لقد اعتاد اللبنانيون في اليوم الثاني والعشرين من تشرين الثاني من كل عام على الإحتفال بعيد الإستقلال وهو اليوم الذي غادر فيه آخر جندي فرنسي الأراضي اللبنانية منذ 72 سنة حيث أعلن استقلال لبنان رسمياً عن فرنسا وذلك في العام 1943 مع الإشارة إلى أنّ هذا الاستقلال تم انتزاعه بفضل التباين الفرنسي البريطاني وتضارب المصالح بينهما آنذاك .
إلا أنّ الإحتفال الرسمي بهذه المناسبة غاب للسنة الثانية على التوالي بسبب عجز الطبقة السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية ، وتم الإكتفاء بوضع اكاليل من الزهر على أضرحة رجال الاستقلال الذين حلموا بوطن ذات سيادة يتمتع أهله بنعيم الحرية ويتخذ القرارات المصيرية بكامل الإستقلالية وسعوا لبناء الدولة القوية دولة القانون والمؤسسات التي لم تتحقق حتى الآن وذلك بسبب التخبط الداخلي الذي ضرب بلد الأرز وتقاطع مصالح أطراف لبنانية مع مصالح إقليمية ودولية ، فكانت أقوى من أحلام أولئك الرجال فتحوّل لبنان إلى ريشة في مهب الرياح الخارجية و ورقة في لعبة التوازنات الإقليمية فصار يوم الاستقلال يوماً رمزياً فارغاً من أيّ مضمون وكان يتم الإحتفال فيه حتى في ظل الإحتلال السوري الذي حكم لبنان على مدى ثلاثين عاماً بالحديد والنار حيث دفع اللبنانيون آلاف الشهداء لإخراجهم من بلدهم .
فأيّ استقلال يحتفلون به في ظلّ غياب رئيس للجمهورية بانتظار كلمة السر التي تأتي من الخارج إيذاناً بالسماح بانتخاب الرئيس .
وأي استقلال هذا الذي يتحدثون عنه وكل طائفة من الطوائف اللبنانية مرتبطة بدولة خارجية وتبني مصالحها على حساب مصلحة الوطن .
وأيّ استقلال يتكلمون عنه وأكوام النفايات تجتاح شوارع العاصمة مع عجز كامل للطبقة السياسية عن إيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة التي تحوّلت إلى معضلة فيما هذا المشهد لم يراه اللبنانيون حتى في أوج الحرب الأهلية وأيام الإنتداب الفرنسي .
وأي استقلال هذا في ظلّ وجود سلاح خارج إطار السلاح الشرعي وأقوى من سلاح الدولة .
وأيّ استقلال للبلد مع وجود دويلات طائفية تتخطى في قراراتها قرارات الدولة الشرعية وفي ظل وضع اقتصادي منهار وطبقة حاكمة غير قادرة عن استخراج النفط من بحره بسبب الخلاف على المحاصصة وتقاسم الجبنة .
فمنذ 72 سنة واللبنانيون يتكاذبون على أنفسهم وعلى بعضهم ، وحكام البلد يصرّون على الإحتفال بعيد الإستقلال ويفرضون على الشعب تصديق هذه الكذبة ، وكان الأولى بهم أن يجعلوا مناسبة الإستقلال في الأول من نيسان .