أما وإن شروط التسوية الرئاسية لم تنضج بعد، فإن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، أمس، مرت مرور الكرام كسابقاتها، لكن الأنظار تبدو موجهة منذ الآن الى الجلسة المقبلة التي حدد الرئيس نبيه بري موعدها في 16 كانون الاول الجاري.
ومن المؤكد أن الفترة الفاصلة عن هذا التاريخ ستكون حافلة بالاتصالات والمفاوضات سعياً الى تحرير قصر بعبدا من أسر الشغور، وتمهيد الطريق أمام انتخاب النائب سليمان فرنجية، على قاعدة محاولة «إقناع حلفائه في 8 آذار وطمأنة خصومه في 14 آذار»، وهي المعادلة التي أطلقها رئيس «تيار المردة»، نفسه قبيل تناوله طعام العشاء أمس الى مائدة «المبشر» الاول بترشيحه، النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، مؤكدا ان الخيار هو بين التقاط الفرصة الحالية، أو الذهاب الى وضع أسوأ من السائد حاليا.
وإذا كان لا يمكن تحميل تعزية فرنجية للعماد ميشال عون بوفاة شقيقه الأصغر حمولة سياسية زائدة، إلا أن هذا الواجب الاجتماعي كسر على الأرجح جليد علاقتهما، الذي ازداد سماكة بعد لقاء باريس بين فرنجية والرئيس سعد الحريري، الأمر الذي قد يمهد لجلسة مصارحة سياسية بين «الجنرال» ورئيس «المردة» قريبا.
وفيما يلتقي الرئيس سعد الحريري اليوم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في باريس، يُنتظر أن تعطي عودة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى لبنان زخماً للمشاورات على الساحة المسيحية برعاية بكركي، وسط معلومات تفيد بأن الراعي سيلتقي الأقطاب الأربعة، كلٌ وحده، سعياً الى تأمين بيئة مسيحية حاضنة للاستحقاق الرئاسي.
وبينما أكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق «وجود تقدم جدي في البحث حول إمكانية الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، أبلغ مصدر بارز في صفوف مسيحيي «14 آذار» «السفير» أن الطريقة المتبعة في ترشيح اسم فرنجية ولّدت جواً من عدم الارتياح في الشارع المسيحي عموما، والماروني خصوصا، بعدما ظهر أن الأقطاب المسلمين يشكلون رافعة هذا الترشيح.
ولفت المصدر الانتباه الى ان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أسقط معادلة اختيار الرئيس من بين الأقوياء الاربعة، عندما أعلن في مطلع حزيران الماضي عن استعداده لسحب ترشيحه والبحث في انتخاب رئيس توافقي، وبالتالي فإن حصرية الاربعة لم تعد سارية المفعول منذ ذلك الحين، ولا يمكن الاستمرار في الاستناد اليها لتبرير طرح اسم.
لكن المطران سمير مظلوم أكد لـ «السفير» ان الأقطاب الاربعة كانوا قد اتفقوا خلال اجتماعات تمت برعاية البطريرك الراعي وحضوره على أنهم مرشحون جميعاً الى رئاسة الجمهورية، «والذي يستطيع من بينهم أن يجمع حوله الأكثرية النيابية المطلوبة يدعمه الآخرون ويؤيدون ترشيحه».
وأشار الى ان النائب فرنجـية هـو أحد هـؤلاء الأقـطاب، وبالـتالي فإن الاتفـاق هو قيد الاختـبار حاليا، آملا أن تؤدي اللـقاءات والحوارات الى نتيـجـة إيجابيـة، «لان الأولويـة بالنسـبة الى الكنيـسة هي الإسـراع في انتخـاب رئـيس الجمهورية بعد عام ونصف عام تقريبا من الشغور الذي ترك تداعيات سلبية على المؤسسات الدستورية المعطلة والمشلولة».
وفيما أكد مظلوم ان بكركي ليس لديها مرشح محدد، ولا تضع في الوقت ذاته «فيتو» على أحد، اعتبر ان فرنجية هو بالنسبة الى بكركي رجل قريب من الكنيسة، «ولديه من الصفات والتاريخ ما يؤهله لتولي الرئاسة، من دون ان نكون في موضع مقارنته مع أحد، ذلك ان الاقطاب الاربعة يتحلّون بالصفات التي تجعلهم مرشحين، ومن يستطيع أن يحظى بالأفضلية، فنحن نؤيده».
والى حين تحسن الرؤية وانقشاع الضباب السياسي، علمت «السفير» ان جعجع الصامت حتى الآن، يستعد لكسر صمته في الأيام المقبلة، حيث يُتوقع ان يقول «كلاماً كبيراً»، وفق ترجيحات العارفين.
ما بعد تحرير العسكريين
وغداة إطلاق سراح العسكريين الذين كانوا مختطفين لدى «جبهة النصرة»، استهدف الجيش اللبناني أمس العديد من آليات المسلحين في الجرود وأوقع فيهم إصابات مباشرة، فيما أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لـ «السفير» ان «الوقت الآن هو للصمت، لكن ليس الراحة، ونحن سنستكمل عملنا في ملف العسكريين لدى «داعش»». وأضاف: حتى الآن لا خطوط تواصل بيننا وبينه يمكن الاعتماد عليها، لكننا سنبحث عن قنوات تفاوض مفيدة، لعلنا نصل الى النتيجة المرجوة في أقرب وقت ممكن.
وحول مصير العسكريين المحررين، قال: هناك قوانين وإجراءات ترعى حالات الخطف والأسر للعسكريين ويفترض ان تطبقها الأسلاك العسكرية والامنية المعنية، وفق تقديرها للأمور.
وأكد قائد الجيش العماد جان قهوجي بعد تفقده قاعدتي بيروت والقليعات الجويتين، العمل بكل السبل المتاحة لتحرير باقي العسكريين المخطوفين وعودتهم الى كنف عائلاتهم ومؤسستهم.
وشدد على أن الجيش لم ولن يساوم على أي إرهابي ثبت ضلوعه في قتل العسكريين، لافتاً الانتباه الى أن الظروف التي رافقت ما جرى أمس (أمس الاول)، لن تؤثر إطلاقاً على قرار الجيش الحازم في مواصلة التصدي للتنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية، وصولاً الى التحرير الكامل لهذه المنطقة وعودتها الى السيادة اللبنانية.
وأشار الى «جهوزية المؤسسة العسكرية للحفاظ على مسيرة السلم الأهلي وحماية المؤسسات، ومواكبة مختلف الاستحقاقات الدستورية والوطنية».