كل الخبراء العسكريين وكل من يتعاطى الشأن السياسي يؤكدون على أن الضربات الجوية غير كافية للقضاء على تنظيم داعش. والجميع يعرفون أنه لا يمكن سحق هذا التنظيم المتوحش من دون وجود قوات برية على الأرض. وبالتالي لا بد من اتخاذ قرار دولي يؤدي إلى إنشاء تحالف جدي يتولى هذه المهمة التي تبدو صعبة ولكنها ليست مستحيلة لما يترتب عليها من تكاليف ستتحملها الدول المهتمة فعلا باقتلاع هذا التنظيم الإرهابي من جذوره.
وجدير بالإشارة إلى أن الوقت يعمل لصالح داعش وليس في مصلحة مهمة القضاء على هذا التنظيم. فكلما مر الوقت زادت صعوبة هذه المهمة لسبب بسيط وهو أن القصف الجوي يترتب عليه تكاليف مالية باهظة ولكنه لا يؤدي سوى إلى اضرار محدودة في صفوف الجماعات الإرهابية التابعة لداعش. وفي هذا السياق فلا مجال للقضاء على داعش من دون مقاربة شاملة للواقع السياسي السوري.
وفي تفاصيل هذه المقاربة تأتي مسألة إيجاد مخرج للرئيس السوري بشار الأسد كأولوية للتخفيف من معاناة الشعب السوري. إذ انه لا مجال لأي علاج جذري لاقتلاع إرهاب داعش لا يشمل التخلص من النظام السوري والعمل في ذات الوقت على وقف ارتكابات الحشد الشعبي وتجاوزاته في العراق. فهذه الميليشيات المذهبية تتصرف مع السنة العرب كأنها الدولة العراقية وهي التي ساهمت بشكل أو بأخر بخلق حاضنة عراقية لداعش إلى جانب الحاضنة السورية.
على ان اللافت هو الموقف الأميركي الغامض والمائع حيال كل ما يجري وكل ما يدور في سوريا. وهذا يطرح تساؤلا هل أن الإدارة الأميركية مهتمة فعلا بالقضاء على داعش وهل هناك استعداد أميركي للمشاركة فعليا لاقتلاع هذا الخطر من جذوره؟ ام أن الأمر سيترك للاوروبيين والروس العاجزين وحدهم عن تنفيذ عملية عسكرية واسعة تفضي إلى اجتثاث داعش؟ حتى اللحظة لا يبدو أن هناك جوابا أميركيا واضحا وحاسما على هذا التساؤل.
وبانتظار هذا الجواب وحتى إشعار آخر فإنه لا وجود سوى لسياسة وحيدة واضحة تجاه سوريا وهذه السياسة هي التي تنتهجها إيران وروسيا. وتقوم هذه السياسة على تقاسم سوريا في غياب القدرة على الإبقاء على النظام القائم. ففي نهاية المطاف فإن إيران مهتمة بجزء من سوريا يشكل ممرا إلى مناطق لبنانية يسيطر عليها حزب الله. وروسيا مهتمة بأن لا تصل أنابيب الغاز الآتي من الخليج إلى الشاطيء السوري. وعليه فإن موسكو وطهران قادرتين في الوقت الحاضر على إيجاد قواسم مشتركة بينهما في شأن كل ما له علاقة بسوريا رغم احتمال بروز تناقضات بينهما على المدى البعيد. لا شك أن الغموض في الموقف الأميركي هو الذي يسبب الارباك في الموقف الدولي والإقليمي تجاه داعش وهو الذي يطيل عمر هذا التنظيم الإرهابي ويقطع الطريق على أي حل سياسي للأزمة السورية قد يضع حدا لتفتيت سوريا وضرب المجتمع السوري.