اذا كانت النهاية السعيدة لملف العسكريين المخطوفين الـ16 لدى "جبهة النصرة" اقتضت "ليلة انتظار بيضاء" اضافية امضتها عائلاتهم في مخيم ساحة رياض الصلح ومعهم اللبنانيون الذين تسقطوا طويلا الهبات الباردة والساخنة في عملية المفاوضات المعقدة والشاقة، فإن احداً لا يمكنه التكهن بأي نتائج محسومة لمسار التسوية الرئاسية التي يحاصرها مزيد من الاجواء الضبابية والتعقيد التي لا تسمح بأي بلورة وشيكة للاتجاهات التي سيسلكها هذا المسار.
ولعل الدلالة الاكثر تعبيراً عن وقوف مشروع التسوية الرئاسية عند مفترق صعب تمثلت في البيان الصادر عن جلسة الحوار الـ 21 بين "حزب الله " و"تيار المستقبل" مساء أمس في عين التينة، والتي تناولت هذا التطور من غير ان تحدد موقفاً واضحاً منه، لكن الفريقين اكدا "الاستمرار في الحوارات القائمة" توصلا الى "التفاهمات الوطنية". وجاء في البيان انه "جرى البحث في التطورات السياسية وما يتعلق بالاستحقاقات الدستورية تحديداً، وتم تأكيد الاستمرار في الحوارات القائمة للاسراع في الوصول الى التفاهمات الوطنية".
وفي حين رسم البيان الذي اصدره المكتب الاعلامي لرئيس "تيار المردة" سليمان فرنجيه عن لقائه الاحد رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل ظلال شكوك حول اتساع شقة الخلاف بين الفريقين في شأن ترشيح فرنجيه، برزت طلائع الموقف المتحفظ لرئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون عبر حديث مسجل ادلى به الى قناة "روسيا اليوم" واعتبر فيه ان "رئاسة الحكومة لـ 14 آذار ورئاسة الجمهورية لـ 8 آذار هو حل منصف شرط ان يقوم كل فريق باختيار رئيسه"، ثم تساءل: "لماذا سعد الحريري هو من سيختار سليمان فرنجيه؟". واشار الى ان موقفه من ترشيح فرنجيه، "اما سيعقد الوضع وإما يحلحله".
وقالت مصادر مواكبة للاتصالات في شأن الانتخابات الرئاسية لـ"النهار" إن العماد عون أبلغ "حزب الله" رفضه خيار انتخاب النائب فرنجية رئيسا، كما ابلغ رئيس حزب "القوات اللبنانية "سمير جعجع موقفاً مماثلا برفض انتخاب فرنجيه للرئيس الحريري والقيادة السعودية. أما بالنسبة الى موقف حزب الكتائب، فقد تركز على ضرورة الحصول على ضمانات مسيحية ووطنية مكفولة داخليا وخارجيا، وهو ما لم يتحقق حتى الان، علما ان النائب فرنجيه يريد أن يكون رئيساً لكل لبنان لكنه لا يزال ملتزماً الخط الاستراتيجي الذي يسير عليه قبل طرح موضوع ترشحه للرئاسة. وفي هذا الاطار طرحت الكتائب إلتزام أي مرشح حياد لبنان عن الصراعات الاقليمية واتخاذ موقف من مشاركة "حزب الله" في الحرب السورية وتمسك لبنان بالقرارات الدولية ولا سيما منها القرار 1701 ودعم المحكمة الدولية والتزام أحكام الدستور لجهة وحدانية سلطة الدولة على أراضيها وصوغ قانون للانتخابات النيابية يكون عادلا لكل الفئات.
ولفتت المصادر الى ان ترشيح النائب فرنجيه لا يزال مستمراً لكن العقبات التي تعترض هذا الترشيح ذات شأن. وأوضحت ان الاتصالات بالمراجع الديبلوماسية الغربية أظهرت تبنياً لضرورة تقديم قوى 8 آذار تنازلا لقوى 14 آذار على المستوى السياسي وخارج موضوع رئاسة الحكومة التي يقرر أمرها مجلس النواب.
واذ أعلن الغاء اجتماع "تكتل التغيير والاصلاح" اليوم بسبب وفاة الشقيق الاصغر لرئيس التكتل روبير عون، توقعت مصادر سياسية ان تشهد الرابية حشداً سياسياً وشعبياً واسعاً في الايام الثلاثة المقبلة المحددة لتقديم التعازي الى العماد عون.
وكان المكتب الاعلامي للنائب فرنجيه وصف لقاءه الوزير باسيل في البترون بأنه كان "ودياً وصريحاً ومن غير اي التزامات" وقال ان فرنجيه اكد استمراره في دعم ترشيح العماد عون "ومنح الموضوع مزيدا من الوقت اذا كان هناك من نية فعلية للتوافق حول العماد عون، اما اذا استمر الترشيح فقط لتعطيل ترشيح فرنجيه فهذا موضوع آخر" .
ولعل ما تجدر الاشارة اليه في هذا السياق ان مستشار مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية علي اكبر ولايتي الذي زار ونائب وزير الخارجية الايراني عبد الأمير عبد اللهيان والسفير الايراني محمد فتحعلي رئيس الوزراء تمّام سلام مساء أمس أعلن موقفا ايجابيا من التسوية الرئاسية، لكنه شدد على الطابع التوافقي للانتخابات الرئاسية، وقال: "من خلال مباحثاتنا مع دولته استخلصنا أن الآمال في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قد ازدادت وتبشر بالخير. ونأمل في أن نشهد في القريب العاجل اختيار وانتخاب رئيس للجمهورية يكون موضع قبول وموافقة جميع الاطراف اللبنانيين وكل الشعب اللبناني الشريف".
ليلة "أخيرة"
في غضون ذلك تواصلت فصول حبس الانفاس حيال عملية تحرير العسكريين الـ16 المخطوفين لدى "جبهة النصرة " في عملية تبادل، اذ كان مفترضاً ان تبلغ نهايتها السعيدة ليل أمس، لكنها تأخرت لعوامل متصلة بالمفاوضات الجارية عبر الوسيط القطري، كما بدا واضحاً ان سوء الاحوال الجوية والطقس الماطر أثرا على موعد انجاز العملية حتى ساعة متقدمة من الليل .
ومنذ صباح أمس بدت الإشارات الإيجابية لناحية تحرير العسكريين المخطوفين لدى "النصرة"، وسجلت ايجابيات وإشارات مغايرة تختلف عن عملية اول من أمس التي تعثرت. فبعدما وضعت "النصرة" شروطاً تعجيزية اول من أمس أدت الى وقف عملية التبادل، عادت الامور الى نصابها بفضل ثبات الجانب اللبناني عبر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم وعدم الانجرار الى هذه المطالب. وكان الموفد القطري ابلغ اللواء ابرهيم صباح أمس ان "النصرة" تنازلت عن بعض المطالب وتريد إتمام العملية، فأبدى ابرهيم مرونة مع بعض المطالب التي تصب كلها تحت الثوابت اللبنانية، فعادت شاحنات المساعدات والمواكب الأمنية الى جرود عرسال منذ صباح أمس. فعاودت غرفة العمليات اللبنانية - القطرية عملها وكذلك الخلايا الأمنية في إشراف اللواء ابرهيم الذي تفقد كل الأماكن في جرود عرسال التي ستتم عبرها عملية التبادل، ووضع اللمسات الاخيرة في انتظار الساعة الصفر للتنفيذ.