لم نعتَدْ أخذ الكلمة النهائية بأي قرار سياسي على مستوى رئاسة الجمهورية , أو الرئاستين الثانية والثالثة , من الداخل اللبناني , وقد إعتاد الشعب اللبناني ربطَ كلّ شيء على الساحة اللبنانية بأضواء حمراء وخضراء وفيتوات إقليمية ودولية , وهذا هو الواقع اللبناني وبدون أي تجنٍ أو تحامل , لأن القيادات اللبنانية ربطت قراراتها بالخارج وتخلّت عن دورها الذاتي اللبناني , وعوّدت الشعب اللبناني على ذلك , وإعتبرت نفسها قاصرة عن تحديد المصلحة الوطنية وبالتالي لا بد لها من وصيّ أو مُرشِد أو مرجع , يضمن لها مكانها في السلطة لأنه لا وجود لثقافة تداول السلطة فحسب , بل السلطة هي ملك عضود يتوارثه الزعيم ويورّثه .
الجديد على الساحة اللبنانية اليوم هو الضوء البرتقالي الذي أحاط بمبادرة ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهوربة , ولا ادري إن كانت مقصودة أو مصادِفة , ان يوجّه الضوء البرتقالي في وجه التيار البرتقالي , الذي يَقِف الآن في نقطة وسط إستعدادا لمواجهة المرحلة الجديدة , فلا هو قادر على القبول ولا هو قادر على الرفض , كأنه على مفترق طُرق والخيار في المسير وعدمه ليس في يده , بل حتى ليس في يد حلفائه الذين وعدوه وعيّشوه في أحلام لبنانية لا تأويل لها , حيث ان الحلم في لبنان هو دائما كوابيس , ودائما يُفسّر بخلاف الواقع المرجو .
ضوء برتقالي أشدّ فتكا من كل الاضواء , بالساحة اللبنانية وخاصة الساحة المسيحية التي بدأت تضطرب بتحالفات الاعداء والاخصام , لمواجهة الحِنكة السياسية إن صح التعبير التي تحاول تمرير ما لا يمكن تمريره , لا أقلها ضرب التحالف المسيحي الشيعي الذي وقف سدّا منيعا في وجه تحالف 14 آذار وأدى خلال فترة عشر سنوات إلى مسخ ومسح مشروعه وتدميره وتحويله إلى شعارات وهمية كأنها سراب .
مهما حاولنا أن نصدّق تصريحات بعض السياسيين أن طرح ترشيح سليمان فرنجية هو جدّي وأنه ليس مناورة , إلا أن جديّة الترشيح لا تعني أنها سهلة المَنال كما يصورها البعض , لأن دونها عقبات داخلية وإقليمية , لأن في الداخل ثمة خطر على تحالفات قائمة قد تنهار بلحظة , خاصة أن الرئيس ميشال عون قد بنى كل تحالفاته الداخلية والاقليمية على اساس وعدٍ برئاسة الجمهورية , هذا الذي كلّف المتحالفين الكثير من المواقف السياسية داخل كل فريق وترشيح فرنجية سوف يُنتج تحالفات جديدة ممكن أن تجهِض التسوية .
أما إقليميا فثمنه كبير , لأن سليمان فرنجية يعني بشار الأسد , وبالتالي يعني النظام السوري , فإعطاء هدية سعودية بهذا الحجم لفريق 8 آذار لا بد من ان يكون له ثمن سياسي بحجمه , وأما على المستوى الدولي يبقى الموقف الاميركي الذي ترشّح منه حتى الآن أنه لا يمانع ترشيح سليمان فرنجية , ولكنه يتمهّل هو الاساس في بقاء الضوء برتقاليا أو أنه ينتقل إلى أحد اللونين إما أحمرا وإما أخضرا