على الرغم من أن لا أحد من القوى السياسية يقتنع بنضج الحلول الرئاسية في ظل استمرار الاشتباك الإيراني ــ السعودي، إلّا أن القوى اللبنانية تتعامل بجدية عالية مع اللقاء الذي جمع الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية في باريس، ما ينذر بحدوث انقسامات جدية في كل واحد من فريقي 14 و8 آذار
خلق اللقاء الذي جمع الرئيس سعد الحريري برئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية في باريس منتصف الأسبوع الماضي، جدلاً داخلياً واسعاً طاول فريقي 14 و8 آذار على حدٍّ سواء. وبمعزلٍ عن نتائج اللقاء، فإن حصوله في هذا التوقيت عُدَّ حدثاً بحد ذاته، يعيد خلط الأوراق وربما التحالفات، في معسكري الانقسام اللبناني التقليدي. وتردّ مصادر متابعة طرح اسم فرنجية كمرشّح «مقبول» من تيار المستقبل لرئاسة الجمهورية، إلى الزيارة التي قام بها النائب وليد جنبلاط للسعودية قبل شهرين.
وتقول إن إشارات جنبلاط المتعدّدة تجاه فرنجية في المرحلة الماضية تؤكّد أنه هو صاحب الفكرة، على قاعدة اعتقاده والحريري بضرورة البحث عن الشخصية المطلوبة التي تريح حزب الله وسوريا وتحقّق التسوية، بهدف إزاحة رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون عن السباق الرئاسي. وبحسب المصادر، فإنه في الحسابات الاستراتيجية لدى المقاومة وسوريا لا مفاضلة بين فرنجية وعون. فالأول يملك إرثاً عائلياً ومواقف سياسية وعلاقات شخصية وثيقة بمحور المقاومة، فيما قدّم عون منذ وثيقة مار مخايل وحرب تمّوز «ظهيراً متقدّماً» لمحور المقاومة في لبنان، ما أمّن توازناً لهذا الفريق عَوَّضه عن الخروج السوري. وعبّر عن الثقة بعون الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أكثر من مرة، بتمسك فريق المقاومة بترشيح الجنرال للرئاسة. وبحسب المصادر، بقي عون هو المرشّح الأول وفرنجية هو المرشّح الثاني. وتؤكّد المصادر أن فرنجية، بمعزلٍ عن كلّ ما قيل ويقال في الإعلام ومن محيطين به، لا يمكن أن يُقدم على أي خطوة «تسووية» مع الفريق الآخر ما لم يسمع من عون تنازلاً صريحاً عن ترشيحه، ودعم ترشيح فرنجية من دون أي ضغوط من أي جهة كانت، مع الجزم بأن لا أحد، لا حزب الله ولا سوريا، سيضع أي ضغوط على عون تحت أي ظرف. وبدت لافتةً أمس زيارة السفير السوري علي عبد الكريم علي للرابية. وعلى الرغم من تأكيد الطرفين أن الزيارة لا علاقة لها بالتطورات الأخيرة، أشارت المصادر المتابعة إلى أن «زيارة سفير سوريا تصبّ في خانة طمأنة عون إلى التزام دمشق بترشيحه».
وتفاوتت تحليلات شخصيات 14 آذار ومعلوماتها بشأن ما جرى في باريس، بين من اعتبر أن ما جرى «خطوة خطرة، ومجازفة كبيرة أقدم عليها الحريري»، وبين من وصف ما جرى «بأنه استدراج من الحريري لفرنجية في خطوة مدروسة لزعزعة صفوف 8 آذار». وإذا كان الحريري قد أطلع بعض الشخصيات من المستقبل وفريقه التي «استدعاها» إلى اجتماع السبت في الرياض، على فحوى اجتماعه، فإنه أجرى اتصالات أيضاً بشخصيات في قوى 14 آذار في بيروت، وتشاور معها. وذُكر بعد ظهر أمس أن النائب سامي الجميّل توجّه إلى باريس للقاء الحريري، وكذلك جرى الحديث عن لقاء قد يجمع رئيس حزب القوات سمير جعجع بالحريري. وأشارت مصادر في 14 آذار اطلعت على محادثات الحريري وفرنجية لـ«الأخبار» إلى أن «رجل الأعمال جيلبير الشاغوري هو الذي فتح الموضع الرئاسي في اللقاء. وقال الحريري لفرنجية بحسب المصادر: «الحزب (حزب الله) بيمشي فيك؟»، فأجاب فرنجية بأن «الحزب يؤيدني». وعن موقف عون، أجاب فرنجية: «إذا توافقنا تتم معالجة الموضوع في حينه».
