الى النهاية.

عسيري

في غضون ذلك، جددت المملكة العربية السعودية تشجيعها أيّ توافق لبناني لانتخاب الرئيس العتيد. وكرر سفيرها علي عواض العسيري الذي جال أمس على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام للتهنئة بإطلاق العسكريين، التأكيدَ انّ الموضوع الرئاسي «شأن داخلي لبناني»، مشجّعاً ايّ توافق لبناني - لبناني ومشجّعاً على اللحمة بين اللبنانيين، وتمنّى «ان يكون هناك إنجاز لأنّ التطورات في المنطقة تتطلب ان يكون لبنان محصّناً».

المشنوق

من جهته، أكّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق «وجود تقدّم جدّي في البحث حول إمكانية الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، لكنّه لفت إلى أنّ «الأمور لا تزال بحاجة إلى مزيد من التشاور».

وقال المشنوق في حديث تلفزيوني: «يجب أن لا ننسى أنّ هناك قوى تمثيلية رئيسية في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية لم تقُل رأيها النهائي بعد، مثل «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» وربّما قوى أخرى لها شروط ومتطلبات».

وأضاف: «إنّ أزمةً عمرُها سنة ونصف سنة لن تنتهي خلال أيام أو أسابيع، والجزم والحسم يجب أن ينتظر معطيات لم تتحقّق بعد ويجب أن نعطي الأمور مزيداً من الوقت». وإذ لاحظ أنّ «جميع الأطراف مستعجلة»، رأى أنّ الامور «لن تتمّ خلال أيام أو أسبوعين، ربّما تحتاج إلى أسابيع، وهذا أمر عادي».

جنبلاط وفرنجية

وكان الحدث السياسي البارز أمس «العشاء الرئاسي» الذي أقامه جنبلاط لفرنجية في كليمنصو، يرافقه وزير الثقافة ريمون عريجي والوزير السابق يوسف سعادة وطوني سليمان فرنجية، في حضور وزيرَي الصحة وائل أبو فاعور والزراعة أكرم شهيّب، والنائبين غازي العريضي وعلاء الدين ترّو، وتيمور وليد جنبلاط.

وقال فرنجية بعد العشاء إنّ ترشيحه للرئاسة «حتى اليوم غير رسمي»، وأكد أنّ «كلّ ما قاله رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري هو جدّي لكنْ غير رسمي»، وأضاف: «8 آذار لن تذهب إلى الانتخابات إلا موحّدة، ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون أخ وصديق، ونحن في فريق واحد ومشوارُنا واحد».

وأوضَح انّ زيارته لجنبلاط هي للقول «إنّه أوّل من طرح إسمي في لبنان، ومهما كانت النتيجة من التسوية فأنا وجنبلاط في طريق واحدة»، مضيفاً «إنّني لا أريد أن أحرق المراحل، وكلّ شيء سيأتي في وقته، والوفاق الوطني أهمّ من كل شيء».

ورأى فرنجية أنّ «الجو الدولي والسعودي هو مناخ يدعو الى إتمام الاستحقاق الرئاسي»، موضحاً «إنني مع أيّ طرح آخر، لكنّ العرقلة فقط للعرقلة نرفضها، فإذا ضاعت هذه الفرصة فسنصبح في مكان خطِر جداً»، مضيفاً: «المسيحيون إنْ كان لهم عذرٌ مسيحي لرفضي فأنا سأمشي معهم لكنْ لن أقبل رفضي لمجرّد الرفض».

وقال: «إنّني لا أقوم بتسوية على حساب شيء لا أملك القدرة عليه، وبالتالي أنا لم أساوم على القانون الانتخابي»، وأضاف: «إنّني لست مع قانون انتخابي يلغي طائفة معينة»، مؤكّداً «أنّ في ثوابتنا علينا الوصول إلى منتصف الطريق ووضع لبنان أمامنا وحلّ المشكلة الحقيقية».

جنبلاط

بدوره، قال جنبلاط: «لأننا لم نستطع على مدى سنة ونصف ان نتوصّل الى رئيس توافقي، أتَت فرصة رئيس تسوية المتمثّل بفرنجية». وأضاف: «سأساعد على طريقتي في تذليل العقبات ضمن الإمكانات، وأيّاً كانت النتائج فالعلاقة بيننا مستمرّة للتاريخ».

