لا تزال التسوية المطروحة على بساط البحث الوطني تحت تأثير الغموض البنّاء المهيمن على الأجواء، ولا يزال الصمت المطبق سيّد المواقف العلنية على المنابر السياسية، في حين تشتعل المشاورات والاتصالات بشكل بيني ومتقاطع في الكواليس فوق النيران التسووية الهادئة بحثاً عن سبل إنضاج تفاهم ميثاقي جامع يحرر الجمهورية من قيود شغورها الرئاسي وشللها المؤسساتي. وبينما برز على شريط الأحداث أمس نبأ اتصال الرئيس سعد الحريري برئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية والتباحث معه في آخر المستجدات، تتجه الأنظار سياسياً وإعلامياً مطلع الأسبوع لرصد ما سيخرج به حوار «عين التينة» بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» في جولته الحادية والعشرين بعد التطورات السياسية المتفاعلة في البلد، بحيث علمت «المستقبل» في هذا المجال أنّ جلسات الحوار ستُستأنف الاثنين المقبل بين الجانبين.

في الغضون، تنشط المشاورات واللقاءات على أكثر من مستوى وفي أكثر من اتجاه لبلورة صورة المواقف النهائية حيال التسوية الرئاسية المقترحة سيّما على جبهة الرابية معراب الصيفي التي يتولى حزب «الكتائب اللبنانية» عملية التنسيق والمتابعة فيها مع كل من «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية». وغداة زيارة قام بها إلى الرابية للتشاور مع النائب ميشال عون، زار أمس وفد «الكتائب» معراب حيث أوضح نائب رئيس الحزب سليم الصايغ بعد لقاء رئيس «القوات» سمير جعجع تطابق وجهات النظر «إلى حد كبير» بين الجانبين، موضحاً أنّهما بصدد «القيام بعمل مشترك لتنسيق المواقف» إزاء قانون الانتخابات النيابية الجديد من منطلق التأكيد على ضرورة أن يكون «قانوناً عصرياً يؤمن الشراكة الحقيقية».

وعن إمكانية انتخاب نواب «الكتائب» فرنجية رئيساً للجمهورية، أجاب الصايغ: «هذا سؤال مبكر، ما زلنا نتكلم عن المبادئ والثوابت والطرح السياسي، ونحن كـ«كتائب» ليست لدينا عقدة شخص، إنما نريد أن نعرف رئيس جمهورية لبنان المقبل ماذا يريد أن يفعل».

جنبلاط

تزامناً، ترأس رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط اجتماعاً لكتلته أمس في كليمنصو حيث أوضحت مصادر الكتلة لـ«المستقبل» أنّ جنبلاط أطلع أعضاء اللقاء على مستجدات الأمور المتصلة بعملية التسوية المطروحة غير أنه آثر «التريث» بانتظار تبلور صورة المواقف على الساحة السياسية عموماً والمسيحية خصوصاً حيال هذه التسوية، مؤكدةً في الوقت عينه أنّ التريث الجنبلاطي «إيجابي تحت سقف البيان الصادر عن لقائه الأخير في باريس مع الرئيس الحريري».

الحريري

وأمس، لفتت الانتباه المضامين السياسية لكلمة الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري خلال حفل افتتاح مدرستي باب التبانة الأولى والثانية في طرابلس بحضور وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب. إذ شدد الحريري على أنّ «كرة التسوية في ملعب الجميع فإما نكون فريقاً واحداً ونسجل الأهداف لمصلحة لبنان أو نُشرع مرمى لبنان لأهداف الآخرين»، جازماً بأنّ «أي تفاهم لن يكون على حساب أحد، فإما يكون تفاهماً ميثاقياً جامعاً ومفصّلاً على مقاس لبنان وعلى أساس الثوابت أو لا يكون».

وإذ حثّ أمين عام «المستقبل» البعض على «الكف عن الاجتهاد» حيال مواقف «التيار» قائلاً: عندما يقول الرئيس سعد الحريري كلمته في أي مبادرة، لا كلمة تعلو فوق كلمته في «تيار المستقبل»، أردف مضيفاً: «لسنا ممن يستحي بأي جهد سياسي نقوم به، وعندما نريد شيئاً نملك كل الجرأة للقيام به كما فعلنا في الحكومة وفي الحوار الوطني والحوارات الثنائية، قدّمنا وما زلنا نقدم المبادرات وآخرها المبادرة التي أنقذت جلسة «تشريع الضرورة» وقدّم فيها الرئيس الحريري نموذجاً يُحتذى به في الاعتدال لإنضاج التسويات الوطنية (...) نريد إنقاذ لبنان من المأزق على طريقتنا في المبادرة لا على طريقة البعض في المكابرة».