وعلى إثر اللقاء، بدأ الحريري اتصالاته مع فريقه، الذي انقسم بين مؤيد لفكرة التحاور مع فرنجية، وبين رافض كلي من منطلق «أن فرنجية يمثل الأسد في قصر بعبدا، ولا يجوز أن ننتخبه، حتى لو جاء الحريري رئيساً للحكومة». وسأل المعترضون الحريري «عما إذا كان يضمن بقاءه في القصر الحكومي لأكثر من ستة أشهر؟».
وتخوفت مصادر في قوى 14 آذار من أن يكون ثمة قطبة مخفية في التعامل مع ملف انتخاب فرنجية، على أساس أن «الشاغوري هو صديق الرئيس نبيه بري، وهو يطمح لأن يكون له دور في قطاع النفط، ما يطرح أسئلة عن صفقة سياسية كبرى يجري التعامل معها بين بيروت والسعودية وإيران».
وفيما أعلن رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون بعد لقائه وفداً موسعاً من القوات اللبنانية، وتداوله هاتفياً مع جعجع «رفضه لانتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية»، أكد مصدر مسؤول في القوات اللبنانية لـ«الأخبار» أنّ «القوات لا تضع فيتو على أي مرشح رئاسي، وهي تدعو إلى حضور النواب يومياً إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية. لكن القوات لن تنتخب إلا من يحمل في ترشيحه مضامين ومبادئ طروحات مشروعها السياسي».
مصادر قوى 14 آذار من المستقلين، قالت لـ«الأخبار» إن «من يريد انتخاب فرنجية رئيساً لا يقوم بهذه الجلبة، وهذا الاستعراض الإعلامي، فما جرى هو لحرق فرنجية وليس لانتخابه». وأضافت أن «ما جرى هو مقدمة لحرق جميع المرشحين من القادة الموارنة الأربعة، تمهيداً لمرحلة تسوية يجري فيها اختيار مرشح وسطي».
ولفتت أوساط سياسية إلى أن الحريري يجب أن يكون واعياً لمخاطر «وصول ممثل الرئيس بشار الأسد إلى قصر بعبدا». فيما أكّدت مصادر أخرى أن النائب «الجميّل يبدو سعيداً بترشيح عون، لاقتناعه بأنه قد يشكّل ثنائياً مع فرنجية في المستقبل للوقوف بوجه جعجع».
وقالت مصادر في تيار المستقبل إن «الأخبار الواردة من الرياض وباريس تشير إلى أن هناك بوادر يجري العمل عليها لتحقيق خرق في الملف الرئاسي»، ولتأكيد «تسوية جدية». وأضافت أن «اللقاء الذي جمع الحريري بشخصيات تياره كان هدفها البحث في كيفية التعامل مع مبادرة نصر الله، وتأكيد عدم السماح لأي جناح في المستقبل بضرب الطبخة الرئاسية إن كان تحقيقها ممكناً».
وإذا كان الانقسام واضحاً في 14 آذار، فإن الانقسام أيضاً بدا على الفريق الآخر، الذي لا تزال شخصياته تتحفّظ عن الإدلاء بالتصاريح أو التعبير عن المواقف. وأشار أكثر من مصدر إلى انزعاج ضمني لدى عون وصمت لدى حزب الله، الذي فتح خطوط تواصل أمس مع عون، فيما أشارت مصادر عين التينة إلى «تفضيل برّي فرنجية على عون». وسألت أصوات داخل فريق 8 آذار «عن مدى هشاشة حلف 8 آذار إلى درجة يستطيع الحريري بين الحين والآخر زرع الشقاق مرّة عبر محاولة استمالة عون ووعده بإقامة تسوية معه، ومرّة مع فرنجية». وقالت مصادر قريبة من الرابية: إن ما يجري يُثبت مجدداً أن اداء تيار المستقبل منذ عام 2005 قائم على قاعدة مستعدون لفعل أي شيء لأجل إبعاد المسيحي القوي عن الرئاسة. مرة بالتحالف الرباعي، ومرة بالرهان على العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، ومرة بالذهاب إلى دمشق، والآن بالترويج للقبول بصديق الأسد رئيساً.
