بدأت القصّة في حرم كليّة إدارة الأعمال في إحدى الجامعات اللبنانيّة، وانتهت في مركز إعادة التأهيل التابع لجمعيّة "جاد" شبيبة ضدّ المخدّرات. يومها لم يتوقّع زياد، الطالب الثريّ، أن عينيه ستسحران بمايا الى درجة الجنون. وجد فيها فتاة أحلامه، وأغرم بها من قلبه. رغم زيف العلاقات التي غالبًا ما تنتهي نتيجة الخداع، الّا أن ذلك الشّاب أراد لو أنّه لم يعرف في حياته سوى وجه فتاة أحلامه الملائكيّ. تعارفا وتصادقا، وما لبثت المشاعر أن فاضت في القلوب، فترافقا على درب العشق. لكن زياد لم يتوقّع للحظة، أن حبيبته الجميلة تخفي خلف ملامحها الجذّابة، عالمًا كاملًا من الدهاليز الخطيرة.
سقط القناع
لم يكن يعلم الحبيب المخدوع، أن مايا كانت تودّعه بعد لقاءاتهما، كي تنصرف الى عملها في منتصف الليل. كانت تجول الأزقّة كي تواعد زبائن متلهّفين الى شراء المخدّرات، تعطيهم ما يشتهونه، وتأخذ حصّتها من الغلّة. الفتاة الغامضة تروي تجربتها من دون شعورٍ بالخيبة، وكأنّها مجرّدةٌ من جميع أنواع الأحاسيس: "مراحلي مع الإدمان على المخدّرات عدة، كانت آخرها مادّة "الهيرويين". لم أعد أفكّر في شيء، سوى في طريقة حصولي على ما أحتاج إليها منها كي أرقد الى فراشي من غير ألم. حتّى إنني لم أعد أشعر بالجوع أو الرغبة في الدراسة. كلّ ما كان يستهويني، الحصول على "الهيرويين". كنت على معرفةٍ مسبقة بأحد التجار الذي بادر الى تأمين ما أريده مجّانًا، الّا أنه عاد ليشترط عليّ ممارسة الجنس معه، فوافقت من دون تردّد، حتى إن تجاربي الجنسيّة لم تكن تُحصى". وتضيف: "بعد فترة، لم يعد يكتفِ بي، بل أراد استخدامي وسيلةً ترويجيّة. كان يحدّد لي أماكن التسليم وأسماء الزبائن، حتّى بات هذا السلوك جزءًا أساسيًّا من حياتي كي أحصل على الهيرويين".
وَقَعَ في المصيدة
تصف مايا علاقتها بزياد من بابٍ هزليّ. لم تشعر يومًا بالعاطفة تجاهه، بل قضت على مستقبله بهدوء. تقول: "لم أعلم إذا كان زياد شابًّا ساذجًا، أو ربّما كان ذكيًّا جدًّا، لكنه يحبّني كثيرًا. رغم أنه وجد غموضًا يعتري حياتي، الّا أنه كان متيّمًا بي الى درجاتٍ قصوى. عاش برفقتي أجمل أيّام حياته، حتّى حان وقت كشف جزءٍ من الحقيقة. عرضت عليه الهيرويين، وخيّرته بضرورة تجربتها إذا كان فعلًا يحبّني. لم يتردّد في القبول، لأنه كان يخاف دومًا من خسارتي وابتعادي عنه، وهكذا أصبح الشاب الثري جزءًا من المعادلة". استمرّت تفاصيل قصّة مايا، حتّى قُبض عليها أخيرًا، وأمضت محكوميتها في السجن. أما زياد، فتعالج وإيّاها في مركز إعادة التأهيل التابع لجمعيّة جاد شبيبة ضدّ المخدّرات. اليوم، وبعد كلّ ما علمه عنها، لا يزال زياد يريد مايا زوجةً له. "هدّد والديه أكثر من مرّة بالانتحار في حال لم يتقبّلا زواجه بي. هو يقول إنني تجربة الحب الحقيقيّ الوحيدة التي عاشها، ولن يعيش يومًا واحدًا من دوني".
25% من المروّجين "نساء"
مايا ليست الفتاة اللبنانيّة الوحيدة التي دخلت عالم ترويج المخدّرات. وسبقها، بحسب رئيس جمعيّة جاد شبيبة ضدّ المخدّرات جوزيف حوّاط، 23 الى 25% من مجمل أعداد المدمنين والمروّجين في لبنان، الذين باتوا يتشكّلون اليوم من النساء والطالبات الجامعيّات، في حين أنهن كنّ يشكّلن نسبة 5% في السنوات السابقة.
