من أهم أدوار العقل الديني الاسلامي المفترضة , أو الدور الذي ينبغي أن يلعبه العقل الديني الاسلامي , هو العمل من أجل تأسيس وتشكيل خطاب ديني تربوي يهدف الى الحفاظ على سلامة ونظافة الفطرة الانسانية , التي خُلق الانسان عليها , لان سلامة الفطرة تساعد الانسان على تلقي الملكة النفسانية الحميدة التي تجعله يتحلى تلقائيا بمجموعة من القيم الاخلاقية والدينية والاجتماعية والى ما هنالك من صفات جمالية وكمالية عند الانسان , وهذه هي المعايير التي يفترض ان يوّصف من خلالها الانسان على أنه متديّن او ليس متديّنا , فينبغي التركيز على تفعيل النزعة الانسانية في الثقافة والفكر والسلوك , التي ركّز عليها الامام علي عليه في مقولته الشهيرة التي جعلها معيارا للعلاقات الانسانية والدينية في المجتمع , حيث قال : " الناس صنفان اما أخ لك في الدين , واما نظير لك في الخلق".
عندما تسمع وتدقق في الخطاب السياسي والديني لبعض الجهات في لبنان , وتلحظ التناقض في المواقف والتوصيفات لبعض القضايا الانسانية , تدرك مدى الهوة التي وقع فيها الخطاب المشار اليه ببعده عن مفهوم انسانية الانسان , وأبرز هذا التناقض يتجلى برفض واستنكار قتل الاطفال والابرياء في مكان دون مكان آخر (على سبيل المثال وليس الحصر, لا يجوز قتل الاطفال والابرياء في فلسطين والبحرين وغيرهما بينما لا نسمع الاستنكار والتحريم لقتل الاطفال والابرياء في سوريا بغض النظر من هو الطرف الذي يقتل , هنا نؤكد اننا نرفض القتل والتعذيب واي نوع من انواع القهر للإنسان في كل زمان وكل مكان ) المفترض بالعقل الاسلامي ان يركز على تشكيل خطاب اسلامي ديني انساني يكون فيه النزعة الانسانية بارزة وحاكمة , هذا الخطاب ينبغي ان يستنكر ويحرّم هذا النوع من القتل اينما كان ومن أي جهة صدر , فما يحصل عند البعض ان دلّ على شيئ فانه يدل على ان العقل الاسلامي عند بعض الجهات الاسلامية في لبنان ليس في أزمة فحسب بل هو في أزمة بنيوية خطيرة , ويكمن خطر هذه الازمة في انها تشوّه الحّس الانساني لدى أتباع الخطاب المذكور والمتأثرين به , حيث اننا نسمع في حواراتنا اليومية مع البعض كلاما ليس له علاقة البتة بالثقافة الانسانية التي تفرض على الانسان ان يحب لأخيه الانسان كما يحب لنفسه , ومن أهم أسباب التأزم هذا هو سيطرة وهيمنة الخطاب السياسي على العقل الديني مما جعلاه يتخبط في ما هو فيه , وبالتالي لا ندري من يصنع الاخر , الخطاب يصنع عقلا , او العقل يصنع خطابا.
يقول السيد أحمد الخميني :" اني اعتقد ان الذي جعل من الامام الخميني إماما وأدّى الى تنامي نهضته الاسلامية التاريخية , هو جهاد سماحته المتواصل ضد المتحجرين والمتظاهرين بالقداسة والمتخلفين ." هذا الامام الذي ما انفك يندد بأعلى صوته بمن سماهم علماء ( الحيض والنفاس ) , المتطربشين بالقدسية , الافاعي الرقطاء , الاغبياء , المتخلفين , الذين قصموا ظهر النبي(ص) والذين فيهم مرتزقة وعملاء وفيهم من هو أسوأ من شمر ويزيد بن معاوية ( مأخوذ من خطبة للإمام الخميني موجهة الى العلماء في 15 رجب 1409 ه).
ويرى العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله "قدس" ان القداسة التي تُعطى لرجل الدين ليست ضرورية وليست دينية , وإن رجال الدين كغيرهم من الناس فيهم المخلص وفيهم المزيّف والمتخلف والواعي , وإنهم ليسوا معصومين وليسوا مقدسين , فإن أحسنوا كان لهم أجر المحسنين , وإن أساؤوا كان عليهم ما على المسيئين .( كلام السيد فضل الله مأخوذ من مجلة بيّنات).
ما هو الذي دفع بعض العلماء لهذا القول او الاقوال اوالتنبيهات , لولا أنهم شعروا بأزمة العقل الديني .؟؟..كما نشعر الان في لبنان ..؟؟