عرسٌ لبنانيٌ مكلّلٌ بزغاريد الصبر والصمود والعزة والإباء، عاشه الوطن بالأمس من أقصاه إلى أقصاه وشعر معه أبناؤه بفخر الانتماء إلى الدولة والاحتماء بها.. الدولة التي أثبتت بجيشها وشعبها ومؤسساتها أنها قادرة متى عزمت وتوكلت أن تشكّل البيئة القوية الحاضنة لجميع مواطنيها، مدنيين وعسكريين، لا ملاذ إلا إليها ولا اعتماد إلا عليها. هكذا بدت الدولة اللبنانية أمس بصلابتها وحكمتها وقدرتها على تحرير عسكرييها الأسرى لدى «النصرة»، فأطلقت العنان لفرحة لبنانية عارمة غمرت القلوب وأثلجت الصدور إلا من غصة وطنية لازمت الأهالي ونغّصت على عموم المواطنين بانتظار اكتمال الفرحة والفرج بالإفراج عن الأسرى التسعة المخطوفين لدى «داعش» وعودتهم سالمين إلى رحاب الحرية وتراب الوطن.

من جرود عرسال حيث انطلقت مواكب التحرير والحرية، بدأ النهار اللبناني المشوّق والمشرّف عند نقطة التبادل المحددة في وادي حميد لإنجاز عملية تحرير 16 عسكرياً بموجب الصفقة المعقودة برعاية قطرية ومواكبة رسمية مباشرة عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، بعدما كان الجندي الشهيد محمد حمية قد جّسد بتسلّم جثمانه إشارة الإيذان رسمياً وعملياً بإتمام الصفقة بين الدولة والخاطفين. ومن الحدود إلى مقر قيادة اللواء الثامن في الجيش في بلدة اللبوة كان اللقاء الشعبي الأول معبّداً بالزغاريد والورود والأرز في الطريق إلى بيروت حيث طغت دموع الفرح وعُقدت ساحات الرقص والاحتفال في ساحة رياض الصلح وصولاً إلى السرايا الحكومية التي شرّعت أبوابها أمام أهالي الأسرى مستقبلةً وإياهم الأبطال المحرّرين استقبالاً وطنياً رسمياً دخلوه على الأكتاف وشارات النصر مرفوعة على الأكفّ.

سلام

ووسط أجواء عاطفية طاغية على مختلف جوانب المشهد، ألقى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام كلمةً أمام العسكريين وأهاليهم في حضور أعضاء خلية الأزمة الوزارية وسفير قطر علي بن حمد المري، بالإضافة إلى قائد الجيش العماد جان قهوجي، واللواء عباس ابراهيم، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، والمدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، أشاد فيها بالإنجاز الوطني واستذكر الشهداء، مع تشديده في الوقت عينه على أنّ الدولة أمامها «إنجاز كبير ما زال يشكل تحدياً للجميع» وهو المتمثل في العمل على تحرير العسكريين الذين لا يزالون في الأسر.

وإذ توجّه إلى العسكريين واللبنانيين عموماً بالقول: «ثقوا بدولتكم ثقوا بحكومتكم، ليس لنا ولكم إلا هذا اللبنان فلنشتد جميعاً من حوله ولتتضافر جهودنا جميعاً لأنه بحاجة إلى كل أبنائه من عسكريين ومن كافة الفئات»، نوّه رئيس الحكومة بالجهود التي بذلتها خلية الأزمة والأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية، متوجهاً بالشكر والتقدير إلى دولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي عاد فتلقى مساءً اتصالاً هاتفياً من سلام أعرب له فيه عن ثقته بكون «الفرحة التي تعم لبنان تصب في تمتين العلاقة الأخوية بين الشعبين اللبناني والقطري».

إبراهيم

أما ابراهيم، الذي خصّه رئيس الحكومة بالشكر والثناء على الدور الذي قام به مع مديرية الأمن العام التي تمكنت «بصبر وأناة وبراعة من إدارة الملف»، فتوجّه إلى العسكريين المحررين بكلمة نوّه فيها بإرادتهم وصمودهم بين أيدي خاطفيهم، مؤكداً في الوقت عينه أنّ الدولة لم توفّر أي جهد في سبيل استعادتهم وهي تتمسك بكرامتها وصلابة موقفها التفاوضي، وأضاف: كانت شروط التفاوض شاقة وطويلة، ولم نكن نريد لها أن تطول إلى هذا الحد، ولكن سقف الكرامة الوطنية والتمسك بثوابت دولة القانون وعدم التخلي عن السيادة أفضت إلى تكريس حقوقنا واستعادة عسكريينا، هذا المسار سلكناه منذ محنة مخطوفي أعزاز مروراً بملف راهبات دير سيدة معلولا وحتى الآن، وفي المرات الثلاث خرج لبنان منتصراً بهيبة دولته وبصون مؤسساته وبثبات مؤسساته وعزة شعبه.

وبعدما شكر بدوره سلام وأعضاء خلية الأزمة، بالإضافة إلى توجيهه الشكر إلى «الرئيس سعد الحريري الذي كان سنداً لنا في كل مراحل التفاوض وأكد أينما حل على أن هذا الملف وطني وليس مذهبياً على الإطلاق« وأردف شاكراً أيضاً الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ختم المدير العام للأمن العام بتهنئة العسكريين المحررين «على أمل بفرحة مماثلة في استعادة عسكريينا لدى «داعش»: المعاون ابراهيم مغيط، العريف علي المصري، العريف مصطفى وهبة، الجندي أول سيف ذبيان، الجندي علي الحاج حسن، الجندي عبد الرحيم دياب، الجندي محمد يوسف، الجندي خالد حسن وجثة الشهيد العريف عباس مدلج».

العسكريون المحررون

من الجيش: الرقيب جورج الخوري، الجندي أول ناهي عاطف بوقلفوني والجندي ريان سلام.

من قوى الأمن الداخلي: المعاون بيار جعجع، الرقيب أول ايهاب الأطرش، العريف سليمان الديراني، العريف ميمون جابر، العريف أحمد عباس، العريف وائل حمص، العريف زياد عمر، العريف محمد طالب، الدركي لامع مزاحم، الدركي عباس مشيك، الدركي ماهر فياض، الدركي جورج خزاقة والدركي رواد بودرهمين.