ما كان لموسكو أن تتخذ قرارها بالتدخل العسكري في سوريا لولا حصولها على ضوء أخضر دولي وتحديدا أميركي. افساحا لها في المجال كي تلقي بدلوها في المستنقع السوري وإعطاء فرصة لدبلوماسيتها للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية ولحماية قاعدتها العسكرية على الساحل السوري بعد أن صارت عرضة لتهديدات الجماعات الإرهابية المعارضة لنظام الأسد.
إلا أن القوات العسكرية الروسية قد تكون في لحظة ما قد قاربت الخطوط الحمر بعدما استشعرت أنها القوة الجوية الوحيدة الضاربة في الحروب السورية. فكان الرد على هذا الاقتراب من هذه الخطوط مجموعة رسائل حامية ومرعبة في أماكن متفرقة ومن قوى فاعلة ومؤثرة في الخريطة السورية ويصعب تجاوز تهديداتها والقفز فوق رسائلها المتفجرة دون أخذها بعين الاعتبار والجدية.
فعندما أقدمت البحرية الروسية على إطلاق ثمانية صواريخ باليستية عابرة للقارات ومداها يصل إلى ثلاثة آلاف كيلومتر من البحر الأسود مستهدفة مواقع عسكرية للمعارضة السورية. فإن ثلاثة منها وصلت إلى أهدافها فيما الخمسة الباقية ضلت طريقها وسقطت في مناطق غير مأهولة على الأراضي الإيرانية وذلك بسبب التشويش الذي استخدمته أجهزة الإنذار الأميركية على هذه الصواريخ كي تضل أهدافها. وهذه رسالة أميركية مفادها أن هذا النوع من الصواريخ يحظر استخدامها في مثل الحرب السورية. وبالتالي فإنه ممنوع على روسيا استعراض قوتها وعرض عضلاتها.
أما الرسالة الثانية فقد وضعت في حقيبة على متن الطائرة الروسية التي أقلعت من مطار شرم الشيخ وتم تفجيرها في الأجواء المصريه فوق صحراء سيناء وأوردت بحياة 224 ضحية من بينهم طاقم الطائرة. وتبنت عملية التفجير مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم داعش.
أما الرسالة الثالثة فقد أتت من تركيا حيث قامت مضاداتها الأرضية المرابضة على الحدود السورية التركية بإسقاط طائرة حربية روسية من نوع سوخوي طراز 24 بذريعة أنها اخترقت الأجواء التركية وهو ما نفته موسكو. وسقطت الطائرة على الأراضي السورية وقد قتل أحد الطيارين فيما الآخر تمكنت من إنقاذه قوة كوماندوس سورية بالتعاون مع مجموعة من النخبة في حزب الله.
وبغض النظر عما إذا كانت الطائرة الروسية اخترقت الأجواء التركية أم لا. فإن أنقرة كانت سريعة في توجيه رسالة إلى من يعنيهم الأمر بعد الموافقة الأميركية. وفحوى الرسالة أنها موجودة في سوريا وأنها شريك أساسي في تحديد مستقبلها أيضا.
والطائرة أسقطت بعد يوم واحد من اللقاء الذي جمع مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الإيرانية طهران.
فالرئيس التركي رجب طيب اردوغان يحاول أن يرد على قول السيد الخامنئي الذي جاء بعد اللقاء وأكد فيه أن وجهة النظر الإيرانية والروسية موحدة حيال سوريا والدولتان ترفضان أي محاولات خارجية لأملاء فرضيات في شأن أي تسوية في سوريا.
لا شك أن التدخل العسكري الروسي في سوريا استطاع أن يؤجل السقوط المريع لنظام بشار الأسد لكنه لن يستطيع الحؤول دون ذلك. ولم يمكن موسكو من حصرية البحث عن حل سياسي للأزمة السورية. والدليل هو الرسائل المتفجرة التي تأتيها من كل حدب وصوب .