وكان جنبلاط أكد في مقابلة مع «أورو نيوز» أنّه كان من السبّاقين الذين سمّوا فرنجية مرشّحاً للرئاسة. وقال: «ولِمَ لا؟ على مدى سَنة ونصف السنة ونحن ندور على أنفسنا ونَعقد جلسات فارغة في المجلس النيابي، جلسات لا معنى لها. فلِمَ لا؟

في النهاية، لبنان مقسّم سياسياً بين مناصرين للنظام السوري وإيران إلى حدّ ما، هناك ما يطلَق عليهم اسم السياديين، هؤلاء السياديون لا يعتمدون على أنفسهم فوراءهم دوَل مثل أميركا والسعودية، إلخ».

ورفضَ جنبلاط المشاركة في نظرية أنّ النظام السوري اختارَ فرنجية، لافتاً الى أنّه يتحمّل مسؤولية ما يقول. وقال: «أعتقد أنّ بشّار الأسد لديه هَمّ أكبر منّا، ثمّ ماذا سيكسب بشّار في لبنان؟ لديه حزب الله وورّطَه في القتال في سوريا، فماذا يستطيع أن يكسب؟ لا شيء.

وكما قلت لك، الصراع ما يزال في بدايته. لنعمل صفقة. في النهاية السياسة تسوية». وقبَيل العشاء جال موفدون جنبلاطيون على بعض المرجعيات السياسية تحضيراً له. فزار ابو فاعور برّي للتشاور في سُبل مقاربة مبادرة الحريري. وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» إنّ جنبلاط والحريري تشاورا هاتفياً في جديد المواقف قبَيل عشاء كليمنصو.

بدوره، أكد ابو فاعور «أنّ التسوية المطروحة اليوم هي تسوية افضل الممكن وأفضل المتاح، وإذا كانت لا ترضي كلّ الاطراف فهي بالحد الادنى ربّما تخلق ميزاناً جديداً في البلاد من التمثيل السياسي العادل لكلّ القوى السياسية، وربما تكرّس التوازن السياسي المطلوب لتسير عجَلة الدولة». وشدّد على «أنّ ايّ تسوية يجب ان تستقطب تنازلات معيّنة من الجميع، ونحن من هذه الاطراف.

أمّا التصرّف بمنطق «أنا ومن بعدي الطوفان» فأعتقد أنّه بات يقود البلاد الى منزلقات خطيرة جداً». ولفتَ الى انّ جنبلاط «يخشى من الدخول في المجهول إذا لم تسِر هذه التسوية». وحضّ الجميع إلى الإقبال على التسوية المقترحة.

موقف «القوات»

وشرحَ نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان موقف «القوات» من التسوية المطروحة فأكّد انّها «ترفض أيّ تسوية تتعلق بأشخاص»، وقال: «إنّ البحث في رئاسة الجمهورية ينطلق من المشروع الذي على أساسه ترَشّح رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع، ونحن لا نقَيّم الأشخاص بل مشروعهم وموقفَهم من القضايا».

وأضاف: «عندما نريد ان نحارب في سوريا فهذا يعني انّنا خارج القانون، ولا تنتظروا من «القوات» ان تدخل في أيّ تسوية تكون بعيدة عن الدستور والقانون».

وأكّد أنّ «14 آذار مشروع متكامل وليس ملك أحد، وليس ملك «القوات» اللبنانية، بل هو ملك الناس الذين استشهدوا لكي يبقى هذا المشروع، وإذا انهار ستسقط الدولة اللبنانية بين أيدي الذين لا يريدون الدولة اللبنانية. لذلك نحن نتمسّك بهذا المشروع».

قهوجي

على صعيد آخر، أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي «العمل بكلّ السبل المتاحة لتحرير بقيّة العسكريين المخطوفين وعودتهم إلى كنف عائلاتهم ومؤسستهم»، مشدّداً على أنّ «الجيش لم ولن يساوم على أيّ إرهابي ثبتَ ضلوعه في قتل العسكريين».

وشدّد قهوجي، خلال تفقّده قاعدتَي بيروت والقليعات الجوّيتين على أنّ «الظروف التي رافقت ما جرى بالأمس، لن تؤثر إطلاقاً على قرار الجيش الحازم في مواصلة التصدّي للتنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية، وصولاً الى التحرير الكامل لهذه المنطقة وعودتها الى السيادة اللبنانية»، وأكّد «جهوزية المؤسسة العسكرية للحفاظ على مسيرة السِلم الأهلي وحماية المؤسسات، ومواكبة مختلف الاستحقاقات الدستورية والوطنية».