ولمس زوار فرنجية بعض انطباعات إيجابية عاد بها من باريس، رغم تمسكه بإحاطة اجتماعه بالحريري بغموض على نحو قال معه فرنجية: «لن أقول إنني اجتمعت به أو لم اجتمع. سأتركها مشكولة». ولاحظ فرنجية تبعاً لزواره بأن ثمة «اقتناعاً لدى الفريق الآخر أكثر من أي وقت مضى بانتخاب رئيس ذي حيثية»، مشيراً إلى أن الحوار الدائر في هذا الاتجاه «أكثر من جدي حيال اختيار رئيس قوي يمثل فعلاً المسيحيين، ومن غير المستبعد أن يكون من المرشحين الأربعة». ولفت إلى أن «لا انتخابات رئاسية بلا موافقة السعودية التي توافق على أسماء مرشحين وترفض أخرى»، على أنه أكد أيضاً أن وجود «جو إيجابي من خلال الحوار على الاستحقاق الرئاسي يجعلني أستمر خلف ترشيح العماد عون. ما دام مرشحاً فلست كذلك. أما إذا وصلنا الى يوم يبحث فيه في مرشح آخر، فعندئذ سأختار نفسي. في المعيار السياسي الأحجام تختلف. للعماد عون كتلة من 20 نائباً بينما كتلتي من 4 نواب. هناك توازنات سياسية، ولا يمكن تقييم حجمي كحجم العماد عون. حتى وإن أحبني الشارع الشيعي، فذلك لا يعطيني أفضلية في الخيار السياسي على العماد عون. وهو موقف السيد حسن نصر الله والرئيس نبيه بري. أنا خلف العماد عون».
هل نسّق الحريري مع السعوديين؟
وتتضارب أيضاً المعطيات عن مدى تنسيق الحريري لقاءه بفرنجية مع المسؤولين السعوديين، ففي الوقت الذي نقلت فيه مصادر لـ«الأخبار» عن ديبلوماسيين عرب تأكيدهم أن السعودية لم تكن على علم مسبق بلقاء الحريري وفرنجية، أشارت مصادر مقربّة من الحريري إلى أن الأخير أعلم السعوديين بنيته قبل اللقاء، ولم يدل السعوديون بأي موقف أمامه، مع التأكيد أن «الحريري لا يمكن أن يقدم على خطوة كهذه من دون تنسيق مسبق، خصوصاً أن جنبلاط طرح الأمر مع السعوديين منذ فترة». وقالت مصادر في 14 آذار إن الحريري حاول إقناع السعودية بالقبول بفرنجية بناءً على أمرين: «الأول، غياب الضمانة بألا يكون موقفنا في سوريا مستقبلاً أسوأ مما هو عليه حالياً، وانعكاسه سلباً على موازين القوى الرئاسية في لبنان؛ والثاني أن فرنجية يمكن أن يساعدنا في اختيار قانون الانتخاب المناسب لنا، وخاصة أنه صاحب مشروع قانون الستين منذ عام 2004».
السيد: «المستقبل» معتاد على غزالة وكنعان
ردّ اللواء جميل السيّد على كلام وزير العدل أشرف ريفي، الذي علّق أمس على لقاء الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية بالقول إن «من يقرأ التطورات العالمية والإقليمية يدرك تماماً أن كل من هو محسوب على المحور الإيراني السوري لا يمكن أن يصل إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية».
وقال السيّد في بيان له إن «من يُسمّى بوزير العدل أشرف ريفي هو، على قدر فهمه أو جهله، مُحِقٌ في قوله بعدم جواز الإتيان برئيس للجمهورية يكون على علاقة مع رئيس سوريا بشار الأسد، ذلك أن ريفي الذي كان ينتمي هو وتيار المستقبل بالخضوع إلى زمن العميد رستم غزالة ومساعديه، والذي اعتاد مع فريقه على رؤساء حكومات من مستوى غزالة وغازي كنعان، إنّما يستحيل عليه أن يستوعب أو أن يتصوَّر رئيساً للبنان يكون بحجم ومستوى العلاقة المباشرة والسيادية مع الرئيس الأسد كالعماد ميشال عون أو النائب سليمان فرنجية». وأضاف: «أزمة المستقبل وأزلامه تكمن في أن سياستهم وتصريحاتهم تستند إلى مزيج من الحقد والجهل والضياع والازدواجية بحيث يمكن الجزم بأنهم باتوا يغنّون خارج التاريخ والجغرافيا ويخلطون ما بين تمنياتهم وما بين الوقائع والتطورات التي أخرجتهم من اللعبة وحوّلتهم إلى مجرّد صدى ينتظرون أعراس أو جنازات غيرهم ليفرحوا هنا ويبكوا هناك».