رسم الصمت الذي عم مختلف الاوساط والكواليس السياسية امس صورة معبرة عن طبيعة المراجعات والحسابات السياسية الدقيقة التي تجريها كل القوى الداخلية في شأن مشروع التسوية الذي تقدم عبره رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية الى مصاف المرشح "المتقدم" لرئاسة الجمهورية. ولم يكن ادل على اخضاع هذا التطور للمشاورات والاتصالات البعيدة من الاضواء وتجنب اتخاذ المواقف العلنية المتسرعة منه، من تجاهل "كتلة الوفاء للمقاومة" في بيانها السياسي الاسبوعي أمس أي اشارة الى موضوع ترشيح فرنجية او لقائه الرئيس سعد الحريري في باريس، كما ان إرجاء الاجتماع الذي كان مقررا أمس لـ"اللقاء الديموقراطي" برئاسة النائب وليد جنبلاط بدا انعكاسا لتريث جنبلاط في الدفع نحو المرحلة التالية من هذا المسار الجديد ترقباً لمزيد من الوضوح في مواقف مجمل القوى المعنية.
وعلمت "النهار" من مصادر مواكبة للاتصالات في شأن ترشيح رئيس "تيار المردة" لرئاسة الجمهورية ان الموضوع صار على "نار هادئة" ريثما تتضح معطيات بعيدا من اختلاط الاوراق الذي شهده هذا الملف وفق توصيف مسؤول كبير. وفي هذا الاطار أرجأ جنبلاط اجتماع "اللقاء الديموقراطي" الذي دعا اليه امس الى غد السبت ريثما تنجلي المعطيات. وأفادت المصادر ان لا صحة لما تردد أمس عن عزم الرئيس الحريري على الاطلالة إعلاميا قريبا للتحدث عن موضوع الانتخابات الرئاسية.
غير ان معلومات توافرت لـ"النهار" عن بروز تعقيدات عقب الزيارة التي قام بها وزير الصحة وائل ابو فاعور موفدا من جنبلاط أمس لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل للاطلاع منه على حقيقة موقف الحزب من ترشيح فرنجية باعتبار ان التغطية المحتملة للكتائب لترشيح فرنجية تخفف وطأة الاعتراض القوي من جانب المعترضين المسيحيين الآخرين على هذا الترشيح. ولكن، وبحسب المعلومات المتوافرة لـ"النهار" لم يبد موقف الجميل ملائما لترشيح فرنجية اذ انه على رغم تأكيد العلاقة الايجابية التي تجمعه والحزب برئيس "المردة " شدد الجميل على ضرورة توافر ضمانات وشروط اساسية تتعلق بموقف فرنجية من حياد لبنان واعتماد سياسة النأي بالنفس عن الحرب في سوريا والموقف من سلاح "حزب الله" وتدخله العسكري في سوريا الذي شدد على انه يهدد لبنان بأوخم العواقب. وتشير المعلومات الى ان ابو فاعور نقل تفاصيل لقائه مع الجميل الى جنبلاط الذي قرر على الاثر التريث في عقد اجتماع لـ"اللقاء الديموقراطي" اليوم.
اما في ما يتعلق بالزوايا الاخرى من المشهد الداخلي، فتوضح مصادر مواكبة للاتصالات السياسية ان "حزب الله" نأى بنفسه عن اي توجه اعلامي او رسمي علني في شأن مسار ترشيح فرنجية تاركا للاتصالات الجارية مع حلفائه ولا سيما منهم رئيس "تكتل التغيير والاصلاح " النائب العماد ميشال عون والنائب فرنجية بالاضافة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري ان تأخذ مجراها بعيدا من دلالات الاحراج الذي وجد الحزب نفسه امامه عقب تغيب العماد عون عن الجولة الاخيرة من الحوار في عين التينة والذي عكس بوضوح تصاعد الازمة الصامتة بينه وبين فرنجية.
وفيما نقلت المصادر عن اوساط في قوى 8 آذار ان تصريحات النائب فرنجية بعد جولة الحوار الاخيرة الاربعاء الماضي قد تكون تركت اثرا متسرعا على المساعي الجارية لبلورة الاطار العام للتسوية اكدت هذه المصادر انه على رغم الصمت الذي تلزمه القوى المسيحية الرئيسية فان الجميع باتوا على معرفة ان موقف العماد عون يتسم بالتشدد والتصلب برفض سحب ترشيحه او تجيير رصيده لأحد غيره.
في غضون ذلك، علمت "النهار" ان اللجنة النيابية المكلفة إعداد تصور قانون الانتخاب قدّمت موعد جلستها المقررة الثلثاء في الاول من كانون الأول الى الاثنين 30 تشرين الثاني. وقالت مصادر اللجنة انه ستكون هناك قراءة هادئة في الجلسة الاولى التي تعقدها للمشاريع المطروحة من دون إغفال الاجواء التي ستتضح حتى ذلك الحين في شأن ملف انتخابات الرئاسة الاولى.
السعودية و"حزب الله"
وسط هذه الاجواء اعلنت المملكة العربية السعودية أمس فرض عقوبات على 12 شخصا ومؤسسة قالت انهم يعملون لمصلحة "حزب الله" وبينهم قياديون صنفوا على قائمة الارهاب في المملكة ومن ابرزهم مصطفى بدر الدين احد المتهمين الخمسة امام المحكمة الخاصة بلبنان باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقالت وزارة الداخلية السعودية في بيان انه "طالما يقوم حزب الله بنشر الفوضى وعدم الاستقرار وشن هجمات ارهابية وممارسة انشطة اجرامية وغير مشروعة في انحاء العالم فان المملكة ستواصل تصنيف نشطاء وقيادات وكيانات تابعة لحزب الله وفرض عقوبات عليها نتيجة التصنيف".
ملف اللاجئين
وفي سياق امني آخر بدا ملف اللاجئين السوريين مطروحا على طاولة الاهتمامات الحكومية والامنية وقت يواصل الجيش الاجراءات التي اتبعها حيال مخيمات اللاجئين في البقاع منذ الاسبوع الماضي لإبعادها عن مسالك التحركات العسكرية. ورأس رئيس الوزراء تمام سلام امس اجتماعا للجنة الوزارية المكلفة متابعة شؤون اللاجئين السوريين تركز البحث فيه على المقاربات الدولية لهذا الملف "وضرورة تغيير الوسائل المتبعة من الاغاثة الى تدعيم المجتمعات المضيفة وتهيئة ظروف افضل للسوريين"، كما اوضح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس. وقال ان هناك توجها لدى اللجنة لانتاج خطط جديدة متطورة عن العام الماضي لادارة الازمة ورفع المبالغ المقررة للبنان.
وفي الملف نفسه ابدى قائد الجيش العماد جان قهوجي قلقه من التهديد الامني المتزايد الذي تمثله مخيمات النزوح السورية والتي قد تشكل مخابئ محتملة للمسلحين لكنه اكد في المقابل ان الوضع الامني في البلاد تحت السيطرة. وقال في حديث الى وكالة "رويترز": "نحن اصبحنا في منتصف الطريق في محاربة الارهاب بينما الدول الاوروبية لا تزال في البداية". ودعا الى ازاحة مخيمات النزوح السورية اكثر من 500 متر عن الطرق العامة في البقاع "لمنع الخروق الامنية او اختباء المسلحين"، مؤكدا "اننا لسنا ضد النازحين ولكن عليهم ان يبتعدوا عن المناطق التي تؤذينا".