"ما هي الأسباب الكامنة وراء زيادة نسب دخول النساء في عالم الترويج؟"، يجيب حوّاط أن "هذه الظاهرة تعود الى رغبة تجّار المخدرات في تطوير عملهم والتفتيش عن أساليب جديدة تغري في عالم الإدمان. منذ 3 سنوات نجد أن الفتيات يغصن في عالم التجارة والترويج وهنّ داخلاتٌ أساسًا في عالم زراعة الحشيشة والخشخاش". وعن الطرق التي تُستخدم فيها الفتاة في عمليّة الترويج، يقول: "يؤمّن التاجر البضاعة الى الفتاة ويغريها بتقديم "غرامين" هديّة مقابل بيع كميّة محدّدة، ويطلعها على أماكن اللقاء بالزبائن. القانون في هذه الحالة لا يعلم أن الفتاة اضطرت الى نقلهم لئلا تموت نظرًا إلى خطورة مادّة الهيرويين على الجسم، وهي أساسًا لا تمتلك المال لشرائه، بيد أن التاجر يكون غالبًا فاحش الثراء".
وحول الخطورة التي يعيشها لبنان اليوم في ظلّ انضمام المرأة الى عالم الممنوعات، يعتبر أن "تجارة المخدرات باتت أخطر من السابق مع دخول المرأة في مفترقاتها. الفتاة عالم إغراء قوي بحدّ ذاته وهي تبعد الشبهات عنها غالبًا، لأننا لم نعتد هذه الفكرة من قبل. هذا الواقع ينذر بالوصول الى مراحل أسوأ في ظل هذا الفجور المستشري، الذي يدعمه أصحاب نفوذٍ في البلد في إطار ما يسمّى بالحريّة الشخصيّة".
وضعٌ اقتصاديٌّ مذرٍ
في مقاربةٍ اجتماعيّة لظاهرة دخول المرأة اللبنانيّة عالم الترويج، يسلّط الاختصاصي في علم الاجتماع العيادي الدكتور رائد محسن، الضوء على الوضع الاقتصادي المذري في لبنان مع انحدار الطبقة الوسطى، الأمر الذي يدفع بالنساء الى تولّي هذه الأعمال المحظورة كما الرجال تحت قاعدة أن المخاطرة موجودة في شتّى المهن. وعن المحيط الذي يعيش في إطاره المروّج يشير الى أن "التاجر لا يعتمد إجمالًا على مروّجٍ ساذج، بل يتأكّد من حنكة الشخص وذكائه قبل إعطائه الضوء الأخضر للدخول في عالم البيع والشراء المحظور. هذا يعني بعبارةٍ أخرى، أن المروّج يترعرع في ظلّ محيط من المروّجين، وينشئ علاقاته الاجتماعيّة بهم، حيث تجمعهم الزيارات المتبادلة واللقاءات الدائمة". في هذا الإطار، يعتبر محسن أن "المرأة في هذه الحالة كما رجلها تكون جزءًا من منظومة متكاملة على شكل "مافيا"، من دون أن يلاحظ أحدٌ من الجيران عليها تورّطها في هذه الأعمال". ويربط بين ظاهرتي "الدعارة والترويج، فالمسألتان تتقاربان، وعادةً ما تسير المرأة في الطريقين معًا دون إرادة حقيقيّة في حال عانت أوضاعاً اقتصاديّة متأزمة".
لعلّ تجربة مايا تطرح أزمةً من نوعٍ آخر: "الثقة". الوجه الملائكيّ الجميل قد يخفي خلفه عالماً من الأسرار الخطيرة. الابتسامة بدورها، في بعض الأحيان كاذبة. في هذا الإطار استذكارٌ لقصّةٍ على شكل حكمة، كتبها جبران خليل جبران حول المعنى الحقيقيّ للجمال: "تلاقى الجمال والقبح ذات يوم على شاطئ البحر، فقال كل منهما للآخر هل لك أن تسبح؟ ثم خلعا ملابسهما، وخاضا العباب. وبعد برهة عاد القبح إلى الشاطئ وارتدى ثياب الجمال، ومضى في سبيله. وجاء الجمال أيضاً من البحر، ولم يجد لباسه، وخجل كل الخجل أن يكون عارياً، ولذلك لبس رداء القبح، ومضى في سبيله. ومنذ ذلك اليوم والرجال والنساء يخطئون كلما تلاقوا في معرفة بعضهم البعض. غير أن هناك نفراً ممن يتفرسون في وجه الجمال، ويعرفونه رغم ثيابه. وثمة نفر يعرفون وجه القبح، والثوب الذي يلبسه لا يخفيه عن أعينهم".